نستكمل اليوم ما بدأناه من حديث حول أهداف المعارضة من مقاطعة الانتخابات البرلمانية لكي نحاول فهم المراد من تلك المقاطعة وغاياتها وأهدافها.
أولاً: ذكرت الغالبية في بيانها الأخير عن محاولات الانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه منذ صدوره وحتى اليوم، واستشهدت بتمرير بعض القوانين عام 1963، ثم تزوير مجلس 67 ثم الانقضاض على الدستور عام 1976 عن طريق تعليق بعض مواده وتعطيل المجلس ثم الانقلاب الثاني على الدستور عام 86، ثم تشكيل المجلس الوطني عام 1990، ثم حل مجالس 96 و2003 و2006 و2008 و2009 ثم إبطال مجلسي 2012.
والسؤال هو: ماذا كان موقف القوى الوطنية طوال تلك السنوات مقابل ذلك العبث في الدستور؟! والجواب هو أنها تجمّع صفوفها في كل مرة لتدخل الانتخابات بهدف إصلاح الخلل، ولم نسمع بأنها قاطعت المجلس وتركت الحكومة تتفرد فيه على عكس موقف الغالبية اليوم!!
ثانياً: قضية أخرى حول ذلك الموضوع هي أن المراحل الأولى من عمر المجلس كانت أشد انحرافاً باعتراف البيان ومنها محاولة تزوير المجلس ثم حله حلاً غير دستوري مرتين ثم تشكيل المجلس الوطني على أنقاضه، بينما في السنوات الأخيرة اكتفت السلطة بحل المجلس مرات عدة حلاً دستورياً ثم إعادة الانتخابات، وهو أمر مؤلم حقاً ولكن نحن نعلم كذلك بحجم المشاكل التي واجهتها المجالس الأخيرة والتي أرغمت الشارع على طلب حل المجالس بسبب الصراع وتدني لغة الحوار من طرف الحكومة ومن طرف النواب.
أما إبطال مجلسي 2012 فهو بسبب التخبط الحكومي في إصدار المراسيم، وقد ذاق مرارته كتلة الغالبية التي لا تحبها الحكومة وكذلك كتلة الحكوميين الذين أعطوا الحكومة كل ما تريده في المجلس المبطل رقم (2)، فلا يمكن أن يكون ذلك من باب المؤامرة الحكومية لو قاطعت القوى الوطنية الانتخابات منذ بداية انحراف المجلس في أعوامه الأولى، كانت تلك التجربة ستنضج هذا النضج؟!
ثالثاً: اعتبر بيان الغالبية أن نظام الانتخابات بالصوت الواحد لمقاعد متعددة هو نظام شاذ غير ديموقراطي وأنه يعزز الفرقة والانكفاء في كانتونات صغيرة متناحرة وأن سببه عدم إيمان السلطة الحقيقي بالمشاركة الشعبية في الحكم.
والحقيقة هي أن جميع الأنظمة الانتخابية التي جربتها الكويت تفتقر الى الديموقراطية التي يتحدث عنها البيان، وأنها تكرس نوعاً من الفرقة والانكفاء، فنظام الخمس دوائر بأربعة أصوات الذي طالبت به الغالبية واستطاعت تطبيقه عام 2006 لا يعطي الناخب اختيار كل العشرة الذين يمثلون دائرته، كما أنه لا يوزع الدوائر الخمس توزيعاً عادلاً، وفوق ذلك كله فقد شاهدنا كيف عزز ذلك النظام القبلية والحزبية والطائفية، وكذلك كان نظام العشر دوائر بصوتين والـ 25 دائرة بصوتين.
إذاً فإن نظام الصوت الواحد لم يأت لتحقيق العدالة المطلوبة ولكنه خفف قليلاً من هيمنة التكتلات الكبيرة على حساب الأقلية.
رابعاً: العجيب أن بيان الغالبية يعتبر حكم المحكمة الدستورية هو استمرار في العبث السلطوي بينما الدكتور أحمد الخطيب قد اعتبر هذا الحكم مفخرة لنا جميعاً، وأنه رفع رأسنا عالياً في محيطنا العربي البائس لأنه رفض وجود أي سلطة فوق الدستور والقضاء وممثلي الشعب، فمن نصدق؟!
خامساً: تحتج الغالبية بأن حكم الدستورية قد ألغى العديد من الضمانات الواردة في المادة 71 من الدستور حول مراسيم الضرورة ومع أن هذه المادة قد كثر حولها الجدل ولكن كثيراً من الدستوريين يرون بأنها قد تمت بحسب التفسير الدستوري الصحيح ولم تتخط صلاحية الأمير في إصدار مراسيم الضرورة، ثم جاء حكم المحكمة الدستورية ليؤكد الجزء الذي يخضع لصلاحية الأمير ويلغي ما يخالف ذلك، فهل يريد نواب الغالبية أن ننسف ما قررته المحكمة وكثير من الخبراء الدستوريين تحت مسمى نظرية المؤامرة، وهل خضوع نواب المعارضة لما هو أكبر من ذلك التغيير في عام 92 وتغيير الدوائر يختلف عن موقفهم اليوم؟
سادساً: كثير من مطالب المعارضة تتطلب تغييرات دستورية كبيرة لا يمكن إلا أن تتم عن طريق التوافق بين السلطة والشعب، بينما تشنع المعارضة على محاولات الانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه، فكيف يمكن التوفيق بين هذين المتناقضين إذا لم تشارك المعارضة في البرلمان؟!
سابعاً: إن المقاطعة يجب أن تكون بهدف تحقيق شيء ملموس وممكن التحقيق، أما هذه المقاطعة التي تدعو لها الغالبية فلا حدّ لها ولا نهاية واضحة، بل هم يتكلمون عن مشروع إصلاح دستوري وسياسي متكامل يقوض تحالفات الفساد والإفساد ويمنع نهج الانفراد بالسلطة، ونحن نؤيد هذا المشروع المرتقب ولكن لماذا نترك أهم وسيلة للإصلاح من خلال المجلس الذي يمتلك الكثير من الصلاحيات الدستورية لكي نخرج الى الشارع طلباً لذلك الإصلاح الذي يتطلب رص صفوف جميع المواطنين ويستغرق عقوداً طويلة لتحقيقه، ولقد جربت المعارضة جميع الوسائل ومنها التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني فلم تجد نفعاً وعادت عليهم بسخط الناس وانفضاضهم عنهم!!
وإذا كانت شريحة كبيرة من المخلصين قد قررت دخول المجلس سعياً وراء التغيير المنشود فإن مقاطعة الغالبية وإصرارها على الانعزال عنهم، بل وتخوين كل من دخل المجلس بهدف الإصلاح، أليس ذلك بهدم لكل خير في هذا البلد وتمزيق لصفوف المخلصين بدلاً من رص الصفوف والتعاون على الخير؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
أولاً: ذكرت الغالبية في بيانها الأخير عن محاولات الانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه منذ صدوره وحتى اليوم، واستشهدت بتمرير بعض القوانين عام 1963، ثم تزوير مجلس 67 ثم الانقضاض على الدستور عام 1976 عن طريق تعليق بعض مواده وتعطيل المجلس ثم الانقلاب الثاني على الدستور عام 86، ثم تشكيل المجلس الوطني عام 1990، ثم حل مجالس 96 و2003 و2006 و2008 و2009 ثم إبطال مجلسي 2012.
والسؤال هو: ماذا كان موقف القوى الوطنية طوال تلك السنوات مقابل ذلك العبث في الدستور؟! والجواب هو أنها تجمّع صفوفها في كل مرة لتدخل الانتخابات بهدف إصلاح الخلل، ولم نسمع بأنها قاطعت المجلس وتركت الحكومة تتفرد فيه على عكس موقف الغالبية اليوم!!
ثانياً: قضية أخرى حول ذلك الموضوع هي أن المراحل الأولى من عمر المجلس كانت أشد انحرافاً باعتراف البيان ومنها محاولة تزوير المجلس ثم حله حلاً غير دستوري مرتين ثم تشكيل المجلس الوطني على أنقاضه، بينما في السنوات الأخيرة اكتفت السلطة بحل المجلس مرات عدة حلاً دستورياً ثم إعادة الانتخابات، وهو أمر مؤلم حقاً ولكن نحن نعلم كذلك بحجم المشاكل التي واجهتها المجالس الأخيرة والتي أرغمت الشارع على طلب حل المجالس بسبب الصراع وتدني لغة الحوار من طرف الحكومة ومن طرف النواب.
أما إبطال مجلسي 2012 فهو بسبب التخبط الحكومي في إصدار المراسيم، وقد ذاق مرارته كتلة الغالبية التي لا تحبها الحكومة وكذلك كتلة الحكوميين الذين أعطوا الحكومة كل ما تريده في المجلس المبطل رقم (2)، فلا يمكن أن يكون ذلك من باب المؤامرة الحكومية لو قاطعت القوى الوطنية الانتخابات منذ بداية انحراف المجلس في أعوامه الأولى، كانت تلك التجربة ستنضج هذا النضج؟!
ثالثاً: اعتبر بيان الغالبية أن نظام الانتخابات بالصوت الواحد لمقاعد متعددة هو نظام شاذ غير ديموقراطي وأنه يعزز الفرقة والانكفاء في كانتونات صغيرة متناحرة وأن سببه عدم إيمان السلطة الحقيقي بالمشاركة الشعبية في الحكم.
والحقيقة هي أن جميع الأنظمة الانتخابية التي جربتها الكويت تفتقر الى الديموقراطية التي يتحدث عنها البيان، وأنها تكرس نوعاً من الفرقة والانكفاء، فنظام الخمس دوائر بأربعة أصوات الذي طالبت به الغالبية واستطاعت تطبيقه عام 2006 لا يعطي الناخب اختيار كل العشرة الذين يمثلون دائرته، كما أنه لا يوزع الدوائر الخمس توزيعاً عادلاً، وفوق ذلك كله فقد شاهدنا كيف عزز ذلك النظام القبلية والحزبية والطائفية، وكذلك كان نظام العشر دوائر بصوتين والـ 25 دائرة بصوتين.
إذاً فإن نظام الصوت الواحد لم يأت لتحقيق العدالة المطلوبة ولكنه خفف قليلاً من هيمنة التكتلات الكبيرة على حساب الأقلية.
رابعاً: العجيب أن بيان الغالبية يعتبر حكم المحكمة الدستورية هو استمرار في العبث السلطوي بينما الدكتور أحمد الخطيب قد اعتبر هذا الحكم مفخرة لنا جميعاً، وأنه رفع رأسنا عالياً في محيطنا العربي البائس لأنه رفض وجود أي سلطة فوق الدستور والقضاء وممثلي الشعب، فمن نصدق؟!
خامساً: تحتج الغالبية بأن حكم الدستورية قد ألغى العديد من الضمانات الواردة في المادة 71 من الدستور حول مراسيم الضرورة ومع أن هذه المادة قد كثر حولها الجدل ولكن كثيراً من الدستوريين يرون بأنها قد تمت بحسب التفسير الدستوري الصحيح ولم تتخط صلاحية الأمير في إصدار مراسيم الضرورة، ثم جاء حكم المحكمة الدستورية ليؤكد الجزء الذي يخضع لصلاحية الأمير ويلغي ما يخالف ذلك، فهل يريد نواب الغالبية أن ننسف ما قررته المحكمة وكثير من الخبراء الدستوريين تحت مسمى نظرية المؤامرة، وهل خضوع نواب المعارضة لما هو أكبر من ذلك التغيير في عام 92 وتغيير الدوائر يختلف عن موقفهم اليوم؟
سادساً: كثير من مطالب المعارضة تتطلب تغييرات دستورية كبيرة لا يمكن إلا أن تتم عن طريق التوافق بين السلطة والشعب، بينما تشنع المعارضة على محاولات الانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه، فكيف يمكن التوفيق بين هذين المتناقضين إذا لم تشارك المعارضة في البرلمان؟!
سابعاً: إن المقاطعة يجب أن تكون بهدف تحقيق شيء ملموس وممكن التحقيق، أما هذه المقاطعة التي تدعو لها الغالبية فلا حدّ لها ولا نهاية واضحة، بل هم يتكلمون عن مشروع إصلاح دستوري وسياسي متكامل يقوض تحالفات الفساد والإفساد ويمنع نهج الانفراد بالسلطة، ونحن نؤيد هذا المشروع المرتقب ولكن لماذا نترك أهم وسيلة للإصلاح من خلال المجلس الذي يمتلك الكثير من الصلاحيات الدستورية لكي نخرج الى الشارع طلباً لذلك الإصلاح الذي يتطلب رص صفوف جميع المواطنين ويستغرق عقوداً طويلة لتحقيقه، ولقد جربت المعارضة جميع الوسائل ومنها التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني فلم تجد نفعاً وعادت عليهم بسخط الناس وانفضاضهم عنهم!!
وإذا كانت شريحة كبيرة من المخلصين قد قررت دخول المجلس سعياً وراء التغيير المنشود فإن مقاطعة الغالبية وإصرارها على الانعزال عنهم، بل وتخوين كل من دخل المجلس بهدف الإصلاح، أليس ذلك بهدم لكل خير في هذا البلد وتمزيق لصفوف المخلصين بدلاً من رص الصفوف والتعاون على الخير؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com