| د. حسن عبدالله عباس |
كلما حاول الكاتب أن يكتب شيئا عن الوضع المحلي، يُستجد شيئا ما اقليميا يجعل القلم لا شعوريا يكتب وينتقد المنطقة برمتها وهذه الشعوب التي لا تدري ما الذي تُريده!
لنكن صادقين، العرب فشلوا في كل شيء. نعم أدري أن عندهم وبينهم نزل الإسلام، وأعلم أن الدين رفعهم وانتشلهم بعدما كانوا يقتلون الموءودة ويدسونها في التراب، وأعلم أن الله أعزهم بأفضل الخلق محمداً وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، وأعلم أن الفتوحات توسعت ووصلت إلى الحدود الجنوبية لأوروبا، وصحيح أنهم نشروا الكثير من العلوم إبّان العصور الوسطى!
هذا الكلام سمعناه آلاف المرات من الكتب والتلفزيون والمحاضرات وأساتذتنا في المدرسة، لكن هذا الكلام بحاجة إلى تروي ونقاش يا جماعة. فهذا الكلام فسّره القرآن بـ «كُنتم خير أمة»، كنتم تفتحون الدول والبلدان، كنتم تعلمون الناس، كنتم تنشرون الكُتب، كنتم تحترمون الإنسان، كُنتم أمة واحدة، كنتم تحبون العلم والمعرفة، كنتم أعزة بعد ذل ومهانة، كنتم في خير!
أما اليوم فالبلدان 22 بدل واحدة، وأما النشر العلمي فنسبة الباحثين لكل مليون نسمة تساوي 318 باحثا (أما الدول المتقدمة فـ 3600 للمليون)، وما يُنشر سنويا لا يتعدى 15 ألف بحث (تعدادهم بحدود 340 مليون)، في حين الكيان الصهيوني لوحده ينشر عشرة أضعاف هذا الرقم (تقريبا 8 ملايين نسمة)! أما احترامهم للإنسان فسواد وجه، فقط أنظر لحالهم ولنبشهم للقبور وجزرهم للرؤوس وتقطيعهم الأوصال وأكل بعضهم لجثث بعض لخير دليل على إنسانيتهم! والأخلاق فحدث بالغدر ولا حرج، قطر تضرب ليبيا، والعراق يبتلع الكويت، والخليج يرسل التكفيريين إلى سورية، ومصر تغلق الحدود على فلسطين!
بل حتى كلمة «كنتم» السابقة لوجدناها هي بحد ذاتها بحاجة إلى معاينة دقيقة. فـ «كُنتم» التي عناها القرآن بالتأكيد بحاجة لتأني وتحليل. الفتوحات الإسلامية لم تكن في يوم هدفاً بحد ذاتها عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحكومته، لم تكن بأكثر من أسلوب لنشر رسالة السماء. فلو انتشر الدين بلا حرب كان بها، وإلا اضطُر لها. لذلك كان ينشر المعلمين والمؤدبين في المجتمعات الجديدة ليفقههم بالدين ويعلمهم ويُطلعهم على الاخلاق الرفيعة والسامية. أما الفتوحات التالية فكانت تجارية بحتة. الدول تُفتح ثم تُترك الشعوب لحال سبيلها لا مُعلم ولا مُؤدب ولا هم يحزنون، فالأمر اختلف لدى المتأخرين فصار للفتح معنىً مغايراً تماما فأضحى هو بحد ذاته هدفاً لا وسيلة! مجرد حيالله فتح وتُضاف لحصة ولخزينة هذا الوالي أو ذاك الامير!
وحتى العلم والفترة الذهبية للعرب ليس كما نظن. فلم يكونوا كل العرب أهلا للعلم، وتحديدا إما لم يكونوا عرباً أو كانوا لكنهم خارج نطاق الخليج كشمال أفريقيا أو المناطق الإسلامية غير العربية كإيران. فالانتشار والنشاط العلمي لم يظهر إلا على أمثال ابن سينا (فارس) والطوسي (فارس) والبخاري (خراسان) وابن رشد (قرطبة) والفارابي (قرطبة) والغزالي (فارس) والنسائي (خراسان) ومسلم (نيسابور) والترمذي (أوزبكستان)، وهكذا لباقي العلماء وفي كل التخصصات. فالقاعدة إما أنها خارج الدائرة العربية، أو أنها علوم وعلماء خارج دائرة «الخليج» والمنطقة المحيطة بها. لذا أليس من المفارقة والعجيب أن يكون اسلام اليوم بقيادة عربية خليجية؟ ثم ما السر من إسلام وخليجي ومتشدد وتكفيري؟ وهل للتشدد والسياسة والملوك صلة؟ سؤال مجرد سؤال!

hasabba@gmail.com