| إعداد سماح جمال |
حفل الزمان الجميل بابدعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض** الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي.
البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية.
وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن... وفي بروفايل اليوم نستذكر أهم محطات المخرج رومان بولانسكي ونتساءل عما إذا كان مجرد مغتصب هارب من العدالة أو فنان مبدع؟

رغم عبقرية الأعمال التي قدمها في مشواره الفني واتفاق الجميع على حجم موهبته الكبير، إلا أن المخرج رومان بولانسكي مدين بشهرته الواسعة التي حظي بها إلى قضية اتهامه باغتصاب طفلة تدعى سامانثـا غيمر، في العام 1977، والتي كانت حينها في الثالثة عشرة من عمرها، وذلك بعدما استدرجها إلى شقة صديقه الممثل الأميركي الشهير جاك نيكلسون بحجة التقاط صور لها لصالح المجلة الفرنسية الشهيرة «Vogue».
ولكن ما حدث كان أمراً مختلفاً. فبعدما قدم لها المخدرات والخمر، قام بالاعتداء عليها، مع أن محاميها في تلك القضية زعموا أن العلاقة كانت برضا الطرفين، واعترفت الفتاة بعد ذلك في التحقيقات بأنه أقنعها بتصويرها عارية ثم اعتدى عليها وأنها كانت في حالة من الذهول والرفض، ووجهت لـ رومان بولانسكي ست تهم من بينها الاغتصاب باستخدام المخدرات والتحرش الجنسي بالأطفال... «ولكن سمح له بالإقرار بالذنب في تهمة واحدة وهي الاتصال الجنسي غير المشروع».
وبعد أن قضى شهراً ونصف الشهر في السجن، توصل إلى اتفاق يسمح له بالفرار بفعلته مع أقسى عقوبة يمكن أن توقع عليه بالسجن 90 يوماً تحت الملاحظة النفسية.

هوليوود لا تبالي
ويبدو أن رد فعل أصدقائه في هوليوود ومناصريه كمن وقف موقف اللامبالي، كون عبقريته تفوق جرائمه بالنسبة إليهم. وكانت الممثلة ووبي غولدبيرغ كتبت مقالاً اعتبرت فيه «أن ما حدث بين رومان بولانسكي والفتاة لم يكن اغتصاباً بالمعني الصحيح»، كما قام أكثر من 100 نجم من نجوم هوليوود من بينهم مايكل سكورسيزي، ميك نيكولاس، هارفي وينستين، ووودي آلن بتقديم التماس يطلبون فيه من السلطات السويسرية إطلاق سراحه بعد أن كانت احتجزته في فترة سابقة أثناء وجوده على أراضيها. وبالرغم من كل التقديرات التي يحظى بها المخرج المثير للجدل في مختلف المحافل العالمية التي تعنى بالسينما والفن، إلا أن غالبية وسائل الإعلام تتعامل معه باعتباره مغتصب ومجرم.

الكل يرغب في الصغيرات
ربما تكون أغرب تصريحات المخرج رومان بولانسكي عن هذه القضية في إحدى المقابلات في العام 1979، قوله «الجميع كان يرغب في أن يقيم علاقة مع فتيات صغيرات»، وكأنه غير مهتم بالإعراب عن ندمه أو أسفه لما قام به.

الضحية تعفو عن مغتصبها
طالبت سامانثا غيمر مراراً «بألا يحظى رومان بولانسكي بعقاب إضافي أو أن تكون للقضية أي عواقب بعد الآن». وهي حالياً أم لأربعة أولاد، ولم تكتفِ بهذا، بل طالبت لأكثر من مرة المعنيين بالتوقف عن ملاحقة رومان بولانسكي، وطلبت من السلطات الأميركية المختصة السماح له بالذهاب إلى لوس أنجليس لحضور حفل الأوسكار الذي رشح فيه لجائزتين. كما طالبت في العام 2008 بإسقاط الدعوى عنه. وأصدرت غايمر مذكراتها في كتاب جديد بعنوان «الفتاة التي خرجت من ظل رومان بولانسكي ».

رحلة الهروب
عندما تم إلقاء القبض عليه في العام 1977، واعترف أثناء محاكمته بأنه مذنب في ما يتعلق بالتهم الموجهة إليه، وقبل أن يصدر الحكم في القضية، هرب إلى بريطانيا التي لم تقبل دخوله، فتوجه إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها والتي بحسب قوانينها لا تسمح بتسليم مواطنيها المتهمين لأي دولة، وحتى الآن لم يجرؤ على العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية خوفاً من الاعتقال وتمضية عقوبة تصل إلى أكثر من 70 سنة في السجن. وبعد فترة توجه إلى سويسرا، وما لبث أن وجد نفسه أمام القضية مجدداً في العام 2009 عندما فشل في مهمة تسليمه إلى الولايات المتحدة منها، وسيظل رومان بولانسكي في خطر الاعتقال والحبس في حال دخوله إلى أراضي إحدى الدول الموقعة على اتفاقية تسليم المتهمين مع الولايات المتحدة.

الفرار من الحرب
يرى القارئون في سيرة رومان بولانسكي أنها تصلح بحد ذاتها لتكون فيلماً سينمائياً مشوقاً. وبالرغم من واقعية أحداثها، إلا أن البعض قد يعتبرها درباً من دروب الخيال. فمع ولادته في العام 1933 - وتحديداً في 18 من شهر أغسطس - في إحدى المدن الفرنسية، غادر مع والديه إلى بولندا قبل سنتين فقط من قيام الحرب العالمية الثانية،
وسلمه ذووه إلى إحدى العائلات البولندية التي تسكن واحدة من المناطق الزراعية هناك، ووصلت به الحال في بعض الأحيان إلى النوم هناك في أحد اسطبلات الأبقار، كما تجوّل في تلك الأثناء في الريف البولندي وعاش مع إحدى الأسر الكاثوليكية.

قَتْل زوجته الحامل
لم يكتفِ رومان بولانسكي بزوجة واحدة، فتزوج من الممثلة البولندية باربرة لاس، وبعد طلاقهما، ارتبط بالممثلة شارون تايت التي قُتلت وهي حامل بطريقة وحشية على يد عصابة «مانسون» الشهيرة. ولم تكن هي الضحية الوحيدة، بل قتلت يومها معها مجموعة من أصدقائها، ولم يكتفِ الجناة بهذا فقط، بل قاموا بالتمثيل بجثتها في مذبحة بشعة وقعت في منزل رومان بولانسكي في ضواحي لوس أنجليس، وذلك في العام 1969. ولم تمض فترة طويلة، حتى ألقي القبض على الجناة الذين تبيّن أنهم قد وضعوا قائمة لقتل عدد كبير من مشاهير هوليوود في ذلك الوقت، منهم ريتشارد برتون، إليزابيث تايلور، توم جونز، فرانك سيناترا وستيف ماكوين، وكان رومان بولانسكي يعتبر أن ارتباطه بشارون تايت كان أفضل فترة أمضاها في حياته.

تزوج بالثالثة
بعد هذا الحادث المأسوي، كرر رومان بولانسكي حظوظه في الزواج للمرة الثالثة، فارتبط بالممثلة الفرنسية إيمانويل سينيه، وأنجب منها ابنه الفيس وابنته مورغان، ومن الأمور الطريفة أنه يضع في منزله قانوناً يفرض بمقتضاه على أفراد أسرته التحدث باللغة البولندية فقط.

عاشق للسينما
بعد انتهاء الحرب العالمية، شارك في عدد من الأفلام كممثل في فترة الخمسينات، وكان ولعه بالسينما بدأ معه منذ صباه فكان يرتاد دور العرض السينمائي إشباعاً لولعه الذي قاده لاحقاً إلى دراسة السينما والتخصص في الإخراج. وفي العام 1968، هاجر إلى هوليوود لينطلق من هناك إلى شهرته الواسعة.

أفلامه
يعتبر فيلم «طفل روزمري» واحداً من أشهر أعماله، والذي جعل الشيطان يتحكم في مصير البشر على الأرض. أما رائعته «الحي الصيني»، فيعكس مدى قذارة المجتمع وسادية المشاعر التي ظهرت بشكل جلّي في عمله. وفي فيلمه «تيس»، طرح قصة بصورة مباشرة لما فعله من خلال تناوله لقصة مقتبسة عن رواية أدبية تحمل الاسم ذاته، عن فتاة يغويها أحد الرجال وتفقد عذريتها وحياتها، وفيلمه «ماكبث» المأخوذ من أحد الروايات الشكسبيرية والذي لا يقل قسوة وسوداوية عن أعماله السابقة. أما آخر أعماله التي شارك بها في مهرجان «كان» السينمائي بدورته 66، «La Vénus à la Fourrure»، فيعتبر فيلما ساخرا للغاية، عن ممثلة غبية ووقحة تثير اضطراب مخرج المسرحيات اليائس الذي يجري اختباراً لأداء ممثلات مسرحيته طوال اليوم ولكن من دون أن يجد ممثلة مقنعة، وتلعب زوجته إيمانويل سينيه، التي لم تشاركه أياً من أفلامه منذ 14 عاماً بعد فيلم «La Neuvième Porte».

رؤيته الفنية
ظهرت في أسلوبه الفكاهة السوداء واهتم بالعلاقات الإنسانية الغريبة، واتسمت أعماله عموماً بالغموض والقسوة، وفسّر بعض النقاد القسوة في أفلامه كنتيجة مباشرة للمآسي التي واجهها منذ طفولته، من خلال أفلامه القديمة منذ «طفل روزماري» و«قتلة مصاصي الدماء» و«الحي الصيني» و«المستأجر»... إنها شديدة التشاؤم للعالم، لكنه بصورة فلسفية، يمتزج فيها بنظرته الذاتية، النابعة من تجربته الشخصية الخاصة للمخرج، ويظهر في أعماله رغبته في التعبير عن جوهر الأشياء وتصويرها مهما بدت غامضة أو مستحيلة.

جوائز عالمية
يحمل رومان بولانسكي في سجله رصيداً حافلاً من الجوائز، ومن بينها أوسكار «أفضل نص مقتبس العام 1969 عن فيلم Rosemary's Baby»، «أفضل مخرج العام 1975 عن فيلم Chinatown»، «أفضل مخرج العام 1981 عن فيلم TESS»، كما نال رومان بولانسكي نحو خمسين جائزة طوال مسيرته السينمائية، وكانت آخرها جائزة مهرجان زيوريخ، وقد ترشح أربع مرات لجائزة الأوسكار كأفضل مخرج، وحصد السعفة الذهبية لفيلم «Le Pianiste» في العام 2002.

فخ الأوسكار
كان خبر ترشحه ومن ثم فوزه بجائزة الأوسكار، التي تعتبر من أهم وأعرق الجوائز الفنية على مستوى العالم، صادماً للبعض، خصوصاً أنه لم يستطع أن يحضر لتسلم جائزته عن فئتي أفضل مخرج وأفضل فيلم عن فيلم «The Pianist» وتسلمها بالنيابة عنه صديقه المخرج ستيفن سبيلبيرغ.