| القاهرة - «الراي» |
للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جوانب خفية في شخصيته، ليست معروفة على نطاق واسع، تكشفها «مذكرات السادات في السجن»، والتي حصل على تفاصيلها الكاتب الصحافي المصري محمود صلاح، وكشف عن تفاصيلها لـ «الراي»، في حلقات تنشر متتالية، وهي في أربعينات القرن الماضي وقبيل قيام ثورة يوليو 1952، حيث تظهر أن السادات شكل أول تنظيم سري داخل الجيش المصري... وسعى أكثر من مرة لاتصال تنظيمه بالألمان وقت الحرب العالمية الثانية لإبلاغهم باستعداد هذا التنظيم للقتال ضد قوات الاحتلال الإنكليزي في مصر، في مقابل حصولها على الاستقلال بعد نهاية الحرب، ودبر محاولة لإخراج
الفريق عزيز المصري سرا من مصر، بالاتفاق مع الألمان، لمساندة ثورة رشيد الكيلاني ضد الإنكليز في العراق، ولم يتردد في مساعدة جاسوس ألماني، فعرف طريقه إلى السجن للمرة الأولى في حياته، وبعد خروجه أمضى فترة عصيبة من حياته.
بعد أن فقد وظيفته كضابط برتبة يوزباشي «نقيب»، ولم تثنه المعاناة عن طريق العمل السياسي السري لمواجهة الاحتلال البريطاني لمصر، إلى أن دخل السجن مرة أخرى متهما مع آخرين بقتل وزير المالية الأسبق أمين عثمان، فيما اعتبر وقتها- أهم قضية سياسية في مصر.
حياة السجن والتشرد، أكسبت، بحسب كاتب المذكرات، شخصية السادات درجة من الصلابة والعزم، وقدرات خاصة على مقاومة السلطة الظالمة، وأتاحت له في بعض الأوقات عندما كانت إدارات السجون تخفف من قبضتها عليه - فرصة للتأمل والقراءة العميقة،
وأكسبته أيضا قدرة على التعامل مع الآخرين في المواقف العصيبة، وأعطته نوعا من التدريب العملي على الإصرار على تحقيق الهدف، والصبر والجلد في مواجهة الظروف غير المواتية حتى تحين اللحظة المناسبة.
وتكشف مذكراته في السجن أيضا عن تكتيك أصيل في ممارسة السادات السياسية - والتي ظهرت بوضوح في ما بعد عندما أصبح رئيسا لمصر- هو الجرأة الشديدة ومفاجأة الخصم بخطوة غير متوقعة... فها هو السادات في لحظة ما من سجنه يقرر الهروب ليبلغ الملك فاروق في قصر عابدين، والرأي العام في مصر كلها، برسالة احتجاج على الأوضاع في السجون، ثم يعود بمحض إرادته في اليوم التالي.
• قتلة أمين عثمان كانوا من أعمار مختلفة واتجاهات وبيئات وطبقات متباينة... لكنهم اجتمعوا على هدف واحد
• نظر القضاء قضية أمين عثمان سنة وسبعة أشهر على مدار 84 جلسة وبلغ عدد صفحات التحقيق فيها 1580 صفحة
• عُثر في جيب السادات على ورقة مكتوب فيها «أتعشم أن أصل إلى الضربة الكبرى قريباً» فوجهت له النيابة تهمة الاشتراك في جمعية للاعتداءات السياسية
• لم يتردد السادات وهو برتبة «يوزباشي» من محاكمة أخيه «الصول» عسكريا وأنزل رتبته
• تُرك السادات من دون ملابس أو صابون في المعتقل فأصيب بالتهاب شديد جعله يهرش مثل «الأجرب»
• رجل مخابرات بريطانية أوقف ترحيل السادات ورفاقه إلى سجن الطور لعدم استشارة السفارة الإنكليزية في الأمر
• قائمة الاغتيالات شملت اثنين من زعماء حزب الوفد هما مكرم عبيد ومصطفى النحاس باشا
القاهرة - من محمود صلاح:
«في قضية اغتيال وزير المالية الأسبق أمين عثمان باشا التي اعتبرت في أربعينات القرن الماضي أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر، كان المتهمون ينتمون الى اتجاهات وبيئات وطبقات مختلفة، فكان من بينهم أبناء وكلاء وزارات، وتباينت أعمارهم من 14 عاما الى 27 عاما، لكن السادات كان أكبرهم سنا وأبرزهم خلفية سياسية، وكان يتسم بطابع عسكري صارم، حتى انه عندما كان برتبة يوزباشي شكل مجلسا عسكريا لمحاكمة أخيه، وكان صولا تحت امرته، وحكم عليه بتنزيل رتبته، وذلك حسب شهادة كتبها الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل في تحقيق بمجلة آخر ساعة.. بينما حققت مجلة «المصور» سبقا صحافيا عام 1948 بنشر مذكرات اليوزباشي أنور السادات في السجن الذي قضى فيه 913 يوما تحت عنوان «30 شهرا في السجن»! تناول فيها السادات بأسلوب أدبي كأنه يستعرض شريط فيلم شاهده».
لم يدخل الرئيس أنور السادات المعتقل والسجن في قضية الجاسوسين الألمانيين والراقصة حكمت فهمي فقط، بل كان القدر يخبئ له موعدا آخر مع السجن، وهذه المرة متهما في حادث اغتيال أمين عثمان في أربعينات القرن الماضي.
ولقد كتب الكثير عن محاولة اغتيال أمين عثمان ومحاكمة المتهمين في الحادث، لكن ما كتبه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن تلك المحاكمة يلخص القضية التي حوكم أنور السادات متهما فيها.
كتب هيكل في «آخر ساعة» تحقيقا تحت عنوان «أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر» يقول فيه:
«بدأت وقائع القضية من الناحية الرسمية يوم 5 يناير سنة 1946 وان كانت على حد الاتهامات الواردة في قرار النيابة قد بدأت قبل ذلك بكثير، بدأت سنة 1942 وبعد يوم 4 فبراير منها على وجه التحديد، والتهمة ليس فيها ما يجهله الناس، قتل أمين عثمان باشا وهو يدخل دار رابطة النهضة في المنزل رقم 8 شارع عدلي باشا، وقبلها كانت محاولة قتل النحاس باشا في شارع قصر العيني..
«وقبل ذلك محاولات متفرقة للاعتداء على بعض الجنود الانكليز ثم تقول النيابة انه كان في الطريق المرسوم بعد هذا اغتيالات أخرى، قتل مكرم عبيد باشا، والقائمة الأولى للتنفيذ كانت تضم اسمه الى جوار أمين عثمان باشا ومصطفى النحاس باشا، وكانت هذه هي القائمة الأولى فقط».
ويضيف هيكل: «مضى وقت طويل منذ بدأت هذه القضية، ومرت يد الزمن والحوادث على بعض وقائعها، فشحبت وتباعدت مرئياتها عن أذهان الناس، لكن هذه الوقائع وما ترتب عليها من ظروف ظلت عامرة بالأحداث للذين عاشوا فيها وهم أبطالها المتهمون الستة.
في فترة طويلة مليئة بالحوادث تغير كل شيء وتغيرت النظرة اليهم، وفي هذه الفترة توفي آباء أربعة من المتهمين، والى جوار مرارة السجن ذاقوا مرارة اليتم.
وتغير حملة لواء الاتهام في القضية أكثر من مرة، كان في البداية في يد النائب العمومي محمود منصور بك، وتركه للأفوكاتو العمومي يومها يحيى مسعود بك، ثم انتقل الى رئيس النيابة في ذلك الوقت عبدالرحمن بك رافعي، واستقر فترة طويلة بعد ذلك في يد الأستاذ كامل القاويش، واضطر الى تركه للأستاذ عبدالرحمن يوسف الذي توفي، وانتهى المطاف بلواء الاتهام الى الاستاذ أنور حبيب ليدلي بكلمة الختام».
وأضاف هيكل: «لعل أعجب ما تتميز به هذه القضية هم المتهمون فيها، من هم ومن أين جاءوا؟ والذي يبحث الأسباب التي كان يمكن أن تربط هؤلاء المتهمين بعضهم بعضا وتسوقهم أمام القدر في طريق واحد، سوف يقابل الأعاجيب!».
انهم من أعمار مختلفة واتجاهات مختلفة وبيئات مختلفة وطبقات مختلفة، ثلاثة منهم من أبناء وكلاء الوزارات وهم: حسين توفيق وسعد ومصطفى حبيشة، وأحدهم وهو محمد كامل كان والده وكيل محكمة استئناف أسيوط.
«وكانت سن أكبر المتهمين وقت بدء القضية وهو أنور السادات 27 سنة، وكانت سن أصغرهم في نفس الوقت وهو سعيد توفيق 14 سنة، وكان بين بعضهم صلات وثيقة من القرابة، حسين توفيق وسعيد توفيق أخوان، ونجيب فخري ومدحت فخري أخوان، ومصطفى حبيشة ومحمد ابراهيم كامل ونجيب فخري ومدحت فخري وحسين توفيق وسعيد توفيق جميعهم أبناء خالات!».
«والذي يستعرض أمامه بعد هذا كله شخصيات المتهمين أنفسهم ثم يعيد على نفسه عين السؤال: من هم ومن أين جاءوا وما الذي ساقهم جميعا أمام القدر، تزداد حيرته!».
«حسين توفيق الذي كتبت مدرسة الليسيه ومدرسة سان مارك على بطاقة دراسته فيها، أنه دائما في غيبوبة لا يستيقظ منها الا على أحاديث السياسة!».
«وأنور السادات المولود في السودان، ذو الطبع العسكري الصارم الذي دفعه مرة، وكان برتبة يوزباشي أن يؤلف لأخيه وكان صولا تحت امرته مجلسا عسكريا يحاكمه ويحكم عليه بتنزيل رتبته، ثم بعد ذلك هو أب لطفلتين!».
«سعد توفيق هاوي صيد السمك، يجلس بالسادات على الترعة في المعادي، ينتظر سمكة تقترب من سنارته!».
«وعمر حسين أبوعلي، الشاب الوحيد الذي توفي أبوه وتوفيت أمه، وبقي له شقيقان، أحدهما الطيار الذي هرب بطائرته الى خطوط الليمان سنة 1942 وانقطعت أخباره، وعرف بعدها أنه مات، والآخر قتل في احدى المظاهرات وبقي عمر حسين أبوعلي وحيدا!».
«ومحمود مراد الذي كان والده متهما مع الورداني في قضية اغتيال بطرس غالي باشا!».
«والسيد عبدالعزيز خميس الذي يهيم بالتاريخ، واستعرضت اعترافاته 25 صفحة من حجم الفولسكاب، حلل فيها تاريخ مصر الحديثة كله!».
«ونجيب فخري خريج كلية فيكتوريا التي تخرج فيها أمين عثمان باشا!».
«وعبدالهادي مسعود.. الشاعر الذي ينظم الشعر ويحفظ كثيرا من الأشعار..».
«ووسيم خالد الذي كتب في مفكرته: «هربت مني النقود فهربت النساء».. ووسيم عمره 15 سنة!
«ومحجوب علي محجوب الذي كان عضوا في رابطة النهضة التي يرأسها أمين عثمان باشا!».
«ومدحت حسين فخري.. الذي كان يجلس الى جوار سعيد توفيق على الترعة يغازلان السمك!».
«ومحمد كامل الذي بدأت القضية وهو طالب في الحقوق، وانتهت وقد أصبح محاميا!
«وسعد كامل الذي يتهم في كل قضية: اتهم في قضية بقتل أحمد ماهر باشا، واعتقل في عهد النحاس باشا، واتهم في هذه القضية، كما اتهم في قضية مؤامرة الضباط فيما بعد».
كل هؤلاء..
«الذين جاءوا من الشرق والغرب، ما الذي جمعهم معا، ودفعهم أمام القدر في طريق واحد؟!
وجهت النيابة الى السادات ضمن 26 متهما آخرين تهمة الاشتراك في قتل أمين عثمان، وأثناء نظر القضية أشار وكيل النيابة الى أن أنور السادات اشترك في جمعية للاعتداءات السياسية، وأن هناك ورقة ضبطت في جيب بيجامته، فيها عبارات باللغة الانكليزية تقول: التقرير رقم (1) في 13/2 التشكيل رقم 2 بلا عمل، التشكيل رقم 2 يتصل بي، ابتعدوا وأنا أتولى القيادة من هنا ـ التشكيل رقم 2 ينتظر الأوامر، أتعشم أن أصل الى الضربة الكبرى قريبا، يعتبرونني شخصا خطيرا ولكن الدليل ضعيف جدا.. في انتظار الأوامر.. الحمد لله.. وليحيا رجلنا»!
وربما كان أنور السادات يقصد بعبارة «وليحيا رجلنا» الفريق عزيز المصري، والذي كان قد تم القبض عليه والتحقيق معه في قضية اغتيال أمين عثمان باشا.
ظل القضاء ينظر قضية أمين عثمان سنة وسبعة أشهر على مدار 84 جلسة، وبلغ عدد صفحات التحقيق فيها 1580 صفحة.
وفي عام 1948 نشرت مجلة «المصور» حلقة من مذكرات اليوزباشي أنور السادات في السجن الذي قضى فيه 913 يوما تحت عنوان «30 شهرا في السجن»!
وقالت «المصور» وهي تقدم مذكرات أنور السادات انه أحد المتهمين في قضية الاغتيالات السياسية، وحكم ببراءته، وهو أقوى المتهمين شخصية وأكبرهم عمرا، وأكثرهم ثقافة وتجربة.
وقد كتب أنور السادات مذكراته في السجن على شكل يوميات، بأسلوب أديب مرهف الحس، وعن يوم الجمعة 18 يناير 1946، وهو أول يوم يدخل فيه السجن، كتب أنور السادات في يومياته يقول:
دخلت أمس سجن الأجانب بعد منتصف الليل بعد أن عدت من سراي النيابة، ها هو ذا سجن الأجانب يضمني ثانية بعد أن كنت نسيته تماما، اذ أن آخر ذكريات لي فيه انتقلت الى ركن بعيد من ذاكرتي، ولكنني أراني الآن أستعيدها كما لو كانت بالأمس.. فها هي ذي الغرفة رقم 28 التي كان يسكنها أربعتنا محسن والشندي وجعفر وأنا، وقد نقلت الى السجن في شهر سبتمبر 1944، على أثر مشادة بيني وبين ادارة المعتقل بالزيتون، تمهيدا لترحيلي الى الطور كما أرتأى الحاكم العسكري - وقتذاك -!
انني أذكر جيدا الآن كيف جاهدنا لنجعل اقامتنا هنا محتملة وشيقة، فقد رأينا من المستر «هيكمان» مأمور السجن السابق استعدادا طيبا لذلك، وكنا نمضي اليوم في لعب الطاولة والدومينو أو القراءة على كراسي البحر التي استحضرناها، وأذكر أيضا ذلك اليوم الذي أعلنا فيه بالسفر الى «الطور»، وكيف نقل الشندي الى سجن التخشيبة، وقضينا نحن الثلاثة في انتظار ميعاد قدوم الطوافة التي ستقلنا الى الطور، اذ ان رحلتها كانت شهرية، وأحضروا لنا طعام الرحلة من المتعهد لكي نحمله في سفرنا، وهو عبارة عن «بقسماط» ناشف وجبن وحلاوة!
كما أني لا أزال أذكر أنه قدر لهذه الرحلة ألا تتم، فقد تدخل الانكليز في عدم اتمامها، ولهذا التدخل قصة طريفة: فقد كان رجال المخابرات البريطانية دائمي التردد على سجن الأجانب بشأن قضاياهم، وذات يوم حضر الى السجن المدعو الميجور سمسون من قلم الجاسوسية البريطانية في الشرق الأوسط، فقابل مصادفة محسن وهو في الزيارة بغرفة المأمور، وسأله عن سبب وجوده في سجن الأجانب فأخبره محسن بوجودنا جميعا، تمهيدا لترحيلنا الى الطور، فثار سمسون ثورة هائلة لأننا كنا معتقلين على ذمة السلطة البريطانية، فكيف لم تستشر في أمرنا!! ثم أعطى محسن وعدا قاطعا بالغاء هذا الترحيل وعودتنا للمعتقل، وكانت السفارة البريطانية مصدر السلطات حقيقة وقتذاك، ولم يمض يوم واحد على زيارة سمسون المذكور حتى ألغى الحاكم العسكري أمره بترحيلنا للطور، وعدنا الى المعتقل في عهد خلفه المرحوم ماهر باشا.
ومازلت أذكر كيف دفعني الفضول لأستقصي سر «سمسون» هذا، فعلمت أنه كان موظفا في شركة تأمين انكليزية كبرى في القاهرة قبل قيام الحرب بزمن طويل، وكان يعمل في قلم المخابرات البريطانية في نفس الوقت، فلما أعلنت الحرب جند رئيسا لقلم الجاسوسية في القاهرة برتبة كابتن، وكانت مدة خدمته السابقة كفيلة بأن تجعله يجيد العربية بجميع لهجاتها «بحكم الصنعة»، ويتغلغل في جميع الأوساط ويقف على جميع الاتجاهات، ولم تستطع الامبراطورية العجوز أن تستغني عن خدماته بعد الحرب، فهو يشغل الآن وظيفة ديبلوماسية في السفارة البريطانية.. ترى ما هي حقيقة العمل الذي يؤديه الآن!
ان الذكريات تتدافع الى رأسي في كل اتجاه، وكأنها فيلم تتوالى حوادثه في تشويش واضطراب، لقد نسيت أنني الآن متهم في قضية أمين عثمان باشا.
«أنني أرى جو السجن رهيبا بخلاف ما عهدته، الا انني أعتقد أن الوضع سيكون على أي حال أحسن، فلست الآن تحت الأحكام العرفية، كما كانت الحال في المرة السابقة، ولعل وجودي على ذمة النيابة يكون خيرا من وجودي على ذمة الحاكم العسكري المفضال».
وتحت عنوان الأحد 20 يناير 1946 كتب أنور السادات يقول: مضى عليًّ الآن ثلاثة أيام وأنا أنام ببدلتي، فقد نقلوني الى هنا مساء الخميس السابق، دون أن يحضروا ملابسي وحاجاتي من سجن مصر، حيث كنت.. هذا برغم أنني شكوت شفهيا ثلاث مرات في الأيام السابقة لمأمور السجن.
انني ألاحظ تغيرا شديدا في معاملة المأمور لي بالنسبة للمعاملة التي لقيتها منه المرة السابقة، وهو يحيلني دائما على البكباشي امام، الذي أخفقت في محاولة الاتصال به، لذلك كتبت خطابا شديد اللهجة الى النائب العام في شأن هذا الاهمال، وتركي من دون ملابسي أو حتى صابونة لأغتسل.. وقد سبب لي النوم بالبدلة التهابا شديدا في فخذي جعلني «أهرش» كما لو كنت «أجرب»..
وتتوالى أيام أنور السادات في السجن.
للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جوانب خفية في شخصيته، ليست معروفة على نطاق واسع، تكشفها «مذكرات السادات في السجن»، والتي حصل على تفاصيلها الكاتب الصحافي المصري محمود صلاح، وكشف عن تفاصيلها لـ «الراي»، في حلقات تنشر متتالية، وهي في أربعينات القرن الماضي وقبيل قيام ثورة يوليو 1952، حيث تظهر أن السادات شكل أول تنظيم سري داخل الجيش المصري... وسعى أكثر من مرة لاتصال تنظيمه بالألمان وقت الحرب العالمية الثانية لإبلاغهم باستعداد هذا التنظيم للقتال ضد قوات الاحتلال الإنكليزي في مصر، في مقابل حصولها على الاستقلال بعد نهاية الحرب، ودبر محاولة لإخراج
الفريق عزيز المصري سرا من مصر، بالاتفاق مع الألمان، لمساندة ثورة رشيد الكيلاني ضد الإنكليز في العراق، ولم يتردد في مساعدة جاسوس ألماني، فعرف طريقه إلى السجن للمرة الأولى في حياته، وبعد خروجه أمضى فترة عصيبة من حياته.
بعد أن فقد وظيفته كضابط برتبة يوزباشي «نقيب»، ولم تثنه المعاناة عن طريق العمل السياسي السري لمواجهة الاحتلال البريطاني لمصر، إلى أن دخل السجن مرة أخرى متهما مع آخرين بقتل وزير المالية الأسبق أمين عثمان، فيما اعتبر وقتها- أهم قضية سياسية في مصر.
حياة السجن والتشرد، أكسبت، بحسب كاتب المذكرات، شخصية السادات درجة من الصلابة والعزم، وقدرات خاصة على مقاومة السلطة الظالمة، وأتاحت له في بعض الأوقات عندما كانت إدارات السجون تخفف من قبضتها عليه - فرصة للتأمل والقراءة العميقة،
وأكسبته أيضا قدرة على التعامل مع الآخرين في المواقف العصيبة، وأعطته نوعا من التدريب العملي على الإصرار على تحقيق الهدف، والصبر والجلد في مواجهة الظروف غير المواتية حتى تحين اللحظة المناسبة.
وتكشف مذكراته في السجن أيضا عن تكتيك أصيل في ممارسة السادات السياسية - والتي ظهرت بوضوح في ما بعد عندما أصبح رئيسا لمصر- هو الجرأة الشديدة ومفاجأة الخصم بخطوة غير متوقعة... فها هو السادات في لحظة ما من سجنه يقرر الهروب ليبلغ الملك فاروق في قصر عابدين، والرأي العام في مصر كلها، برسالة احتجاج على الأوضاع في السجون، ثم يعود بمحض إرادته في اليوم التالي.
• قتلة أمين عثمان كانوا من أعمار مختلفة واتجاهات وبيئات وطبقات متباينة... لكنهم اجتمعوا على هدف واحد
• نظر القضاء قضية أمين عثمان سنة وسبعة أشهر على مدار 84 جلسة وبلغ عدد صفحات التحقيق فيها 1580 صفحة
• عُثر في جيب السادات على ورقة مكتوب فيها «أتعشم أن أصل إلى الضربة الكبرى قريباً» فوجهت له النيابة تهمة الاشتراك في جمعية للاعتداءات السياسية
• لم يتردد السادات وهو برتبة «يوزباشي» من محاكمة أخيه «الصول» عسكريا وأنزل رتبته
• تُرك السادات من دون ملابس أو صابون في المعتقل فأصيب بالتهاب شديد جعله يهرش مثل «الأجرب»
• رجل مخابرات بريطانية أوقف ترحيل السادات ورفاقه إلى سجن الطور لعدم استشارة السفارة الإنكليزية في الأمر
• قائمة الاغتيالات شملت اثنين من زعماء حزب الوفد هما مكرم عبيد ومصطفى النحاس باشا
القاهرة - من محمود صلاح:
«في قضية اغتيال وزير المالية الأسبق أمين عثمان باشا التي اعتبرت في أربعينات القرن الماضي أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر، كان المتهمون ينتمون الى اتجاهات وبيئات وطبقات مختلفة، فكان من بينهم أبناء وكلاء وزارات، وتباينت أعمارهم من 14 عاما الى 27 عاما، لكن السادات كان أكبرهم سنا وأبرزهم خلفية سياسية، وكان يتسم بطابع عسكري صارم، حتى انه عندما كان برتبة يوزباشي شكل مجلسا عسكريا لمحاكمة أخيه، وكان صولا تحت امرته، وحكم عليه بتنزيل رتبته، وذلك حسب شهادة كتبها الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل في تحقيق بمجلة آخر ساعة.. بينما حققت مجلة «المصور» سبقا صحافيا عام 1948 بنشر مذكرات اليوزباشي أنور السادات في السجن الذي قضى فيه 913 يوما تحت عنوان «30 شهرا في السجن»! تناول فيها السادات بأسلوب أدبي كأنه يستعرض شريط فيلم شاهده».
لم يدخل الرئيس أنور السادات المعتقل والسجن في قضية الجاسوسين الألمانيين والراقصة حكمت فهمي فقط، بل كان القدر يخبئ له موعدا آخر مع السجن، وهذه المرة متهما في حادث اغتيال أمين عثمان في أربعينات القرن الماضي.
ولقد كتب الكثير عن محاولة اغتيال أمين عثمان ومحاكمة المتهمين في الحادث، لكن ما كتبه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن تلك المحاكمة يلخص القضية التي حوكم أنور السادات متهما فيها.
كتب هيكل في «آخر ساعة» تحقيقا تحت عنوان «أكبر قضية سياسية في تاريخ مصر» يقول فيه:
«بدأت وقائع القضية من الناحية الرسمية يوم 5 يناير سنة 1946 وان كانت على حد الاتهامات الواردة في قرار النيابة قد بدأت قبل ذلك بكثير، بدأت سنة 1942 وبعد يوم 4 فبراير منها على وجه التحديد، والتهمة ليس فيها ما يجهله الناس، قتل أمين عثمان باشا وهو يدخل دار رابطة النهضة في المنزل رقم 8 شارع عدلي باشا، وقبلها كانت محاولة قتل النحاس باشا في شارع قصر العيني..
«وقبل ذلك محاولات متفرقة للاعتداء على بعض الجنود الانكليز ثم تقول النيابة انه كان في الطريق المرسوم بعد هذا اغتيالات أخرى، قتل مكرم عبيد باشا، والقائمة الأولى للتنفيذ كانت تضم اسمه الى جوار أمين عثمان باشا ومصطفى النحاس باشا، وكانت هذه هي القائمة الأولى فقط».
ويضيف هيكل: «مضى وقت طويل منذ بدأت هذه القضية، ومرت يد الزمن والحوادث على بعض وقائعها، فشحبت وتباعدت مرئياتها عن أذهان الناس، لكن هذه الوقائع وما ترتب عليها من ظروف ظلت عامرة بالأحداث للذين عاشوا فيها وهم أبطالها المتهمون الستة.
في فترة طويلة مليئة بالحوادث تغير كل شيء وتغيرت النظرة اليهم، وفي هذه الفترة توفي آباء أربعة من المتهمين، والى جوار مرارة السجن ذاقوا مرارة اليتم.
وتغير حملة لواء الاتهام في القضية أكثر من مرة، كان في البداية في يد النائب العمومي محمود منصور بك، وتركه للأفوكاتو العمومي يومها يحيى مسعود بك، ثم انتقل الى رئيس النيابة في ذلك الوقت عبدالرحمن بك رافعي، واستقر فترة طويلة بعد ذلك في يد الأستاذ كامل القاويش، واضطر الى تركه للأستاذ عبدالرحمن يوسف الذي توفي، وانتهى المطاف بلواء الاتهام الى الاستاذ أنور حبيب ليدلي بكلمة الختام».
وأضاف هيكل: «لعل أعجب ما تتميز به هذه القضية هم المتهمون فيها، من هم ومن أين جاءوا؟ والذي يبحث الأسباب التي كان يمكن أن تربط هؤلاء المتهمين بعضهم بعضا وتسوقهم أمام القدر في طريق واحد، سوف يقابل الأعاجيب!».
انهم من أعمار مختلفة واتجاهات مختلفة وبيئات مختلفة وطبقات مختلفة، ثلاثة منهم من أبناء وكلاء الوزارات وهم: حسين توفيق وسعد ومصطفى حبيشة، وأحدهم وهو محمد كامل كان والده وكيل محكمة استئناف أسيوط.
«وكانت سن أكبر المتهمين وقت بدء القضية وهو أنور السادات 27 سنة، وكانت سن أصغرهم في نفس الوقت وهو سعيد توفيق 14 سنة، وكان بين بعضهم صلات وثيقة من القرابة، حسين توفيق وسعيد توفيق أخوان، ونجيب فخري ومدحت فخري أخوان، ومصطفى حبيشة ومحمد ابراهيم كامل ونجيب فخري ومدحت فخري وحسين توفيق وسعيد توفيق جميعهم أبناء خالات!».
«والذي يستعرض أمامه بعد هذا كله شخصيات المتهمين أنفسهم ثم يعيد على نفسه عين السؤال: من هم ومن أين جاءوا وما الذي ساقهم جميعا أمام القدر، تزداد حيرته!».
«حسين توفيق الذي كتبت مدرسة الليسيه ومدرسة سان مارك على بطاقة دراسته فيها، أنه دائما في غيبوبة لا يستيقظ منها الا على أحاديث السياسة!».
«وأنور السادات المولود في السودان، ذو الطبع العسكري الصارم الذي دفعه مرة، وكان برتبة يوزباشي أن يؤلف لأخيه وكان صولا تحت امرته مجلسا عسكريا يحاكمه ويحكم عليه بتنزيل رتبته، ثم بعد ذلك هو أب لطفلتين!».
«سعد توفيق هاوي صيد السمك، يجلس بالسادات على الترعة في المعادي، ينتظر سمكة تقترب من سنارته!».
«وعمر حسين أبوعلي، الشاب الوحيد الذي توفي أبوه وتوفيت أمه، وبقي له شقيقان، أحدهما الطيار الذي هرب بطائرته الى خطوط الليمان سنة 1942 وانقطعت أخباره، وعرف بعدها أنه مات، والآخر قتل في احدى المظاهرات وبقي عمر حسين أبوعلي وحيدا!».
«ومحمود مراد الذي كان والده متهما مع الورداني في قضية اغتيال بطرس غالي باشا!».
«والسيد عبدالعزيز خميس الذي يهيم بالتاريخ، واستعرضت اعترافاته 25 صفحة من حجم الفولسكاب، حلل فيها تاريخ مصر الحديثة كله!».
«ونجيب فخري خريج كلية فيكتوريا التي تخرج فيها أمين عثمان باشا!».
«وعبدالهادي مسعود.. الشاعر الذي ينظم الشعر ويحفظ كثيرا من الأشعار..».
«ووسيم خالد الذي كتب في مفكرته: «هربت مني النقود فهربت النساء».. ووسيم عمره 15 سنة!
«ومحجوب علي محجوب الذي كان عضوا في رابطة النهضة التي يرأسها أمين عثمان باشا!».
«ومدحت حسين فخري.. الذي كان يجلس الى جوار سعيد توفيق على الترعة يغازلان السمك!».
«ومحمد كامل الذي بدأت القضية وهو طالب في الحقوق، وانتهت وقد أصبح محاميا!
«وسعد كامل الذي يتهم في كل قضية: اتهم في قضية بقتل أحمد ماهر باشا، واعتقل في عهد النحاس باشا، واتهم في هذه القضية، كما اتهم في قضية مؤامرة الضباط فيما بعد».
كل هؤلاء..
«الذين جاءوا من الشرق والغرب، ما الذي جمعهم معا، ودفعهم أمام القدر في طريق واحد؟!
وجهت النيابة الى السادات ضمن 26 متهما آخرين تهمة الاشتراك في قتل أمين عثمان، وأثناء نظر القضية أشار وكيل النيابة الى أن أنور السادات اشترك في جمعية للاعتداءات السياسية، وأن هناك ورقة ضبطت في جيب بيجامته، فيها عبارات باللغة الانكليزية تقول: التقرير رقم (1) في 13/2 التشكيل رقم 2 بلا عمل، التشكيل رقم 2 يتصل بي، ابتعدوا وأنا أتولى القيادة من هنا ـ التشكيل رقم 2 ينتظر الأوامر، أتعشم أن أصل الى الضربة الكبرى قريبا، يعتبرونني شخصا خطيرا ولكن الدليل ضعيف جدا.. في انتظار الأوامر.. الحمد لله.. وليحيا رجلنا»!
وربما كان أنور السادات يقصد بعبارة «وليحيا رجلنا» الفريق عزيز المصري، والذي كان قد تم القبض عليه والتحقيق معه في قضية اغتيال أمين عثمان باشا.
ظل القضاء ينظر قضية أمين عثمان سنة وسبعة أشهر على مدار 84 جلسة، وبلغ عدد صفحات التحقيق فيها 1580 صفحة.
وفي عام 1948 نشرت مجلة «المصور» حلقة من مذكرات اليوزباشي أنور السادات في السجن الذي قضى فيه 913 يوما تحت عنوان «30 شهرا في السجن»!
وقالت «المصور» وهي تقدم مذكرات أنور السادات انه أحد المتهمين في قضية الاغتيالات السياسية، وحكم ببراءته، وهو أقوى المتهمين شخصية وأكبرهم عمرا، وأكثرهم ثقافة وتجربة.
وقد كتب أنور السادات مذكراته في السجن على شكل يوميات، بأسلوب أديب مرهف الحس، وعن يوم الجمعة 18 يناير 1946، وهو أول يوم يدخل فيه السجن، كتب أنور السادات في يومياته يقول:
دخلت أمس سجن الأجانب بعد منتصف الليل بعد أن عدت من سراي النيابة، ها هو ذا سجن الأجانب يضمني ثانية بعد أن كنت نسيته تماما، اذ أن آخر ذكريات لي فيه انتقلت الى ركن بعيد من ذاكرتي، ولكنني أراني الآن أستعيدها كما لو كانت بالأمس.. فها هي ذي الغرفة رقم 28 التي كان يسكنها أربعتنا محسن والشندي وجعفر وأنا، وقد نقلت الى السجن في شهر سبتمبر 1944، على أثر مشادة بيني وبين ادارة المعتقل بالزيتون، تمهيدا لترحيلي الى الطور كما أرتأى الحاكم العسكري - وقتذاك -!
انني أذكر جيدا الآن كيف جاهدنا لنجعل اقامتنا هنا محتملة وشيقة، فقد رأينا من المستر «هيكمان» مأمور السجن السابق استعدادا طيبا لذلك، وكنا نمضي اليوم في لعب الطاولة والدومينو أو القراءة على كراسي البحر التي استحضرناها، وأذكر أيضا ذلك اليوم الذي أعلنا فيه بالسفر الى «الطور»، وكيف نقل الشندي الى سجن التخشيبة، وقضينا نحن الثلاثة في انتظار ميعاد قدوم الطوافة التي ستقلنا الى الطور، اذ ان رحلتها كانت شهرية، وأحضروا لنا طعام الرحلة من المتعهد لكي نحمله في سفرنا، وهو عبارة عن «بقسماط» ناشف وجبن وحلاوة!
كما أني لا أزال أذكر أنه قدر لهذه الرحلة ألا تتم، فقد تدخل الانكليز في عدم اتمامها، ولهذا التدخل قصة طريفة: فقد كان رجال المخابرات البريطانية دائمي التردد على سجن الأجانب بشأن قضاياهم، وذات يوم حضر الى السجن المدعو الميجور سمسون من قلم الجاسوسية البريطانية في الشرق الأوسط، فقابل مصادفة محسن وهو في الزيارة بغرفة المأمور، وسأله عن سبب وجوده في سجن الأجانب فأخبره محسن بوجودنا جميعا، تمهيدا لترحيلنا الى الطور، فثار سمسون ثورة هائلة لأننا كنا معتقلين على ذمة السلطة البريطانية، فكيف لم تستشر في أمرنا!! ثم أعطى محسن وعدا قاطعا بالغاء هذا الترحيل وعودتنا للمعتقل، وكانت السفارة البريطانية مصدر السلطات حقيقة وقتذاك، ولم يمض يوم واحد على زيارة سمسون المذكور حتى ألغى الحاكم العسكري أمره بترحيلنا للطور، وعدنا الى المعتقل في عهد خلفه المرحوم ماهر باشا.
ومازلت أذكر كيف دفعني الفضول لأستقصي سر «سمسون» هذا، فعلمت أنه كان موظفا في شركة تأمين انكليزية كبرى في القاهرة قبل قيام الحرب بزمن طويل، وكان يعمل في قلم المخابرات البريطانية في نفس الوقت، فلما أعلنت الحرب جند رئيسا لقلم الجاسوسية في القاهرة برتبة كابتن، وكانت مدة خدمته السابقة كفيلة بأن تجعله يجيد العربية بجميع لهجاتها «بحكم الصنعة»، ويتغلغل في جميع الأوساط ويقف على جميع الاتجاهات، ولم تستطع الامبراطورية العجوز أن تستغني عن خدماته بعد الحرب، فهو يشغل الآن وظيفة ديبلوماسية في السفارة البريطانية.. ترى ما هي حقيقة العمل الذي يؤديه الآن!
ان الذكريات تتدافع الى رأسي في كل اتجاه، وكأنها فيلم تتوالى حوادثه في تشويش واضطراب، لقد نسيت أنني الآن متهم في قضية أمين عثمان باشا.
«أنني أرى جو السجن رهيبا بخلاف ما عهدته، الا انني أعتقد أن الوضع سيكون على أي حال أحسن، فلست الآن تحت الأحكام العرفية، كما كانت الحال في المرة السابقة، ولعل وجودي على ذمة النيابة يكون خيرا من وجودي على ذمة الحاكم العسكري المفضال».
وتحت عنوان الأحد 20 يناير 1946 كتب أنور السادات يقول: مضى عليًّ الآن ثلاثة أيام وأنا أنام ببدلتي، فقد نقلوني الى هنا مساء الخميس السابق، دون أن يحضروا ملابسي وحاجاتي من سجن مصر، حيث كنت.. هذا برغم أنني شكوت شفهيا ثلاث مرات في الأيام السابقة لمأمور السجن.
انني ألاحظ تغيرا شديدا في معاملة المأمور لي بالنسبة للمعاملة التي لقيتها منه المرة السابقة، وهو يحيلني دائما على البكباشي امام، الذي أخفقت في محاولة الاتصال به، لذلك كتبت خطابا شديد اللهجة الى النائب العام في شأن هذا الاهمال، وتركي من دون ملابسي أو حتى صابونة لأغتسل.. وقد سبب لي النوم بالبدلة التهابا شديدا في فخذي جعلني «أهرش» كما لو كنت «أجرب»..
وتتوالى أيام أنور السادات في السجن.