التصريحات التي أطلقها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، والتي نقلتها «وكالة فرانس برس أ.ف.ب» يوم 5 مايو 2008، بأن إيران ستواصل برنامجها النووي رغم تهديدات القوى العظمى، يدل دلالةً واضحةً على إصرار القيادة الإيرانية على الاستمرار في برنامجها النووي المثير للجدل. ولعل ما يشجع إيران على سلوك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، أنها تمكنت من تجهيز البنية التحتية الأساسية اللازمة لهذا النوع من أسلحة الدمار الشامل، بامتلاكها منظومة هجومية من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى. إذ تعد هذه الصواريخ إحدى وسائل نقل (حمل) الرؤوس الحربية، سواءً التقليدية منها أو غير التقليدية. جاء الاهتمام الإيراني بتطوير المنظومة الصاروخية الباليستية لقواتها المسلحة كونها الوسيلة الأكثر ملاءمةً للظروف المحيطة بإيران، وبسبب إمكانياتها وقدراتها العسكرية المحدودة في مجال استخدام طائرات قاذفة متوسطة المدى، ذلك أن مثل تلك الطائرات، بلا شك، غير قادرة على العمل بحرية تامة ضمن محيط منطقة الخليج المقابلة لإيران من الجهة الغربية للخليج، والتي تنتشر فيها قوات بحرية وبرية وجوية أميركية ذات دفاعات جوية استراتيجية وتكتيكية.يضاف إلى مبررات توجه إيران نحو تقنية الصواريخ الباليستية صعوبة وصول طائراتها المقاتلة خارج مجال منطقة الخليج لضرب أهداف منتخبة داخل إسرائيل، كما صرح مسؤولون إيرانيون على مختلف مستوياتهم القيادية، وذلك بسبب عدم توافر طائرات تزويد الوقود الجوي وطائرات القيادة والسيطرة، وطائرات الحراسة والمرافقة بعيدة المدى، اللازمة لهكذا عمليات جوية.وبما أن القوات الجوية الإيرانية غير قادرة حتى اليوم، ولا في المدى المنظور، على إحراز سيادة جوية مطلقة تحت أي ظرف من الظروف خارج نطاق مجالها الجوي، فإن القيادة الإيرانية، ومن هذا المنطلق، مازالت تعتبر أن قدراتها الصاروخية الباليستية تمثل الوسيلة الأفضل التي لا بديل لها، لتتمكن من إيصال قنابلها النووية والكيماوية والجرثومية إلى الأهداف المراد تدميرها.وبناءً على ذلك، أعلنت إيران من دون أي تحفظ مراراً وتكراراً، عن عزمها القيام بالرد الصاروخي الباليستي والتكتيكي المكثف ضد أي أهداف استراتيجية أميركية وخليجية وإسرائيلية، تقع ضمن مدى صواريخها لا سيما الباليستية منها، إذا ما نفذت القوات الأميركية في منطقة الخليج، أو أي قوات حليفة لها، ضربةً عسكريةً ضد منشآتها النووية، أو أي مواقع عسكرية استراتيجية داخل إيران.لقد أثارت القدرات الفنية للصواريخ الباليستية الإيرانية بعض الجدل والنقاش من قبل عدد كبير من الخبراء العسكريين والمختصين بالشؤون الدفاعية على الساحة العالمية، إذ أجرت إيران من عام 1998 إلى عام 2005 اختبارات عدة وتجارب إطلاق على صاروخ «شهاب - 3»، الذي يصل مداه إلى 800 ميل جوي. كما أعلنت إيران بعد تجربة يونيو 2003 أن الصاروخ قد دخل الخدمة الفعلية، وأصبح قادراً على ضرب أهداف داخل إسرائيل. وفي أكتوبر 2004، أعلنت إيران أنها تمكنت من تطوير مدى الصاروخ الباليستي «شهاب - 3»، بحيث أصبح مداه 1200 ميل، وأضافت في مطلع شهر نوفمبر 2004 أنها قادرة على إنتاج المزيد من هذا النوع الذي أطلقت عليه «شهاب - 4».وفي الرابع عشر من سبتمبر 2005، صدر تقرير عن صحيفة «الوول ستريت جورنال» ذكر أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن إيران تسعى لتطوير صواريخ «شهاب - 3» بحيث تصبح قادرةً على حمل رؤوس نووية. كما ذكرت تقارير صحافية لاحقة أن أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت قد ضبطت في منتصف عام 2004 جهازاً حاسوبياً إيرانياً تبين لها من خلاله وجود خطط إيرانية لصنع رؤوس نووية بهدف تركيبها على صواريخ «شهاب - 4».وفي يناير 2006، أجرت إيران تجربة ناجحة على صاروخ «شهاب - 4»، إذ أكدت تلك التجربة «وكالة فرانس برس» في السادس من فبراير 2006. وفي الحادي والثلاثين من مارس 2006، أعلنت إيران عن إجراء تجربة على صاروخ باليستي من نوع «BM-25» متعدد الرؤوس الحربية بمدى يصل إلى 1500 ميل، ويُعتقد بأنه نسخة مطوّرة عن «شهاب - 4».يُذكر في هذا السياق أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية كان قد صرّح في السابع والعشرين من أبريل 2006، بأن إيران تسلمت شحنةً من كوريا الشمالية تألفت من صواريخ «BM-25»، والتي يُعتقد بأنها قادرة على حمل رؤوس نووية. وقد أيد تلك المعلومات تقرير صحيفة «الواشنطن بوست» في السادس من يوليو 2006، إذ بيّن التقرير أن تقنية هذا النوع من الصواريخ مبنية على قاعدة فنية تعود للصاروخ الروسي، السوفياتي سابقاً، من نوع «SS-N-6».واستكمالاً لمشروعها الصاروخي الباليستي، صنعت إيران نوعين آخرين من الصواريخ الباليستية بمدى 1200 ميل، وهما «عاشوراء» الذي أعلنت عنه في نوفمبر 2007، و«قادر» الذي تمت مشاهدته في العرض العسكري الإيراني الذي جرى في سبتمبر 2007. وفي ما إذا ثبتت صحة مدى هذين النوعين من الصواريخ، ثم أنتجت إيران المزيد منهما، فإن مساحات واسعة من منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة جنوب شرق أوروبا، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة في تركيا، ستكون ضمن مدى وتهديدات هذه الصواريخ.وفي معرض الاهتمام الإيراني بصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية، ذكرت مصادر رسمية أميركية، تابعة لـ «إدارة الصواريخ العابرة للقارات»، في وقتٍ سابق أن إيران من المحتمل أن تكون قادرة على إنتاج صواريخ عابرة للقارات بمدى يصل إلى 3000 ميل بحدود عام 2015.
موسى القلاب
مدير شؤون الدفاع في «مركز الخليج للأبحاث» في دبي، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org