| بيروت - من دارين الحلوي |
لم تعد مفاجئة مراسم تشييع «حزب الله» لمقاتلين له يسقطون في «ساحة الجهاد» الجديدة، اي سورية، بعدما انتقلت «البندقية» من مقاومة اسرائيل الى مناصرة نظام الرئيس السوري بشار الاسد «مهما كان الثمن».**
في الايام الاخيرة تصاعدت وتيرة عمليات تشييع مقاتلي «حزب الله» في القرى الشيعية اللبنانية، التي يلفها الحزن والقلق على نحو غير مسبوق... عشرات القتلى في بضعة أيام سقطوا في مدينة القصير السورية، لا في مارون الراس او شبعا او تلال كفرشوبا في جنوب لبنان، الامر الذي يطرح اسئلة جوهرية عن «السر» الذي يجعل شبان «حزب الله»، ومن وحدات النخبة فيه، يديرون ظهرهم لاسرائيل ويقاتلون في سورية؟ وهل صارت طريق فلسطين تمر عبر المدن السورية واريافها؟
قبل مدة خرج الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لـ «يؤكد المؤكد» حين تحدث عن مشاركة الحزب في القتال في سورية دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الاسد «لأن لسورية اصدقاء في المنطقة والعالم لن يسمحوا لها بان تسقط في ايدي اميركا واسرائيل والتكفيريين»، في اشارة الى ادوار روسيا وايران و«حزب الله» في المعارك الدائرة ضد الثورة في سورية، المدعومة بـ«تردد» من الغرب وبعض العرب، الامر الذي زاد من وطأة التوازن السلبي بين النظام ومعارضيه.
المجاهرة بمشاركة «حزب الله» في الحرب الدائرة في سورية تحت هذا العنوان «الاستراتيجي» جاءت بعد أشهر من تجنُّب الحديث المباشر عن هذا الامر والاكتفاء في معرض تشييع عناصره بالاشارة الى انهم سقطوا خلال تأدية «الواجب الجهادي»، مرفقاً ذلك بحديث عن انهم قضوا في المعارك دفاعاً عن القرى الواقعة داخل الاراضي السورية والتي يسكنها لبنانيون، قبل ان يتحدث السيد نصرالله عن تولي مقاتليه الدفاع عن «مقام السيدة زينب»، ثم يدفع برجال «النخبة» في حزبه الى القصير لحسم المعركة فيها لمصلحة النظام.
في قرى الجنوب اللبناني كما في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، تتزايد صور «الشهداء» وتحتل الشوارع جنباً الى جنب مع مَن سبقهم الى «الجهاد»، ولكن ضد اسرائيل. تبدو بعض القرى الشيعية وكأنّها في مأتم لا ينتهي. العائلات تنتظر أبناءها الذين لا تعرف شيئاً عنهم، كون عناصر «حزب الله» يحرصون على إبقاء تحركاتهم سرية، ولا سيما إذا كانت المهمة «عسكرية».
خلف أصوات البكاء على «الابناء والازواج والآباء» ترتفع أصوات مؤيدة لقرار «حزب الله» بالانخراط في النزاع السوري وأخرى معارضة، وإن كانت الأخيرة لم تخرج الى العلن لتشكل حالة يمكن التأسيس عليها للضغط على الحزب من أجل التراجع عن قراره.
خالد طفيلي من قرية شمسطار البقاعية يدافع عن قرار الحزب باعتبار أن «سورية خط دفاع المقاومة والطائفة الشيعية الاخير. وعلى الحزب أن يدافع عن مقام السيدة زينب كما عليه مساعدة الجيش السوري للقضاء على الدخلاء. ليس ما يحصل في سورية ثورة وإنما محاولة للاستيلاء على البلد. وما دليلنا على ذلك سوى مشاركة مقاتلين من غير السوريين في المعارك».
خالد مهندس، لكنه لا يخفي استعداده للمشاركة في القتال «لكن من أجل الدفاع عن مقام ستنا زينب فقط».
قبل مدة شيعت بلدة طاريا الملاصقة لشمسطار أحد أبنائها ممن سقطوا في سورية. وللدلالة على احتضان الاهالي لـ «حزب الله» وخياراته، يقول خالد إن «الاهالي في طاريا فجّروا قنبلتين وأطلقوا النار من أسلحة ثقيلة وانتشر في البلدة أكثر من 300 مسلح لتشييع الشهيد... هكذا اعتادت العائلات تشييع شهادائها لتهنئتهم على بطولاتهم».
في بلدة الهرمل حيث يعيش الاهالي قلق استهدافهم من جديد بصواريخ من الداخل السوري يقول وائل جعفر ابن الـ 29 عاماً: «سنتحول جميعاً الى استشهاديين إذا أراد أبو هادي (السيد حسن نصر الله) ذلك. هو يريد أن يحمينا من التكفيريين ومقاتلي «جبهة النصرة»، ونحن سنلبي اي طلب يريده السيد».
لا تأتي مناصرة قرارات «حزب الله» من فراغ. الناشط السياسي والكاتب محمد عبيد يعتقد «ان البيئة الحاضنة للحزب، كحالة مقاومة، تدعمه دعماً كاملاً في مشاركته للدفاع عن بعض المناطق التي يتواجد فيها لبنانيون في سورية والمقامات المقدسة كمقام السيدة زينب».
لكن ما قبل الغارة الاسرائيلية على سورية ليس كما بعدها. ويقول عبيد «إن العدوان سيؤدي الى مزيد من دعم هذه البيئة الحاضنة للحزب باعتبار ان المعركة صارت اكثر وضوحاً بين محورين: محور المقاومة ومحور اميركا واسرائيل وبعض الدول العربية ومن ضمنها المعارضة السورية المسلحة. فالتدخل الاسرائيلي المباشر من خلال العدوان سيؤدي الى مزيد من دعم جمهور المقاومة لقرار الحزب المشاركة في الصراع الدائر في سورية».
وعن المواقف المعارضة لسياسة الحزب في القرى والبلدات الشيعية يرى «أن افراداً في الطائفة الشيعية لديهم موقف رافض لمشاركة الحزب، لكن هؤلاء الافراد لم يشكلوا حالة سياسية فاعلة يمكن ان تؤدي الى التأثير على جمهور المقاومة ورأيه بحزب الله».
وطبقاً للصور المنقولة عن أخبار تشييع عناصر «حزب الله» في الفترة الاخيرة، يقول الكاتب قاسم قصير إن «بيئة حزب الله تتعاطف وتشارك في مراسم التشييع في شكل كثيف وغير عادي لانهم يعتبرون ان هناك مخاطر تحدق بهم وقد تتسبب بأذيتهم ان لم يقاتل الحزب»، مشيراً الى المخاوف والقلق لدى الشارع الشيعي «من تنامي دور المجموعات السلفية، ومن هنا يرى الاهالي أن القتال واجب وضروري، ومن هنا ايضاً يمكن استيعاب المشاركة غير العادية في اي تشييع حتى من غير المنضوين رسمياً تحت جناح الحزب».
ابن بلدة كفرصير الجنوبية ابراهيم بدر الدين لا يخفي أن «الطائفة الشيعية غير راضية عن قرار «حزب الله»، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته وحده. حتى حليفة الحزب في السياسة وشريكته في التقرير عن الطائفة «حركة أمل» غير راضية أيضاً عن تصرفات الحزب».
ويعرب بدر الدين عن أسفه لما آلت اليه الأمور «نحن نعلم أن العائلات المفجوعة بقتل أبنائها لا تملك حرية التعبير فالأمهات يقلن اشياء أمام شاشة «المنار» التابعة لحزب الله لكنهن لا يلبثن ان يغيرن مواقفهنّ في غياب ممثلي الحزب».
من الجنوب أيضاً يدعو محمد جمعة ابن بلدة انصار الى الفصل بين «حزب الله» والطائفة الشيعية «فهو وإن كان يمثل جزءاً كبيراً منها، إلا أن ذلك لا يعني أنه يملك حصرية قرارها لأن هناك جزءاً كبيراً من الشيعة يرفضون الولاء لأي دولة أخرى».
ويروي جمعة نقلاً عن أهالي عربصاليم، إحدى البلدات المجاورة، التي شيّعت أحد أبنائها قولهم «إنهم كانوا سيفتخرون لو أن ابن بلدتهم سقط في الدفاع عن مارون الراس أو بنت جبيل، حينها كان استشهاده ليكون حقيقياً».
يعتقد جمعة «أن تدخل الحزب في المعركة السورية يناقض المفهوم الذي قامت عليه الشيعية لنصرة المظلوم وقتال الظالم. أما الدفاع عن المقامات فهو حجج واهية أو كلام حق يراد به باطل، لأن النظام الايراني لديه خطة استراتيجية في المنطقة، بالتالي يوعز الى الحزب بالتدخل من اجل تحقيقها وليس من أجل لا السيدة زينب ولا اي مقدسات اخرى».
ويرى احمد اسماعيل من بلدة زوطر الشرقية في الجنوب أن «مشروع المقاومة لم يعد لمقاومة العدو الاسرائيلي. المقاومة باتت خارجة عن ارادة اللبنانيين وتنفذ رغبات إيران التي توعز الى «حزب الله» تحركاته وترسم الخطوط العريضة والرفيعة لسياسته الداخلية والخارجية». ويوضح أن هناك ثلاث ردات فعل على تدخل «حزب الله» في الشأن السوري «هناك قسم كبير من الرأي العام اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً ممتعض في شكل صامت. بعض العائلات التي تُعتبر قريبة من «حزب الله» تخجل من أنباء الاستشهاد فتقيم مراسم تشييع باهتة وتعمد لإخفاء المكان الذي سقط فيه أبناؤها. حتى أن الحزب قبل اسابيع من مجاهرته بالقتال في سورية كان يحاول «لملمة» الاخبار حول سقوط قتلاه وهذا أمر أثار استياء العديد من الاهالي».
يضيف اسماعيل: «هناك قسم آخر واضح في موقفه ويعلن أن الحزب يتسبب بإيذاء أبناء الطائفة من خلال انخراطه في الحرب السورية».
اعتراض بعض الاهالي في الجنوب ينسحب على نظرائهم في البقاع. عباس الحاج حسن من بلدة النبي شيت لا يخفي امتعاضه مما يسميه مصادرة «حزب الله» لقرار الطائفة: «يسيّر الشباب كما يحلو له وينقل لهم ساحة معاركه الى حيث يشاء». وإذ يعرب عن استيائه من قرارات الحزب يقول «فليحكمنا اياً يكن إذا استطاع ان يؤمن لنا حياة كريمة لا يشوبها ذل ولا حاجة».
لا يمكن اغفال حالة اعتراض «البيئة الحاضنة» لحزب الله في نهجه الذي اعتمده في الملف السوري وإن لم تتحول بعد الى ظاهرة. «هي ظاهرة محدودة» كما يقول الكاتب علي الأمين الذي يرى أن القلق والتساؤلات المسببة لهذه الحالة مردّهما الى أمرين:
«أولاً: هناك تساؤلات عفوية تُسمع في الأحياء والأزقة وتبيّن وجود التباس حول مشروعية المعركة. فهل المعركة شرعية؟
ثانياً: وهو امر يمكن التماسه لدى الاهالي الذين يسألون إذا كان الموت هو مصير أولادنا في سورية فلماذا تجرونهم الى تلك المعركة؟ فالحزب لا يقاتل فقط عبر عناصره المحترفة عسكرياً، وإنما يستقدم شباناً بأعمار صغيرة سبق أن أجروا دورات عسكرية، لكنهم ليسوا عناصر عسكرية متفرغة للقتال».
ويعرب الأمين عن اعتقاده أن الأهالي أصيبوا بصدمة بعد تبدل مهام أبنائهم في الحزب ويقول «إن الاهالي كانوا يفترضون ان انتماءهم الى الحزب بمثابة وظيفة. فالحزب تحول بعد 2006 الى فرصة حياة وليس فرصة موت. بعد عدوان يوليو 2006 بات مَن ينتسب الى حزب الله إنما يؤمن مستقبله بما يقدمه الحزب من تسهيلات وتقديمات اجتماعية واقتصادية، بعدما تراجعت فرص قتال اسرائيل».
في بعض البيوت يكشف الأمين عن حالة قلق لدى الأهالي، اولئك الذين ينتسب أبناؤهم الى الحزب. «فعناصر حزب الله لا يخبرون ذويهم عن أنشطتهم العسكرية إن طُلب منهم القيام بمهام قتالية. لذا فإن بعض الأمهات يعشن حالة يرثى لها لانهن لا يعلمن مصير ابنائهن. يغيب اولادهن عن المنازل ولا يعرفون اين ذهبوا. هذا القلق دفع ببعض الامهات للتوجه الى مسؤولين في حزب الله لطلب إعفاء أبنائهم من المهمات القتالية في سورية. وعندما تكاثر عدد هذه الطلبات وسجلت بعض حالات رفض للأوامر العسكرية أُبلغ بعض الاشخاص في بلدة سحمر ان مَن لا يرغب بالتوجه الى سورية عليه الخروج من الحزب».
ويرى الأمين أن الالتباس الذي يحوط بمعركة الحزب في سورية يدفعه الى التشدد في قراراته، حتى يتمكن من ضبط عناصره ولجم قراراتهم الفردية. وفي تقديره «فإن سكوت بعض الناس ورضوخهم لقرار القتال في سورية ناتج عن نظام المصالح وحرصهم على تأمين الضرورات الحياتية التي لا يقصّر الحزب في تقديمها لعناصره».
لم تعد مفاجئة مراسم تشييع «حزب الله» لمقاتلين له يسقطون في «ساحة الجهاد» الجديدة، اي سورية، بعدما انتقلت «البندقية» من مقاومة اسرائيل الى مناصرة نظام الرئيس السوري بشار الاسد «مهما كان الثمن».**
في الايام الاخيرة تصاعدت وتيرة عمليات تشييع مقاتلي «حزب الله» في القرى الشيعية اللبنانية، التي يلفها الحزن والقلق على نحو غير مسبوق... عشرات القتلى في بضعة أيام سقطوا في مدينة القصير السورية، لا في مارون الراس او شبعا او تلال كفرشوبا في جنوب لبنان، الامر الذي يطرح اسئلة جوهرية عن «السر» الذي يجعل شبان «حزب الله»، ومن وحدات النخبة فيه، يديرون ظهرهم لاسرائيل ويقاتلون في سورية؟ وهل صارت طريق فلسطين تمر عبر المدن السورية واريافها؟
قبل مدة خرج الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لـ «يؤكد المؤكد» حين تحدث عن مشاركة الحزب في القتال في سورية دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الاسد «لأن لسورية اصدقاء في المنطقة والعالم لن يسمحوا لها بان تسقط في ايدي اميركا واسرائيل والتكفيريين»، في اشارة الى ادوار روسيا وايران و«حزب الله» في المعارك الدائرة ضد الثورة في سورية، المدعومة بـ«تردد» من الغرب وبعض العرب، الامر الذي زاد من وطأة التوازن السلبي بين النظام ومعارضيه.
المجاهرة بمشاركة «حزب الله» في الحرب الدائرة في سورية تحت هذا العنوان «الاستراتيجي» جاءت بعد أشهر من تجنُّب الحديث المباشر عن هذا الامر والاكتفاء في معرض تشييع عناصره بالاشارة الى انهم سقطوا خلال تأدية «الواجب الجهادي»، مرفقاً ذلك بحديث عن انهم قضوا في المعارك دفاعاً عن القرى الواقعة داخل الاراضي السورية والتي يسكنها لبنانيون، قبل ان يتحدث السيد نصرالله عن تولي مقاتليه الدفاع عن «مقام السيدة زينب»، ثم يدفع برجال «النخبة» في حزبه الى القصير لحسم المعركة فيها لمصلحة النظام.
في قرى الجنوب اللبناني كما في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، تتزايد صور «الشهداء» وتحتل الشوارع جنباً الى جنب مع مَن سبقهم الى «الجهاد»، ولكن ضد اسرائيل. تبدو بعض القرى الشيعية وكأنّها في مأتم لا ينتهي. العائلات تنتظر أبناءها الذين لا تعرف شيئاً عنهم، كون عناصر «حزب الله» يحرصون على إبقاء تحركاتهم سرية، ولا سيما إذا كانت المهمة «عسكرية».
خلف أصوات البكاء على «الابناء والازواج والآباء» ترتفع أصوات مؤيدة لقرار «حزب الله» بالانخراط في النزاع السوري وأخرى معارضة، وإن كانت الأخيرة لم تخرج الى العلن لتشكل حالة يمكن التأسيس عليها للضغط على الحزب من أجل التراجع عن قراره.
خالد طفيلي من قرية شمسطار البقاعية يدافع عن قرار الحزب باعتبار أن «سورية خط دفاع المقاومة والطائفة الشيعية الاخير. وعلى الحزب أن يدافع عن مقام السيدة زينب كما عليه مساعدة الجيش السوري للقضاء على الدخلاء. ليس ما يحصل في سورية ثورة وإنما محاولة للاستيلاء على البلد. وما دليلنا على ذلك سوى مشاركة مقاتلين من غير السوريين في المعارك».
خالد مهندس، لكنه لا يخفي استعداده للمشاركة في القتال «لكن من أجل الدفاع عن مقام ستنا زينب فقط».
قبل مدة شيعت بلدة طاريا الملاصقة لشمسطار أحد أبنائها ممن سقطوا في سورية. وللدلالة على احتضان الاهالي لـ «حزب الله» وخياراته، يقول خالد إن «الاهالي في طاريا فجّروا قنبلتين وأطلقوا النار من أسلحة ثقيلة وانتشر في البلدة أكثر من 300 مسلح لتشييع الشهيد... هكذا اعتادت العائلات تشييع شهادائها لتهنئتهم على بطولاتهم».
في بلدة الهرمل حيث يعيش الاهالي قلق استهدافهم من جديد بصواريخ من الداخل السوري يقول وائل جعفر ابن الـ 29 عاماً: «سنتحول جميعاً الى استشهاديين إذا أراد أبو هادي (السيد حسن نصر الله) ذلك. هو يريد أن يحمينا من التكفيريين ومقاتلي «جبهة النصرة»، ونحن سنلبي اي طلب يريده السيد».
لا تأتي مناصرة قرارات «حزب الله» من فراغ. الناشط السياسي والكاتب محمد عبيد يعتقد «ان البيئة الحاضنة للحزب، كحالة مقاومة، تدعمه دعماً كاملاً في مشاركته للدفاع عن بعض المناطق التي يتواجد فيها لبنانيون في سورية والمقامات المقدسة كمقام السيدة زينب».
لكن ما قبل الغارة الاسرائيلية على سورية ليس كما بعدها. ويقول عبيد «إن العدوان سيؤدي الى مزيد من دعم هذه البيئة الحاضنة للحزب باعتبار ان المعركة صارت اكثر وضوحاً بين محورين: محور المقاومة ومحور اميركا واسرائيل وبعض الدول العربية ومن ضمنها المعارضة السورية المسلحة. فالتدخل الاسرائيلي المباشر من خلال العدوان سيؤدي الى مزيد من دعم جمهور المقاومة لقرار الحزب المشاركة في الصراع الدائر في سورية».
وعن المواقف المعارضة لسياسة الحزب في القرى والبلدات الشيعية يرى «أن افراداً في الطائفة الشيعية لديهم موقف رافض لمشاركة الحزب، لكن هؤلاء الافراد لم يشكلوا حالة سياسية فاعلة يمكن ان تؤدي الى التأثير على جمهور المقاومة ورأيه بحزب الله».
وطبقاً للصور المنقولة عن أخبار تشييع عناصر «حزب الله» في الفترة الاخيرة، يقول الكاتب قاسم قصير إن «بيئة حزب الله تتعاطف وتشارك في مراسم التشييع في شكل كثيف وغير عادي لانهم يعتبرون ان هناك مخاطر تحدق بهم وقد تتسبب بأذيتهم ان لم يقاتل الحزب»، مشيراً الى المخاوف والقلق لدى الشارع الشيعي «من تنامي دور المجموعات السلفية، ومن هنا يرى الاهالي أن القتال واجب وضروري، ومن هنا ايضاً يمكن استيعاب المشاركة غير العادية في اي تشييع حتى من غير المنضوين رسمياً تحت جناح الحزب».
ابن بلدة كفرصير الجنوبية ابراهيم بدر الدين لا يخفي أن «الطائفة الشيعية غير راضية عن قرار «حزب الله»، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته وحده. حتى حليفة الحزب في السياسة وشريكته في التقرير عن الطائفة «حركة أمل» غير راضية أيضاً عن تصرفات الحزب».
ويعرب بدر الدين عن أسفه لما آلت اليه الأمور «نحن نعلم أن العائلات المفجوعة بقتل أبنائها لا تملك حرية التعبير فالأمهات يقلن اشياء أمام شاشة «المنار» التابعة لحزب الله لكنهن لا يلبثن ان يغيرن مواقفهنّ في غياب ممثلي الحزب».
من الجنوب أيضاً يدعو محمد جمعة ابن بلدة انصار الى الفصل بين «حزب الله» والطائفة الشيعية «فهو وإن كان يمثل جزءاً كبيراً منها، إلا أن ذلك لا يعني أنه يملك حصرية قرارها لأن هناك جزءاً كبيراً من الشيعة يرفضون الولاء لأي دولة أخرى».
ويروي جمعة نقلاً عن أهالي عربصاليم، إحدى البلدات المجاورة، التي شيّعت أحد أبنائها قولهم «إنهم كانوا سيفتخرون لو أن ابن بلدتهم سقط في الدفاع عن مارون الراس أو بنت جبيل، حينها كان استشهاده ليكون حقيقياً».
يعتقد جمعة «أن تدخل الحزب في المعركة السورية يناقض المفهوم الذي قامت عليه الشيعية لنصرة المظلوم وقتال الظالم. أما الدفاع عن المقامات فهو حجج واهية أو كلام حق يراد به باطل، لأن النظام الايراني لديه خطة استراتيجية في المنطقة، بالتالي يوعز الى الحزب بالتدخل من اجل تحقيقها وليس من أجل لا السيدة زينب ولا اي مقدسات اخرى».
ويرى احمد اسماعيل من بلدة زوطر الشرقية في الجنوب أن «مشروع المقاومة لم يعد لمقاومة العدو الاسرائيلي. المقاومة باتت خارجة عن ارادة اللبنانيين وتنفذ رغبات إيران التي توعز الى «حزب الله» تحركاته وترسم الخطوط العريضة والرفيعة لسياسته الداخلية والخارجية». ويوضح أن هناك ثلاث ردات فعل على تدخل «حزب الله» في الشأن السوري «هناك قسم كبير من الرأي العام اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً ممتعض في شكل صامت. بعض العائلات التي تُعتبر قريبة من «حزب الله» تخجل من أنباء الاستشهاد فتقيم مراسم تشييع باهتة وتعمد لإخفاء المكان الذي سقط فيه أبناؤها. حتى أن الحزب قبل اسابيع من مجاهرته بالقتال في سورية كان يحاول «لملمة» الاخبار حول سقوط قتلاه وهذا أمر أثار استياء العديد من الاهالي».
يضيف اسماعيل: «هناك قسم آخر واضح في موقفه ويعلن أن الحزب يتسبب بإيذاء أبناء الطائفة من خلال انخراطه في الحرب السورية».
اعتراض بعض الاهالي في الجنوب ينسحب على نظرائهم في البقاع. عباس الحاج حسن من بلدة النبي شيت لا يخفي امتعاضه مما يسميه مصادرة «حزب الله» لقرار الطائفة: «يسيّر الشباب كما يحلو له وينقل لهم ساحة معاركه الى حيث يشاء». وإذ يعرب عن استيائه من قرارات الحزب يقول «فليحكمنا اياً يكن إذا استطاع ان يؤمن لنا حياة كريمة لا يشوبها ذل ولا حاجة».
لا يمكن اغفال حالة اعتراض «البيئة الحاضنة» لحزب الله في نهجه الذي اعتمده في الملف السوري وإن لم تتحول بعد الى ظاهرة. «هي ظاهرة محدودة» كما يقول الكاتب علي الأمين الذي يرى أن القلق والتساؤلات المسببة لهذه الحالة مردّهما الى أمرين:
«أولاً: هناك تساؤلات عفوية تُسمع في الأحياء والأزقة وتبيّن وجود التباس حول مشروعية المعركة. فهل المعركة شرعية؟
ثانياً: وهو امر يمكن التماسه لدى الاهالي الذين يسألون إذا كان الموت هو مصير أولادنا في سورية فلماذا تجرونهم الى تلك المعركة؟ فالحزب لا يقاتل فقط عبر عناصره المحترفة عسكرياً، وإنما يستقدم شباناً بأعمار صغيرة سبق أن أجروا دورات عسكرية، لكنهم ليسوا عناصر عسكرية متفرغة للقتال».
ويعرب الأمين عن اعتقاده أن الأهالي أصيبوا بصدمة بعد تبدل مهام أبنائهم في الحزب ويقول «إن الاهالي كانوا يفترضون ان انتماءهم الى الحزب بمثابة وظيفة. فالحزب تحول بعد 2006 الى فرصة حياة وليس فرصة موت. بعد عدوان يوليو 2006 بات مَن ينتسب الى حزب الله إنما يؤمن مستقبله بما يقدمه الحزب من تسهيلات وتقديمات اجتماعية واقتصادية، بعدما تراجعت فرص قتال اسرائيل».
في بعض البيوت يكشف الأمين عن حالة قلق لدى الأهالي، اولئك الذين ينتسب أبناؤهم الى الحزب. «فعناصر حزب الله لا يخبرون ذويهم عن أنشطتهم العسكرية إن طُلب منهم القيام بمهام قتالية. لذا فإن بعض الأمهات يعشن حالة يرثى لها لانهن لا يعلمن مصير ابنائهن. يغيب اولادهن عن المنازل ولا يعرفون اين ذهبوا. هذا القلق دفع ببعض الامهات للتوجه الى مسؤولين في حزب الله لطلب إعفاء أبنائهم من المهمات القتالية في سورية. وعندما تكاثر عدد هذه الطلبات وسجلت بعض حالات رفض للأوامر العسكرية أُبلغ بعض الاشخاص في بلدة سحمر ان مَن لا يرغب بالتوجه الى سورية عليه الخروج من الحزب».
ويرى الأمين أن الالتباس الذي يحوط بمعركة الحزب في سورية يدفعه الى التشدد في قراراته، حتى يتمكن من ضبط عناصره ولجم قراراتهم الفردية. وفي تقديره «فإن سكوت بعض الناس ورضوخهم لقرار القتال في سورية ناتج عن نظام المصالح وحرصهم على تأمين الضرورات الحياتية التي لا يقصّر الحزب في تقديمها لعناصره».