كل انجاز من انجازاتنا، وكل موقف من مواقفنا، يحتاج إلى شيئين... الإرادة والقدرة، وهذه سُنة من سنن الله تعالى في الخلق. دائماً الناس يتوقون إلى التعرف إلى مكامن قوتهم ومصادر ضعفهم لأن ذلك أحد شروط الارتقاء والتقدم الذاتي.
إن أسقطنا ما قدمنا به المقال على الحراك الشبابي الشعبي في الكويت نجد أنه كانت هناك مشيئة عازمة وجازمة، ومعبّرة عن رغبة شديدة في تغيير المسار السياسي، ولكن هذه الإرادة لم تتجه إلى الكف والامتناع، حتى تستجيب لها السلطة، وتعبر عن الاستجابة بسلوك ظاهر، يغير الحال المتردي إلى حال أفضل منه. فقد جاءت القدرة لدى أفراد الحراك ناقصة، كان من الشباب وأفراد الشعب من يتوافر لديه الطاقة والقوة على فعل الشيء والتمكن منه، ولكنهم للأسف فقدوا التمكن من الامتناع من الأمور التي يجب الامتناع عنها، والسبب هو عدم ترتيب الأولويات.
إن قدراتنا تتحدى فعلاً إرادتنا، كما تتحدى الأرض الخصبة الفلاح كي يزرعها ويستخرج خيراتها، ومهما كانت عزائمنا ماضية، فإننا سنظل مقصرين في استثمار إمكاناتنا على الوجه الأكمل، وهذه أيضا من سنن الله تعالى في الخلق، وانطلاقاً من هذا نقول إن الذي يقرر مصير الكثير من الأعمال هو ذلك القصور في الإرادة والمشيئة، وليس القصور في القدرة والإمكانية.
برأيي من أهم أسباب فشل مسيرة كرامة وطن من الأولى إلى الخامسة، هو عدم توافر علامة الإرادة الحقيقية وهي الأخذ بالأسباب والعمل الحثيث من أجل المستقبل، وكذلك التصلب الذهني والعناد والمكابرة والإصرار المبالغ فيه من بعض الشباب، حيث تختل الرؤية الصحيحة للأشياء لدى الشخص العنيد، الذي لا يسمع إلا نفسه... ما يعني انه سيتخذ الكثير من القرارات الخاطئة وبالتالي الكثير من اليأس والإحباط، كما يقف على الضفة المقابلة للعناد التهور والاندفاع غير المسؤول، وهو في الحقيقة لا يعبر عن شجاعة وجرأة، وإنما يعبر عن ضعف داخلي، وذلك لأن المتقدم على الصف كالمتأخر عنه، كل منهما يؤدي إلى اعوجاجه، وهذا هو شأن العناد وشأن الاندفاعية الزائدة.
كذلك من الأسباب المهمة التي أدت إلى فشل المسيرات كثرة القادة في القضية، وتطرف البعض في أفكاره، وتعصبه لآرائه، وهذا أدى إلى ضعف اهتمام الجماهير ومن ثم ضعف إرادتهم في التفاعل مع الحراك، كما أن صفة الديمومة التي اعتمدها من كان يقود المسيرات رسخت ضعف الإرادة، باعتقاد الكثير أنهم أصبحوا عاجزين عن القيام بتغيير الوضع السياسي إلى ما يطمحون له، لم يبادروا بحشد إمكانات وطاقات الشباب قبل البدء بفكرة الخروج للشارع، ظنا منهم ما نجح وفلح فيه الغير عندما نزلوا للشارع، سيفلح به الكويتيون وسيجبرون السلطة على التراجع عن العبث ووأد الدستور.
وبعد أن تجاهل شباب الحراك كثيراً من الملاحظات الإيجابية التي قدمت لهم، بل صمّوا آذانهم عمن يقدم لهم النصح والمشورة، كان للفشل النصيب الأكبر في حراكهم، ويبقى أن نقول «إن لم نفشل فلن ننجح ونفلح»، فلنبدأ من جديد، بعد أن نستعين بالله تعالى ونطلب المدد منه واللجوء إليه في الشدائد بثقة وصدق، ونأوي إليه في كل خطوة ومرحلة من مراحل تقدمنا، وبذلك سنتخلص من الخوف والقلق وسنحقق ما طمحنا وخططنا له عاجلا غير آجل.

منى فهد العبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib