في ذكرى مرور خمسة أعوام على احتلال العراق، صدر حديثاً كتاب مهم عن إحدى دور النشر البريطانية، وأهميته لا تتوقف فقط على عنوانه المثير «حرب الثلاثة تريليونات دولار»، وإنما أيضاً من قيمة مؤلفه جوزيف شتغلتر الذي عمل مستشاراً اقتصادياً للرئيس الأميركي السابق كلينتون بخلاف فوزه بجائزة نوبل في الاقتصاد، وقد شاركه في تأليف الكتاب المحاضرة، في جامعة هارفارد، لندا بلمز.يحمل الكتاب أرقاما ذات دلالات خطيرة عن مدى التكلفة الاقتصادية الباهظة والخطيرة للحرب الأميركية على العراق، ورغم أن المؤلفين معارضان للحرب على العراق لكنهما لا يربطان كتابهما بذلك، فهما يعلنان بوضوح أنهما يرصدان التكلفة الحقيقية للحرب والتي بلغ حجم الإنفاق الأميركي الشهري عليها 12 مليار دولار. ومع ذلك لا يغفل الكاتبان التأكيد على أن فوائد الحرب كانت فقط في تجارة النفط والسلاح، إذ ارتفعت قيمة أسهم شركات مثل شركة «هاليبيرتون» بمقدار 229 في المئة و«جنرال داينمك» 134 في المئة و«رايتون» 117 في المئة و«لوكهيد» 105 في المئة و«نورثروب» 78 في المئة، كما لا ينسى المؤلفان وفي مقابل ذلك التذكير بعدد قتلى الأميركيين في حرب العراق، الذي وصل بحسب الاحصاءات الرسمية المعلنة إلى أربعة آلاف قتيل، بخلاف 58 ألف جريح، ومئة ألف عادوا بأمراض نفسية وعصبية. لكن أهم ما في الكتاب لغة الأرقام الاقتصادية، وهي في نظر الأميركيين أهم من أرقام القتلى ذلك أن الأميركيين يتغنون على الدوام بقوة اقتصادهم، والكتاب يضم بالفعل أرقاما مخيفة عن التكلفة الباهظة للحرب على العراق وأفغانستان، والتي ستصل وكما اعتمدها المؤلفان، إلى ثلاثة تريليونات دولار حتى العام 2017، وقد اتبع المؤلفان لحساب تلك التكلفة على النقاط الآتية: تكلفة العمليات العسكرية. ضبط التكلفة لتناسب مقدار التضخم. مصاريف عملياتية. مصاريف وزارات أخرى غير مرتبطة بالدفاع. تكاليف إعادة بناء الجيش الأميركي، إضافة تكلفة حالية ومستقبلية للمعاقين وللرعاية الصحية. الفوائد على القروض. تقديرات تكلفة الاقتصاد الإجمالي (ماكروإكونوميكس)، الناتج عن تحويل أموال من البناء للحرب.ولم يكتف مؤلفا الكتاب بذلك، إنما رصدا مآخذ على حسابات الإدارة الأميركية في الحرب ومن ضمن ذلك تجاهلها النقاط التالية: تكلفة التأمينات وتعويضات القتلى. قتلى في غير المعارك لا يذكرون ضمن الإحصاءات الرسمية. مرضى الحرب لا يتم حسابهم. الإدارة تحسب التكلفة الحالية ولا تأخذ في الحسبان المصاريف المستقبلية. ارتفاع أسعار النفط من 25 إلى 100 دولار للبرميل. تكاليف حرب مخفية في الإنفاق الدفاعي. تكاليف إضافية لفروع أخرى من الإدارة: السكن والزراعة والتأمينات للمرتزقة المتعاقدين... تكاليف الاستدانة والفوائد على القروض. فقدان القدرة الإنتاجية. مصاريف الأجهزة المحلية: مثلا اضطرار شخص ما للاستقالة من عمله لرعاية معاق، التكلفة الاقتصادية للمصابين بجروح بليغة، بخلاف التعويضات التي تدفع لهم. تجاهل كلفة الرعاية النفسية للمتضررين، تكلفة فقدان مستوى معيشة محدد، الضغوط النفسية والمادية على عائلات المحاربين القدماء، التأثير السلبي في أسواق الأسهم والعملات، انهيار سمعة أميركا في العالم، وتحول العراق إلى مستقر للـ «القاعدة» ولتنظيمات أصولية أخرى، وما إلى ذلك. ونتوقف عند آخر نقطتين لم تنتبه إليهما الإدارة الأميركية في حساباتها، فلقد ظنت الإدارة الأميركية في يوم 20 مارس 2003 أنها ذاهبة إلى نزهة عسكرية في بلد ضعيف اقتصاديا وعسكريا تماما، وأن أصدقاءها في العراق قد مهدوا الطريق، وازداد هذا الظن يقينا يوم التاسع من أبريل 2003 عندما أُسقط تمثال صدام في ساحة الفردوس في بغداد، وأعلن الرئيس الأميركي بوش انتهاء الحرب واحتلال العراق. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن دائما فلم تنته الحرب، بل ازدادت سخونة ولم تتوقف رغم مرور خمسة أعوام، وتبحث الآن الإدارة الأميركية عن مفر من العراق فلا تجده... لأن وحل المستنقعات لا يساعد من يقع فيه على الصمود أبدا.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصري elsharia5@hotmail.com