نحزن أن نرى النائب السابق مسلم البراك يُحكم عليه بالسجن بسبب ألفاظ يعاقب عليها القانون، ولا نشك بإخلاصه ووطنيته وانه يقصد الخير لوطنه، ولكننا نعتقد جازمين بأن مسلم قد اخطأ الطريق وان طريقته في الوصول لاهدافه لا يجيزها عقل ولا قانون، فالقوانين التي تمت محاكمته بموجبها قد صدرت من المجلس التشريعي الذي كان فيه عضوا لعشرات السنين، وقد كان قادراً على تغييرها بالتعاون مع زملائه لو اراد.
هذا في ما يتعلق بالقوانين، أما في ما يتعلق بمنع التطاول على مسند الامارة فهو أمر بديهي في جميع انظمة العالم الملكية وحتى شريعتنا الاسلامية تضفي على الحاكم حصانة من التجريح والطعن وذلك لحكم وفوائد عديدة لا تخفى على العاقل فإن فتح باب التجريح ضد رمز الدولة يسقط الثقة فيه ويحرّض الرعية على عصيانه ما يؤدي الى انتشار الفوضى والفساد في البلد.
لقد خاطر الاخ مسلم البراك بمستقبله السياسي وقطع جميع اوراق عودته للمجلس، كما خاطر بحياته ومستقبل اسرته حيث ان بقاء الانسان في السجن لخمس سنوات هو تدمير لحياة الانسان - ما لم يتداركه العفو الاميري - لكي يصلح الفساد في الحكم - كما يعتقد - ونحن نوافقه على ان الفساد متمكن من نظامنا السياسي والاداري، وان الحاجة اليوم ملحة لنسف كثير من مرتكزات الفساد الخاطئة واعادة ترتيب البيت الكويتي واصلاح الخلل، ولكن ليس بمثل هذه الطريقة الغوغائية من تحريض الناس على الحاكم واقتحام المجلس واشاعة روح العداوات بين ابناء البلد الواحد والشتم والتسفيه بالآخرين.
كما ان الطعن بالقضاء والتحريض عليه ينسف آخر مرتكزاتنا لضمان العدالة ويحول البلد الى الديكتاتورية وحكم الغاب. ولا يعني كلامنا بألا ننتقد الاوضاع او ان نستسلم لقوى الفساد في البلد، فالدستور الكويتي قد اعطى الشعب الحق في محاسبة الحاكم ونقده وذلك عن طريق نقد وزرائه الذين يمارسون السلطة باسمه حيث نصت المادة (55) من الدستور على ان رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه، اما القضاء فان اصلاحه يكون عن طريق الحرص على استقلال القضاء وتشريع ما يمنع تسييسه والانحراف به عن جادة الصواب وهو من صلاحيات المجلس التشريعي كذلك.
اذا كانت المعارضة الكويتية تعتقد انها بهذا الاسلوب الفج ستصل الى مطالبها فإنها مخطئة، فالشعب الكويتي يستنكر مثل هذه الاساليب في التغيير ولا يرضى بالفوضى والعنف، واذا كانت ردة الفعل الحالية عنيفة على الحكم على مسلم البراك فانها لن تستمر ولن تغير شيئاً بينما قد كلفت الكويت خسارة العديد من قياداتها الوطنية التي كان من الممكن ان ينفع الله تعالى بها البلد للخروج من ازماته لو انهم سلكوا الطريق الصحيح في التغيير، وقد قال العلماء قديما: «من استعجل الامر قبل اوانه عوقب بحرمانه»، وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: «كل من خرج على إمام ذي سلطان الا كان ما تولد عن فعله من الشر اعظم مما تولد من الخير» ان المعارضة الكويتية قد اثبتت من خلال مسيرتها المتذبذبة خلال الاشهر الماضية حجم التخبط والتشرذم والانحراف وبذلك فقد فقدت كثيراً من محبيها ومؤيديها بينما قطعت الحبل بهم وتركتهم وحدهم في الميدان يسعون للاصلاح وسط ركام من الفساد.

حكمة تشيرشيل
يحكى ان رئيس الوزراء البريطاني الاسبق (وينستون تشيرشيل) قد قيل له إن بريطانيا تعاني من الفساد فقال: وماذا عن القضاء، فقالوا: بخير، ثم قيل له إن الاقتصاد البريطاني يعاني من الانهيار فقالوا: وماذا عن القضاء فقالوا: بخير، فقال: ما دام القضاء بخير فلا خوف على بريطانيا من شيء!!


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com