كل إنسان عنده صور ذهنية عن كل الأشياء بالوجود بمن فيهم المرأة والرجل والتاريخ وغيرهم، وتكون هذه الصور نتيجة تربيته وثقافته وبيئته وتفاعلاته وخبراته الشخصية، فعندما تتحدث إحداهن وتقول.. المرأة الكويتية أكثر حظاً من بين مثيلاتها في الدول المجاورة، ولكن ينقصها الكثير من الحقوق مثل الإرث و... و... بالتأكيد حينها شخّصت وعرفت بيئة وثقافة تلك المرأة التي ترد حكما شرعيا أنزل بوحي من عند الله.
إن وجهنا سؤالا، من الذي تسبب في هذه الإشكاليات والفهم الخاطئ للنصوص الشرعية؟ إنها الأعراف القاهرة والتقاليد المذلة والموروث الذي يزاحم الأحكام الشرعية، ويصادم الكرامة الإنسانية، عندما تحرم المرأة من ميراثها، أو عدم أخذ رأيها بأمر يخصها أو تزوج جبرا وقسرا من دون قبولها، حتما ستثور وتتمرد ليس على الأعراف والتقاليد بل على الدين ظناً منها بأن هذه الأعراف والتقاليد والموروثات من الدين.
كثيرون هم الذين ينطلقون بأفكارهم من التجربة والخبرة، والتجربة ليست حكما على الشريعة، والواقع ليس مصدراً من مصادر الشريعة، الدين هو الذي يحكم على الواقع وهو الميزان الذي ينبغي أن يخضع الواقع له وليس العكس، ولكن فتنة الانبهار بما يأتي من الآخر صاحب النظريات والعلم، يدعوهم إلى الاستسلام وفقد ملَكة النقد السليم، وقبول كل ما يأتي منه حتى وإن كان متخلفاً أشد من التقاليد والموروثات المجتمعية، كما أن قلة العلم الشرعي، وضعف الوعي الشرعي عند المرأة المسلمة، هو ما يجعلها تقع في الإشكاليات وتنطلي عليها الشبه وتتشربها، لأن إلقاء الشبهات ونقد الأحكام الشرعية شيء سهل ويسير، ولكن الرد هو الذي يحتاج إلى استيعاب، لأنه مبني على قواعد وعلى لغة، ومبني على رؤية تكاملية للأحكام القطعية، كذلك فقدان المنهج العلمي لمحاكمة الأفكار الذي تشكك في الدين، يجعل هذه المرأة وغيرها يطعنون بالحكم الشرعي ورده.
إن الخلل في الفهم، والخلل في إصدار الحكم على الشريعة، يأتيان من الاعتماد على رأي فقهي شاذ نادر غير معمول به في التاريخ الإسلامي، أو أخذ الأحكام من نصوص مبتورة من سياقها ومن كمالها والنظرة الكلية للشريعة، وهنا يقع الخطر عندما نأخذ الأحكام مبتورة من سياقها ومن مقدماتها، منزوعة للرؤية والإطار الكلي للأحكام الشرعية، وبعدها نطالب بما يصادم ويعارض الثوابت القطعية من الأحكام الشرعية.
للميراث فلسفة في توزيع الإرث تقوم على قواعد ومبادئ شرعية منصفة لكلا الجنسين، منها درجة القرابة بين الوارث والموروث المتوفى، سواء كان ذكرا أم أنثى، كلما كانت درجة القرابة أقرب كان المكسب أكبر، وكان الحق أكثر، لأن هذه قضية فطرية خلقها الله في الإنسان من أجل أن يعمل لمن يعول ويعطي وتتدفق الحياة، وهذا شيء موجود في تاريخ الإنسانية كلها لأنه جزء غريزي فطري بقطع النظر عن جنس الوارثين، ومن مبادئ وقواعد فلسفة الميراث موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، يكون نصيبها أكبر من الأجيال التي تستدبر الحياة وماضية، كذلك العبء المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيال الآخرين، والتكاليف المادية المنوطة به، هو من جعل الشريعة الإسلامية ترتب التكاليف المادية على الرجل أكثر من المرأة، هو الذي يدفع المهر، وهو المكلف شرعاً بالإنفاق على زوجته وأولاده، بل هو المكلف بالإنفاق على والدته وإخوانه إذا توفي الوالد، التكاليف الكثيرة هي التي تجعل القسمة تكون (للذكر مثل حظ الأنثيين) ولو حسبنا حسبة التقسيم الرياضي النهائي لرأينا أن كلاً أخذ حظه، وهذه عدالة ربانية تقتضي ذلك.

منى فهد عبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib