| د. لطيفة جاسم التمار | نستكمل ما انتهت عنده المقالة السابقة من تحليل لقصيدة أنا عربي للشاعر الفذ محمود درويش، يأتي المقطع الرابع بطاقات من الفخر والاعتزاز بالنفس لتتصاعد حركة الدلالة والبناء الفني لمعزوفته التي مازالت تنعم بمفارقات الصدق والإيحاء وتقنيات البناء الفني المتميز. يقول الشاعر:
سجل!
أنا عربي
ولون الشعر... فحمي
ولون العين... بني
وميزاتي!
على رأسي عقال فوق كوفية
وكفي صلبة كالصخر
تخمش من يلامسها
وعنواني:
أنا من قرية منسية
شوارعها بلا أسماء
وكل رجالها في الحقل والمحجر
فهل تغضب؟
يشكل تكرار المقطع الأول دلالة غير مبتذلة إذ يؤكد الشاعر في كل مقطع بأنه «العربي» تعزيزا لهويته المجروحة. تتجلى الحسية في هذا المقطع بملامح العين والشعر والهندام والعمل الذي يقوم به، لتشكل الشخصية الفلسطينية، الشاعر هنا يأمل بأن يؤسس لكينونته ولهويته الغائبة بمنطق العقل والتاريخ والواقع الذي عاشه ومازال يعيشه، وبذلك استطاع أن يحقق المعادلة الشعرية والتي غالبا ما يتساوى فيها التخيل بالواقع وبالإحساس الشعري الغنائي.
يعتمد الشاعر الحسية المطلقة في تعبيره مع وجود حرف العطف بين الجملة بشكل واضح يتخلله النفي ثم الاستفهام في نهاية المقطع، هذا التنوع بين الأساليب يعزز الواقع بصورة فنية تتجه بالقصيدة إلى الشكل الغنائي. ثم يبدأ المقطع الثالث بدرامية دلالية طويلة لتؤسس حبكة العمل الشعري. يقول الشاعر:
سجل!
أنا عربي
أنا اسم بلا لقب
صور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
جذوري...
قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
وقبل السرو والزيتون
... وقبل ترعرع العشب
أبي... من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا
بلا حسب ولا نسب!
النفس الواقعي واستحضار ما في الميلاد والنشأة طغى على هذا الجزء من القصيدة فصل به الشاعر واقعه المعاش الذي فقد من خلاله جنسيته وهويته الفلسطينية، في المقابل حاول أن يغرس له وتدا في أرض العروبة، ذكر بأن والده فلاحا وليس بيئة ارستقراطية ثرية وجدة بالمثل، فهو يؤكد على شموخ الذات وتعزيز الانتماء للوطن.
فجرت الإحساس بالغضب مفردته التي أسندها للمتكلم في آخر المقطع الدرامي للقصيدة قائلا:
سجل!
أنا عربي
سلبت كروم أجدادي
وأرضا كنت أفلحها
أنا وجميع أولادي
ثم يكمل قائلا:
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
آكل لحم مغتصبي
حذار... حذار... من جوعي
ومن غضبي!!
يمثل الشاعر هنا الضمير الجمعي، ضمير الأمة وهو يعرض مأساة سلب وطنه يستصرخ بأعلى صوت لديه غاضبا من المعتدين، فهو بطبيعة الحال مسالم لكنه بالإمكان أن يتحول إلى وحش كاسر يأكل لحم مغتصبي وطنه؛ إذاً الطبيعة البشرية من الممكن أن تنقلب إلى طبيعة حيوانية من أجل تحقيق شرط الإنسانية. أراد الشاعر من تجربته الشعرية تأسيس منطق الكينونة للشخصية الفلسطينية، مدعمة بالشرط الدفاعي عن كل غالٍ ونفيس، من هنا كان التحول المفصلي في اللغة لدى درويش فالوحشية لديه ليست سوى سبب لوحشية المعتدي، وبذلك أصبح الشعر لديه سببا للوجود والدفاع عن الكينونة.
* دكتوراه بالأدب العربي الحديث
Latifa-altammar@hotmail.com
سجل!
أنا عربي
ولون الشعر... فحمي
ولون العين... بني
وميزاتي!
على رأسي عقال فوق كوفية
وكفي صلبة كالصخر
تخمش من يلامسها
وعنواني:
أنا من قرية منسية
شوارعها بلا أسماء
وكل رجالها في الحقل والمحجر
فهل تغضب؟
يشكل تكرار المقطع الأول دلالة غير مبتذلة إذ يؤكد الشاعر في كل مقطع بأنه «العربي» تعزيزا لهويته المجروحة. تتجلى الحسية في هذا المقطع بملامح العين والشعر والهندام والعمل الذي يقوم به، لتشكل الشخصية الفلسطينية، الشاعر هنا يأمل بأن يؤسس لكينونته ولهويته الغائبة بمنطق العقل والتاريخ والواقع الذي عاشه ومازال يعيشه، وبذلك استطاع أن يحقق المعادلة الشعرية والتي غالبا ما يتساوى فيها التخيل بالواقع وبالإحساس الشعري الغنائي.
يعتمد الشاعر الحسية المطلقة في تعبيره مع وجود حرف العطف بين الجملة بشكل واضح يتخلله النفي ثم الاستفهام في نهاية المقطع، هذا التنوع بين الأساليب يعزز الواقع بصورة فنية تتجه بالقصيدة إلى الشكل الغنائي. ثم يبدأ المقطع الثالث بدرامية دلالية طويلة لتؤسس حبكة العمل الشعري. يقول الشاعر:
سجل!
أنا عربي
أنا اسم بلا لقب
صور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
جذوري...
قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
وقبل السرو والزيتون
... وقبل ترعرع العشب
أبي... من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا
بلا حسب ولا نسب!
النفس الواقعي واستحضار ما في الميلاد والنشأة طغى على هذا الجزء من القصيدة فصل به الشاعر واقعه المعاش الذي فقد من خلاله جنسيته وهويته الفلسطينية، في المقابل حاول أن يغرس له وتدا في أرض العروبة، ذكر بأن والده فلاحا وليس بيئة ارستقراطية ثرية وجدة بالمثل، فهو يؤكد على شموخ الذات وتعزيز الانتماء للوطن.
فجرت الإحساس بالغضب مفردته التي أسندها للمتكلم في آخر المقطع الدرامي للقصيدة قائلا:
سجل!
أنا عربي
سلبت كروم أجدادي
وأرضا كنت أفلحها
أنا وجميع أولادي
ثم يكمل قائلا:
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
آكل لحم مغتصبي
حذار... حذار... من جوعي
ومن غضبي!!
يمثل الشاعر هنا الضمير الجمعي، ضمير الأمة وهو يعرض مأساة سلب وطنه يستصرخ بأعلى صوت لديه غاضبا من المعتدين، فهو بطبيعة الحال مسالم لكنه بالإمكان أن يتحول إلى وحش كاسر يأكل لحم مغتصبي وطنه؛ إذاً الطبيعة البشرية من الممكن أن تنقلب إلى طبيعة حيوانية من أجل تحقيق شرط الإنسانية. أراد الشاعر من تجربته الشعرية تأسيس منطق الكينونة للشخصية الفلسطينية، مدعمة بالشرط الدفاعي عن كل غالٍ ونفيس، من هنا كان التحول المفصلي في اللغة لدى درويش فالوحشية لديه ليست سوى سبب لوحشية المعتدي، وبذلك أصبح الشعر لديه سببا للوجود والدفاع عن الكينونة.
* دكتوراه بالأدب العربي الحديث
Latifa-altammar@hotmail.com