هناك من الأمور التي تنتشر بين الناس بطريقة تفكيرهم ووجهات نظرهم وتكون مغلفة في العاطفة الشديدة وربما الهوى الكبير الذي ينتج عنه غالباً التقديس او العكس عدم القبول مطلقاً، وهذه الطريقة في التفكير هي كارثة كبيرة تبين ضعف المبدأ وعدم المسؤولية امام الناس في وضوح الرأي السليم والمصيبة عندما يكون ذلك الامر لدى النخب المثقفة والمفكرين والرموز الشرعية، فيكون هذا هو الضلال المبين، ولعلنا رأينا ذلك الامر منذ ايام في قضية وفاة البوطي الرمز الشرعي المعروف الذي وقف مع النظام السوري المجرم وكان يبرر افعاله بصبغة شرعية (شرعنة الطغيان) وقد بلغ وقوفه وتبريره للنظام الى حد الجنون.
وبعد وفاة البوطي ظهرت لنا ثلاثة مواقف بشكل واضح في العالم الاسلامي تجاه هذه الشخصية المثيرة بأفعالها و هي:
1- من حاول بشتى الطرق ايجاد اعذار للبوطي ومواقفه تارة بأنها تحت ضغط النظام البعثي او انه متأولا او انه تاب في اخر حياته والى نهاية التبريرات العجيبة والغريبة، وهذه الفئة هي التي تنتمي للمدرسة الصوفية او الاشعرية، وايضاً من يحملون رأياً مناهضا للسلفيين ومنهجهم وطريقة تفكيرهم، وقد حاولت هذه الفئة في بداية الثورة التبرير كذلك ولكن سرعان ما تدفقت مواقف البوطي المخزية جعلهم في حيرة وصمت بسبب صعوبة التأويل في المواقف، والعجيب في هذه الفئة انها هي من تحارب شرعنة الطغيان وإلباسه اللباس الشرعي خصوصا اذا كان من رموز شرعية تنتمي للمدرسة السلفية او الوهابية كما يسمونها وكذلك يحاربون الطغيان عموماً ويملأ حديثهم اليومي!
2- السلفيون الذين يحملون بغضاً وكرهاً قديماً للبوطي بسبب مواقفه من الدعوة السلفية او الوهابية وكان رمزاً في محاربة افكارهم والكلام عليهم، وقد جاء موقف البوطي من الثورة السورية والنظام مثل الاضافة المهمة لمواصلة محاربة البوطي والتنكيل فيه والغريب بالامر ان بعض هذه الفئة يمارس التبريرات نفسها التي استند عليها البوطي في بلاده او بعض الدول من خلال التعامل مع الحكام الظلمة واضافة التبرير الشرعي لافعالهم! فما الفرق بين الفعلين؟ بل ان بعضهم اخذ موقفاً لا يقل عن البوطي في بداية الثورة السورية وحتى بعد البداية بفترات بحرمة الخروج على النظام السوري والثورة عليه! وبعضهم وصل الى ان بشار ولي امر شرعي لا يجوز الخروج عليه فيا عجبي.
3- هذه هي الفئة المنصفة التي هي مصدر الفخر للامة وطريق نهضتها ورقيها، فهم اما محب للبوطي ومؤيد له، ولكن بعد موقفه من الثورة وسكوته وتبريره لأفعال النظام السوري تغيرت نظرتهم واخذوا منه موقف الضد لأن ما يفعله غير مبرر وانه لا محبة واعجاب فوق المبدأ، وآخرون ايضاً يختلفون مع البوطي وفكره سابقاً لكن الاهم عندهم هو الخلاف معه على تبريره للطغيان واضافة الشرعية له ولا يهمهم فكرة القديم بل هم يحاربون اي شخصية مثل البوطي بأي مكان تبرر للطغيان.
وبعد بسط هذه المواقف وصلنا الى حقيقة واضحة ان البعض بسبب اشعرية او صوفية البوطي او لكونه رمزا ضد الفكر السلفي او الوهابي حاول التبرير له والتأويل لمواقفه ولا يرى عالم السلطة الا اذا كان سلفياً وهابياً، ولا تعجب عندما تعرف آراء مثل (عدنان ابراهيم او جمعة او الجفري وغيرهم)، وهناك من جعل موقف البوطي من النظام السوري والثورة طريقا لتبرير احقاده وكرهه السابق لفكر البوطي ومنهجه المخالف للسلفية، وهناك آخرون المبدأ عندهم واحد فهم ضد الطواغيت بأي مكان وضد علماء السلطة مهما اختلفت بلدانهم ومناهجهم ولهجاتهم وسواء كانت لحيته طويلة او قصيرة فالحق واحد والطغيان واحد.

محمد عبدالله المطر
bomo6ar@gmail.com