| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
من طبيعة النفس البشرية التقلب ما بين المتضادين والنقيضين، تارة تهدأ وتارة أخرى تغضب، وتتبدل النفوس بحسب الظروف التي تمر بها من فرح وحزن، وتتحول المشاعر من حب وتقبل إلى كره وبغض عندما تشعر بالظلم والإجحاف ممن يعيشون حولها ومعها.
إن التربية التي نتلقاها والخبرات المتنوعة التي نمر بها، والمعارف التي نهضمها ونتشربها تعمل على تشكيل وصياغة كل واحد منا، صياغة خاصة ليكون شخصاً فريداً ومتميزاً، بما أننا أكدنا على حقيقة التقلب والتبدل والتحول من سجية النفس البشرية، سنلاحظ ونشاهد أن لكل واحد منا مزاجه الخاص وميوله وطرق تفكيره وأسلوبه في رؤية الأشياء كما أن له أمنياته وتطلعاته وحساسياته الخاصة نحو ما يؤلمه ويزعجه، يظهر كل هذا في سلوك الإنسان وفي علاقاته مع الناس، وفي أسلوب تناوله لشأنه.
إن كل ما ذكرناه في الفقرة السابقة في الحقيقة يشكل معظم ملامح شخصية الإنسان، وإن التعبير والإعراب عن هذه الشخصية يتم بواسطة عقلية الإنسان، إذ ان عقلية الواحد منا تشمل الأفكار والمعلومات والمصطلحات والتعريفات التي نعتمدها في التعامل مع الأشياء من حولنا، إلى جانب شمولها للطرق والأساليب التي نفكر من خلالها.
إن من الثابت والواضح أنه كما تكون الأفكار والمعتقدات سبيلاً لتوليد المشاعر، فإن المشاعر والعواطف، تملك قدرة كبيرة على توجيه العقل وجعله ينتج الأفكار التي تنسجم معها، أو توفر تغطية ثقافية لها، وهذا ما يتلاءم مع الطبيعة البشرية.
لكل ما سبق علينا توطئة نفوسنا للتعامل مع تقلبات من حولنا، وخصوصا المقربين منا، وكل من يعيش حولنا ونحتك معه احتكاكا مباشرا بشكل يومي أو شبه يومي أو أسبوعي، حتى نستطيع أن نتعايش مع بعضنا لابد من فهم واقعنا فهما جيدا عبر أدوات العقل التي تيسر مهمة التعامل مع القضايا والأشياء، فتلك هي الحقيقة التي نتغافل عنها ونتجاهلها.
إن القيم والمبادئ والمفاهيم ثابتة وطيدة لا تتغير بتغير الأزمان، لكن ما يتبدل هو الظرف والمكان والأشخاص الذين تلقينا منهم، لذا لا نحاسب ولا نراجع غيرنا إن كان سلوكهم يخالف ما نعتقد به خصوصا من يكبرنا سنا، ولا يعتبون علينا، ولا نؤاخذ أبناءنا على تصرف أو سلوك يجسد ويترجم المفاهيم والقيم والمبادئ التي غرسناها فيهم ولكن بطريقة قد لا تعجبنا أو يستغرب منها الكبار من معلمين ومربين وأقرباء، فلنترك المحاسبة والتأنيب على الرف متى ما رأينا من سلوكهم ما يناقض ويخالف تلك المضامين والمدلولات الثابتة الراسخة، نسقط أساليب وطرائق المحاسبة والتقريع عليهم لتصويب وتصحيح الخطأ والتأديب لا للتوبيخ والتعنيف.
لابد أن يعي ويدرك كل مُربٍ ومعلم ومرشد وموجه ومصلح الفروقات النمطية والسلوكية التي تميز جيلا عن آخر، في الوقت الحاضر يتلقى الفرد المعلومة من مصادر عدة، منها ما يعزز ويرسخ تلك المفاهيم والقيم والمبادئ بطرق ابتكارية إبداعية تجعلنا نتمسك أكثر بقيمنا ومفاهيمنا، وتكون هي الأرضية للانطلاق بأي سلوك سواء كان شعورياً أو فعلياً، فهي من تصوب وتقوم مشاعرنا وسلوكياتنا وتجعلها تسير بمسارها من دون أن تحيد عن الطريق السوي، دعونا لا نصدر الأحكام على بعضنا البعض إلا بعد أن نتفهم تقلبات نفوسنا وملامح شخصياتنا.
 
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib