ثم ماذا؟ ما الذي سيحصل بعد السابع عشر من مايو المقبل؟ هل تعتقدون أن الاستقرار السياسي سيأخذ موقعه؟ لن أقول باستحالة ذلك، بحجة «تفاءلوا بالخير»، ولكن من الصعب جداً أن يظهر الانسجام بين المجلسين طالما أن الأساس النظري بينهما أقرب لبيت العنكبوت.ليس من الإنصاف أن نُلقي بغالبية التهم على النواب بحجة أنهم هم من وتّر العلاقة وأوصلها إلى درجة عدم التعاون. فعلى النقيض من ذلك، المجلس عمل بصورة نشطة وموضوعية نوعاً ما لأنه إحصائياً أثمر، وعلى الرغم من عمره القصير، عن أكثر من أربعين قانوناً. يخطئ البعض في تقدير عمر المجلس بأنه امتد لأكثر من عام، والحقيقة أنه أقل من ذلك إذا ما استبعدنا العُطل، ومع هذا العمر القصير أقر 44 قانوناً.هذا القول لا يحمّل الحكومة كل تبعات أزمة عدم التعاون ومن ثم الحل، ولكنه بالتأكيد يحملها العبء الأثقل لهذا العطل السياسي. ونحن الآن مشغولون بالحملات الانتخابية للمرشحين وفلترتهم، إلا أننا كشعب كذلك نشعر بالتململ من المستقبل لأنه ماض مكرر. حالة الحكومة وأزمتها المتكررة مع المجلس لم تعد بحاجة لتحليل علماء الفكر السياسي، ولم تعد حكراً على تحليلات خبراء الاجتماع أو الاقتصاد، لأن الأزمة السياسية المعتادة أصبحت علامة مميزة، بالضبط كحال من يتنبأ بأن طقس الكويت سيكون حاراً ومغبراً في الصيف!إن لم يتغير شيء في ديناميكية اختيار الوزراء وآلية تعاملهم مع المجلس، ليطمئن الجميع أن المشهد المقبل لمسرحية «حكومة تيتي» سيكون مملاً لأنه سبق عرضه! بل تّنذر المؤشرات بأن الحكومة مازالت على نهجها النمطي، وقاصرة عن توفير مقتضيات الاستقرار والتنمية. ومن بين المؤشرات تقاعس الدولة عن التصدي بجدية للفرعيات، وأقصد بالجدية حرمان كل من َقبِل ومارس الفرعية، ولكنها وبدلاً عن ذلك «خوفتهم قليلاً» وتركتهم يسرحون ويمرحون، بل الأسوأ أنها اتخذت قراراً باستبعاد كل من خسر الفرعية وحرمانه عن أي منصب وزاري في الحكومة المقبلة! يعني أنها لم تمنع الفرعيات، بل استفادت منها كمؤشر على فشل أو نجاح المرشح القبلي، واستبعدته لضعف قاعدته الانتخابية! وبصورة أكثر وضوحاً... الدولة تعتمد في قراراتها السياسية على أفعال مجرمة!هناك مؤشر آخر لاستمرار الحكومة في انتهاج سكة الاستقالة. هل تتذكر التقسيمة التي نشرتها الصحافة قبل أيام عن أطياف وانتماءات المواطنين القبلية والمذهبية؟ مجرد تناول الحكومة، وبصورة رسمية، لملف كهذا يعني أن المواطنين مازالوا أمامها أطيافاً وتنوعات شتى، ويعني كمحصلة أنها تتعامل معهم على هذا الأساس، وأنها بصدد تكرار وسيلة الترضيات إياها! وبالتالي ألفت النظر أنها لو قامت بعد 17 مايو بمشاوراتها المعهودة لاختيار من يتسلم الحقائب الوزارية، فاعلم أننا «كُل شي ما سوينا» وصدقت فيما قلته، وما عليك سوى الانتظار عاماً إلى الأمام لتعود دورة الحكومة الجديدة!
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتيhasabba@gmail.com