| كتب محمد أنور |
لايمكن لمريض بمرض باطني خطير أن تقوم بقص شعره وتزيينه ليبدو في أبهى حلة، فلن تنفع الصورة الخارجية في ابعاد الخطر القادم من الداخل. هذه هي حال واقع النظافة في الكويت كما شخصه عضوان في المجلس البلدي استضافتهما ديوانية «الراي» وطرحا عددا من القضايا التي تهم مجلسهما، لعل أبرزها القضية الأكثر جدلا حاليا وهي النظافة.
فالقمامة تبقى قمامة، وخطرها البيئي ماثل حتى لو زينت حاوياتها بألوان وردية زاهية، وسياراتها بورود يضعها السائق أمامه أو على يمينه، وما تعانيه الكويت من انتشار صارخ للقمامة لا يعكس أبدا ما أنفق من أموال على عقود النظافة الجديدة التي تجاوزت ميزانية البلدية نفسها، كما قال الضيفان.
مانع العجمي وعبدالله الكندري، فتحا ملف النظافة وحذرا من استمرار التقاعس سواء من الجهاز التنفيذي أو من بعض شركات النظافة التي استمرأت المبررات الواهية لتستمر في تقاعسها، مستغربين أن تصل ميزانية العقود الـ17 التي وقعت لـ15 شركة الى 287 مليون دينار دون أن يحدث تحسن ملحوظ في المستوى الخدمي، اللهم الا اذا اعتبر تلوين حاويات القمامة باللون الوردي تحسنا، وهو كل ما قامت به تلك الشركات كما يقول الكندري، فيما طرح العجمي قضية خطيرة وهي متاجرة بعض تلك الشركات بتأشيرات الدخول للعمالة التي تحصل عليها من وزارة الشؤون لتبيعها في السوق السوداء، فيما اتفق العضوان على ضرورة أن يكون هناك تحرك فاعل وسريع لتدارك الخطر البيئي والصحي على الكويت وأهلها من جراء تكدس أكوام القمامة في المناطق.
عضوا المجلس لم يكتفيا بطرح موضوع النظافة في الديوانية، بل تطرقا الى همومهما وهموم زملائهما في المجلس، ولاسيما معاناتهم مع القانون 5 /2005 الذي «قلّم» أظفار المجلس وسلب منه صلاحياته، ففيما اتهم العجمي نوابا خرجوا من رحم المجلس البلدي الى قبة عبدالله السالم بمحاربة المجلس، رأى الكندري أن مثالب القانون يجب أن يلتفت اليها نواب مجلس الامة ومعالجتها، محملا بعض أعضاء المجلس البلدي السابقين المسؤولية في اقرار القانون لانهم انحرفوا عن عملهم وتجاوزوا فأفسحوا للحكومة المجال لتطرح القانون.
واختلفت رؤية العضوين كذلك في قضية تفكيك المجلس البلدي الى مجالس المحافظات، حيث أيد الكندري الفكرة ورأى أنها تعزز لا مركزية العمل المطلوبة، فيما رفضها العجمي بشدة، مؤكدا أهمية المركزية في العمل والانجاز. لكنهما عادا واتفقا على قضية مهمة جدا وهي خطر تكدس العزاب في منطقة جليب الشيوخ التي تحولت بفعل هذا الأمر الى وكر للجريمة والاعمال الخارجة على القانون، مطالبين بـ«نسف» المنطقة وتفريغها من العمالة الوهمية والعزاب، حفاظا على الأمن العام. كما تطرقا لمجموعة من القضايا نتابعها في السطور التالية:

• هل يعاني قانون 5 /2005 من شبهة دستورية فعلاً؟
- العجمي: هذا القانون يتيم باعتبار أن القانون السابق 15/72 هو الذي أعطى المجلس البلدي والبلدية دورهما في الرقابة والتشريع، وأعتقد أن مجلس الأمة تعسف في اقرار هذا القانون، وما وصلني من معلومات أن القانون تم اقراره خلال 24 ساعة فقط، لذلك كان من دواعي سروري على الأقل أن تكون هذه المؤسسة العريقة (المجلس البلدي) التي تعتبر بالفعل من المؤسسات التي كان لها دور فعال في العمل الديموقراطي أن تعاقب بهذا العقاب ويقر ذلك القانون المعيب الذي يحمل بين طياته شبهة دستورية.
وموضوع الشبهة طرحناه على نواب مجلس الأمة المبطل 2012 ومجلس 2009 وطلبنا من النواب أن يحيلوا القانون الى المحكمة الدستورية لكي تنظر فيه كونه يحمل العديد من المثالب، وعلى هذا الأساس فان اقرار مثل قانون 5/ 2005 مخالف للدستور، وللتوضيح فان بلدية الكويت تعتبر هيئة مستقلة وفقاً للمادة 130 من الدستور، فهل يعقل وفقاً لما نص عليه هذا القانون أن يحق للوزير الـ«رفض» دون ذكر الأسباب، وهو الأمر الذي عليه العديد من الملاحظات، كما أن استخدام الشق الآخر من المادة 14 بـ«الاحالة» الى مجلس الوزراء الذي يفصل بين قرار المجلس البلدي والبلدية لم يحدد مدة للفصل في هذا الأمر.
وأكرر أن المجلس البلدي يتيم ويحارب من أصحاب الخبرة، وخصوصا الذين خرجوا من نافذة «البلدي» الى قبة عبدالله السالم، لذلك أؤكد أنه بعد اقرار قانون 5/2005 أصبح لدينا نوع من التصادم بين المجلس البلدي والبلدية والوزير، الامر الذي أدى الى تعطل المشاريع وعدم اهتمام في اقرار المشاريع من الجهاز التنفيذي.
ومن المفترض أن تكون هناك رقابة شديدة على الجهاز التنفيذي في البلدية على غرار القانون الذي يطبق على المجلس البلدي.
- الكندري: كانت هناك ممارسات خاطئة من الأعضاء قبل عام 2005 ما حتم على الحكومة أنذاك أن يكون لديها نوع من التخوف لتكرار تلك الممارسات من قبل مجلس فني يسيء للتركيبة السكانية في الكويت. تلك الممارسات أدت الى استخدام بلدية الكويت عبر الجهاز التنفيذي صلاحياتها باللجوء الى المادة 14.
القانون يحتاج الى تعديل، الا أن لدى الحكومة رؤية أخرى، فالممارسات قبل عام 2005 أوجدت لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية نية جدية بتعديل هذا القانون، ومن جهة أخرى لو كان هناك فعلاً قصور «ان وجد» فهذا لا يمنع الأعضاء من أداء دورهم المنوط بهم وترك الأمر برمته لمجلس الأمة، فالقانون كما ذكرنا يحتاج لتعديل ليس فقط في المادة 14 منه بل في مواد كثيرة، كما أننا نحتاج لجهاز تنفيذي قادر على مواكبة تطلعات أعضاء المجلس البلدي، باعتبار أن امكاناته محدودة وقدراته متواضعة جداً ولا يملك رؤية تتماشى مع ما ستكون عليه الكويت بعد 10 سنوات، كما أنه لا يرقى لمستوى الطموح خصوصا في ظل قانون 5/2005.
• هل قرارات مجلس الأمة تنعكس على أداء أعضاء المجلس البلدي؟
- الكندري: بكل تأكيد، الحالة السياسية التي تعصف بالبلاد تؤثر على المجلس البلدي، والدليل أن هناك مشاريع تنموية الى اليوم لم تكتمل رؤيتها الفنية، وجميع الدراسات التي قدمت الى الآن لم تر النور.
- العجمي: مجالس الأمة السابقة حاربت مؤسسات المجتمع المدني «الرياضية والتعاونية والنقابية»، لذلك اتمنى من مجلس الأمة الحالي أن يجلس مع جميع المؤسسات ويطبقوا ما نص عليه الدستور باقرار التشريعات القانونية التي تتواكب مع العصر الحديث.
• هل تؤيدون فكرة انشاء مجالس البلديات في المحافظات؟
- الكندري: بداية الديموقراطية في أي دولة تنطلق من البلدية، ولكي يكون تطور المجتمع حقيقيا، فالبلديات تعني اللامركزية في القرار ويفترض أن يكون هناك مشروع بقانون يقدم من قبل الحكومة لمجلس الأمة بتعديل قانون البلدية، فمنذ حل المجلس البلدي عام 1966 والمواطن الكويتي يشعر بخيبة أمل وعدم الرضا.
من الممكن وجود تقصير حكومي أو عدم تفهم بعض أعضاء المجلس البلدي للدور المنوط بهم، فالقفزة النوعية تأتي من خلال مجالس البلديات بأن تكون لها ميزانية مستقلة وقوانين تتبع الادارة المركزية، كما يفترض أن يكون للمحافظ دور وللأعضاء وللمعينين من أهل الخبرة، أما في الوضع الحالي فلن تتطور الكويت.
- العجمي: رأيي في هذا الجانب مختلف كلياً، وأؤكد عمل المجلس البلدي وأرفض وجود مجالس البلديات في المحافظات، والمقارنة مع الدول الأخرى والمجاورة امر غير مقبول لوجود اختلاف في المساحات بين كل دولة.
المجلس البلدي لديه لجان تختص كل منها بمحافظة على حدة، أما قضية المجالس فهي تفريغ لدور وعمل المجلس البلدي بطريقة أو بأخرى حتى لو أتى من قبل المشرعين.
ومن خلال طرح الفكرة يتبين وجود سعي لتفعيل دور المحافظ، فهل دوره مرتبط بالبلديات فقط؟
في السابق تم تقديم اقتراح لأعضاء مجلس الأمة بأن يخرج من كل محافظة سبعة أعضاء وخمسة معينين وبشكل تلقائي يكون المحافظ هو الرئيس دون انتخاب، فأين الديموقراطية بهذا الأسلوب والطريقة؟
اقترح زيادة عدد أعضاء المجلس البلدي وتمكين المواطن من اختيار عضوين أو ثلاثة أعضاء لزيادة السعة في عملية صنع القرار.
الكويت ليست ولايات أو قطاعات فمساحتها صغيرة جداً، وبالتالي فان الديموقراطية غير مرتبطة بمجالس البلديات وهي مرتبطة فقط بالمجلس البلدي ومجلس الأمة.
• رغم قرار مجلس الوزراء بتثمين منطقة جليب الشيوخ، فاننا لم نر أي خطوة في هذا الاتجاه؟
- العجمي: منطقة جليب الشيوخ أصبحت من المناطق الموبوءة وهي منطقة «كوارث» عمالة سائبة واجرام ومخالفات، لذلك يجب ترحيل تلك المنطقة بأكملها بالعمالة المكدسة فيها.
كما يمكن وصف منطقة الجليب بأنها منطقة «غير قانونية» حيث أصبح رجال الأمن لا يستطيعون الدخول اليها في الأونة الأخيرة.
أتمنى من الحكومة الجدية نسف المنطقة واعادة اعمارها وتثمينها من جديد، علماً أن المجلس البلدي هو من تبنى فكرة و مبادرة «المثلث الذهبي» التي تقدم بها مجموعة من الشباب الكويتي ليتبناها بعد ذلك مجلس الوزراء، بعد ذلك شكلت لجنة لبحث تثمين المنطقة، الا أن اجراءات مجلس الوزراء تمشي كـ «السلحفاة» خصوصاً أن تلك المنطقة مقبلة على منشآت حيوية.
• الكندري: اذا لم تحل مشكلة الجليب فسيصبح لدينا مناطق مشابهة لها في المستقبل القريب بسبب زحف العزاب، أما الجانب الآخر فهناك تجاوز واضح في لوائح البناء.
الدولة ساهمت في الوصول لهذه المرحلة نظراً لغياب الرقابة منذ بداية الأمر، ما زاد الطين بلة حتى وصلنا في نهاية المطاف الى تثمين المنطقة بكاملها، قبل أن نبدأ بعملية التثمين لابد من ايجاد البديل فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 270 ألف نسمة، ومن وجهة نظري فان الحل الحقيقي هو انشاء المدن العمالية الجديدة وترحيل العمالة لتلك المناطق، والخوف من أن يستمر الزحف لمنطقتي الأندلس والفردوس.
وأخشى أن يأتي يوم ويطالب جميع الأهالي بتثمين مناطقهم ولذلك يجب على الحكومة أن تعمل على ايجاد البديل بأسرع وقت ممكن حفاظاً على هوية المناطق الأخرى.
الأمر الثاني الذي يجب أن نشير اليه هو ضعف الرقابة الفعلية من قبل جهاز البلدية في ما يتعلق بمخالفات البناء، ومن هذا المنطلق أدعو السلطة الى عدم التأخر في عملية القرار وألا تلتزم الصمت حتى لا نفجع بكارثة جديدة.
• ما سبب التأخر في تطبيق توصيات المجلس البلدي وقراراته المتعلقة بمنطقة جليب الشيوخ؟
- الكندري: استغرب التأخير في تطبيق قرارات وتوصيات المجلس البلدي الذي جاء حتماً نتيجة عدم الاستقرار الحكومي، واتمنى من الوزير الشيخ محمد العبدالله ومن مجلس الوزراء أن تكون كارثة جليب الشيوخ ضمن أولوياتهم.
- العجمي: سبب التأخير عدم وجود رغبة حكومية حقيقية، فالحكومة شكلت اللجنة وفتحت الباب بتشكيلها، أما اللجنة فرفعت توصياتها لتوضع في أدراج مجلس الوزراء.
ان حل مشكلة المنطقة مرتبط بتطوير الدائري السادس، وفي حال عدم الالتفات لهذه النقطة ستقع الحكومة في مشكلة وأزمة مرورية كبيرة.
• هل تعتقد أن شركات النظافة الجديدة قادرة على حل مشكلة النظافة؟
- الكندري: البعض يجزم بأن البلدية لا تقوم بدورها كما في السابق والقطاع الخاص لم يساهم بشكل كبير في تطوير عملية النظافة، وهي كرة يلقيها كل طرف على الطرف الآخر.
ما تقوم به بعض الشركات الحالية هو مجرد تغيير لون الحاويات والسيارات، ولكن مستوى الخدمة الى الآن متواضع جداً، العقود الجديدة ضخمة على الجهاز التنفيذي في استيعابها وعملية تطبيقها ومن المفترض أن تطبق الغرامات على الشركات، حتى لا يكون هناك نوع من المحاباة لها، كما لا بد من تطبيق عقود الطوارئ باعداد شركات أخرى مهيأة لعملية التنظيف في حال تقصير الشركات المتعاقدة مع البلدية في أداء عملها.
والجدير بالذكر أن عقود النظافة في الكويت هي الأعلى قيمة حيث تم توقيع 17 عقداً مع 15 شركة بقيمة 287 مليون دينار لمدة خمس سنوات، مع ذلك مازال مستوى النظافة في الكويت لا يرقى الى المستوى المطلوب ولا يلبي رغبات المواطنين.
أما في حال ثبت أن الشركات المحلية غير قادرة على أداء مهامها فمن المفترض أن تفتح الأبواب للشركات العالمية والخارجية.
- العجمي: قضية النظافة كارثة بيئية جديدة مقبلة على الكويت جراء آلية عمل الشركات، فما الداعي لزيادة قيمة التعاقد مع شركات النظافة بواقع 217 مليون دينار؟ قيمة التعاقد أكبر من ميزانية بلدية الكويت التي أقرها مجلس الأمة، واضيف على ذلك أن طريقة اختيار الشركات خاطئة باعتبار أن هناك شركات بدايتها كانت من الصفر وليست صاحبة اختصاص.
كما أن معظم الشركات الوطنية فازت بعقود نظافة في دبي وتعمل باحترام وفي عقودها مع الكويت لم تحترم تنفيذ تعاقدها، ولذلك يجب على بلدية الكويت ولجنة المناقصات ايضاح سبب زيادة الأسعار في عقود النظافة وايضاح ما اذا كانت زيادة القيمة هي عبارة عن زيادة آليات فقط أو أنها زيادة فعلية.
وتجدر الاشارة الى أن غالبية شركات النظافة قامت بأخذ العمالة من وزارة الشؤون وبيعها كـ«فيز» في السوق الكويتية، لذلك لا بد من وجود كشوف تقدم للبلدية عن عمالة الشركات وآلياتها وأن تُحضر العمالة بشكل يومي وتحول اقاماتهم على الشركات.
• وماذا عن تذمر بعض الشركات من عدم قدرة دخول آلياتها لبعض شوارع المناطق لتقوم بعملها؟
- الكندري: العقد شريعة المتعاقدين، والبلدية اتفقت مع الشركات وفقاً لضوابط معينة وعلى الشركات أن تتعاون وتوفر «كباسات» أصغر حجماً لتقوم بمهامها.
- العجمي: على الشركات أن تقدم كشوفات عن عدد الآليات التي لا يمكنها الدخول الى بعض الشوارع الضيقة، وعلى البلدية أن ترفع تقريرا رسميا وتطلع المجلس البلدي على محتواه، والأهم من جميع ما ذكرته أن شركات النظافة لم تجد سائقين لآلياتها.
• أين تتم عملية ردم النفايات؟
- الكندري: من المفترض أن تكون هناك شركة تقوم بعملية الفرز والردم، والوضع الحالي في الكويت بدائي جداً، حيث تقدمت شركات عالمية لتولي مهمة ردم النفايات ولكن لم ينصت لها أحد.
- العجمي: ردم النفايات كنز أغلى قيمة من النفط، وعلى الكويت أن تستغله من خلال تعاقدها مع الشركات الأجنبية لما فيه من مردود وعائد لميزانية الدولة.