إعداد : سعود الديحاني
 الحياة كثيرة طرقها وكل إنسان مسير لما خلق له محمد جابري بدأ حياته مع عمال البناء فترة من الزمن ثم اتجه إلى حرفة كان الناس تحتاجها الا وهي تصليح الاجهزة الكهربائية يوم كانت الوسائل الاعلامية محدودة يحدثنا عن مهنته هذه كيف بدأ بها ومراحل التطور بها احاديث شيقة وممتعة يتخللها التطرق إلى جوانب من حياة الماضي ادركها فلنترك له ذلك:
نحن من جنوب ايران في منطقة بوشهر التي كانت على ساحل الخليج كنا من قرية تابعة لبوشهر وانا دراستي اقتصرت على المرحلة الابتدائية لان ايام الحرب العالمية اغلقت المدارس، والدي كان يعملون مضمدا وتوفي وانا لم ابلغ من العمر سبع سنين حوالي سنة 1942 وبعد الحرب العالمية اصبح هناك كساد ونقص في المواد الضرورية التي يحتاجها الناس... اهل بوشهر كان غالبيتهم يعملون في الدوائر الحكومية وصيد الاسماك لقرب بوشهر من البحر بعد وفاة الوالد تولى رعايتنا عمي فترة ثم نمى إلى سمعي اسم الكويت وان العمل بها متوافر وهناك فرص كثيرة وهي قريبة من مسقط رأسي بوشهر وكان ذلك سنة 1946 حينما تم تصدير نفط الكويت فأول ناقلة كويتية خرجت لتصدير النفط في ذلك العام عزمت امري مع ثلاثة من اصدقائي وتوجهنا للكويت في الشهر الحادي عشر سنة 1950 وكان عمري 17 عاما...
رحلتي
ورحلتي كانت عبر لنج بحري ودفعنا له 22 تومانا وهو مكلف في ذلك الوقت وابحرنا ووقت المساء ووصلنا في ضحى نهار اليوم الثاني ولم نواجه خلال رحلتنا اي مصاعب وقد رسى اللنج الذي كنا به عند نقعة السيف ونزلنا كانت الامور سهلة وبسيطة كنت ارى اثنين من الشرطة واقفين لكن لم يكونا يمنعان احدا من الدخول لان العمال الذين ينزلون كانوا ينقلون البضائع وكانت هناك قهوة مندني قريبة من النقعة البحرية جلست بها وجاءني احد جماعتنا وعنده خبر في قدومي، ونظاراتي ضياء عادل له محل في الشارع الجديد جاء فأخذني معه وكان معه ابن عمي يعمل معه في محل النظارات الذي كان في الشارع الجديد اصطحبني إلى بيت وهو من البيوت التي كانت على النمط القديم طين وبعد ثلاثة أيام زرنا بيت ضياء عادل وكان عنده مهندس جلال الصميمي وهو مهندس ايراني للطرق والبنايات وسألني متى قدمت قلت له لي ثلاثة ايام ثم سألني هل تقرأ وتكتب؟ قلت له: نعم قال من الغد تعال واشتغل عندي لان عنده عمالا يعملون لديه اكثر من 50 عاملا في المشاريع التي تولى الاشراف عليها مع الحجي صبيح البراك وعنده مخازن للانشاءات والحديد ولديه كثير من المهندسين يعملون لديه.
الكاتب
عملت كاتبا لدى المهندس جلال الصميمي براتب شهري 160 روبية وكانت يومية العمال 4 روبيات ومكاتبنا كانت بالقرب من قصر دسمان في عمارات معرفي والمهندس جلال كان يشرف على تسع بنايات وانا كاتب ومراقب في نفس الوقت احضر العمال واقيد اسماءهم لانهم يأتون مبكرا الساعة السادسة ويستمر عملهم إلى الرابعة مساء ولا تزال بعض البنايات هذه موجودة إلى الآن وتم تجهيز هذه البنايات في مدة 12 شهرا والذي يشرف علينا من قبل الاشغال كان المهندس زكي وهو شخصية فلسطينية معروفة.
السور
بعد هذه البنايات اخذنا مشروع هدم سور قصر دسمان وبنايته من جديد بالاسمنت والطابوق اخذت معي 16 عاملا وبدأنا في هدم سور القصر وبنائه، كان السور القديم من صخر البحر والطين انزلنا كل هذا وبدأنا بناءه على نمط حديث ونحن كنا نضع الطابوق في مكائن خاصة نجلبها معنا في مكان عملنا... وكنا نرى الشيخ جابر الاحمد متواجدا في دسمان وهو رحمه الله كان دقيق الملاحظة فلقد جاءني احد الحراس وقال ان الشيخ يريدك لاننا حينما جهزنا السور مع بواباته لاحظ الشيخ رحمه الله عدم تساوي اطراف البوابات وهي كانت غير واضحة للجميع لكن دقة الشيخ جابر رحمه الله وذكاءه لاحظ ذلك وسألني عنه وايضا قدمت للكويت اخر ايام الشيخ احمد الجابر الصباح.
اليوم
كنا كل يوم نرى الشيخ عبدالله السالم جالسا والحرس حوله ويأتون عنده كثير من الاهالي يسلمون عليه ويشربون القهوة وقد جئت اليه انا ومعي المهندس جلال الصميمي والمهندس الفلسطيني زكي الذي كان يعمل في الاشغال.
الهدم
سور الكويت انا ادركت هدمه ورأيت العمال وهم يهدمونه وكنت اخرج من بوابة الشامية حينما كنا نحتاج إلى الماء في عملنا في البنيان واذهب في السيارات إلى حولي وبها قلبان ماء وليس بها بناء كثير وبعد بناء سور دسمان اخذنا بنايات ليوسف شرين بهبهاني في منطقة الوطية وبعد أن اوشكت البنايات على الانتهاء جاءتنا هدامة 1954 وتأثر البلد وجاء الجيش يساعد الناس ورأيت الشيخ عبدالله المبارك وهو قائد الجيش الذي خرج لمساعدة الناس في هذه الازمة وهو كان شخصية لها مكانتها وحينما يلبس اللبس العسكري والنياشين ترى الهيبة به واذكر أنني كنت في لبنان سنة 1962 ورأيته واقفا مع مجموعة من الناس وقال لي صاحب التاكسي الذي كنت معه ان هذا قصر الشيخ عبدالله المبارك أوقفت التاكسي ونزلت وسلمت على الشيخ واخبرته أنني قادم من الكويت وقد رحب فيني وقال اهلا وسهلا وكيف الكويت فقلت الحمد لله بخير وسمعت من الناس عن كرمه كثيرا.
النفط
استمر عملي مع المهندس جلال الصميمي ست سنوات ثم جاء اصدقائي للفحيحيل لان شركة النفط كانت في الاحمدي لكن الطرق لم تكن معبدة انا كان عندي معرفة في تصليح الراديو والمسجلات لان احد جماعتنا افتتح محلا في حولي في هذه المهنة تصليح اجهزة كهربائية لكن مقتصرة على تصليح الراديو ومسجلات انا كنت اجلس عند وقت المساء فتعلمت منه لان الصنعة والمهنة اليدوية هي التي تدوم وكان ذلك بحدود سنة 1956 واستمررت في تعليمها مدة ستة اشهر.
الفحيحيل
دخلت الفحيحيل وكانت قديمة صغيرة على البحر ووجدت اربعة محلات بجانب الفرضة القديمة التي كانت عبارة عن سوق وانا كنت اول محل لتصليح الراديو والمسجلات وملك المحل كان للدبوس هي اربعة محلات بجانب المخفر القريب من الفرضة محل لعامر نوري ومحل اخر ميكانيكي واخر لا اذكره وانا اول محل في الفحيحيل لتصليح الادوات الكهربائية الراديو والمسجل سنة 1957 واجر المحل كان 12 روبية واما السكن فكان بيتا عربيا في الفحيحيل القديم وهو ملك فهد الدبوس... واسم محلي كان محل محمد جابري لتصليح وبيع الراديو والمسجلات.
الناس
لم يكن هناك كثير من الزبائن في بداية امري كانت الناس قليلة التي تستعمل الراديو والمسجل ثم بدأت هذه الاجهزة تنشر ولم يقتصر على التصليح فقط بل كنت ابيع الاجهزة الكهربائية حيث اتعامل مع الشركات التي في الكويت وانواع الراديو «فلى جسن» كنا نأخذه من حسين العمر وعبدالله الرويح ومن شركة سوني وناشونال وكانت هذه الشركات تعطيني خصما وادفع لهم بكل اريحية ولم تكن تلك الاجهزة تعمل على كهرباء بل كلها بطاريات التي يطلق عليها حجر بطارية.
تمت ازالة السوق الذي كنت به سنة 1959 فتحولت إلى سوق الفحيحيل القديم واخذت محلا اجرته بـ 20 روبية من املاك الشيخ سالم العلي وكان ذلك في سنة 1960 والسوق في ذلك خلف البيوت السكنية والمحلات مقابل الشارع وبالقرب مني كان مصور الميناء لابو فؤاد وعلي يمني وهو ثاني مصور في الفحيحيل قبله شخص ارمني ايراني عمل فترة قبل انتشار الكهرباء ثم ترك الكويت وجاء ابو فؤاد مصور الميناء بعده وتوفى، وابناؤه ذهبوا إلى اميركا وكان على يمين محل احذية لشخص فلسطيني اسمه خالد صبيح.
الاستمرار
استمر محلي لغاية 1984 وتحول إلى نشاط نظارات لان ولدي تعلم هذه الحرفة وهو درس في مدارس الكويت، بعد الثانوية درس في القاهرة في كلية العلوم وتخرج سنة 1983 لكن النظارات تعلم هذه المصلحة والمهنة من جماعتنا نظاراتي النور والجميل والحسن ثم افتتح له محلاً وانا صرت معه.
الوقت
كانت الناس بحاجة لجهاز الراديو والمسجل في تلك الايام لان الوسائل الاعلامية قليلة وهذه الاجهزة في البيوت وفي متناول الناس من خلالها يرتبطون في العالم... وانا لما لم تكن الكهرباء متوافرة في البيوت كنت اغلق محلي الساعة السادسة مساء لكن بعد توافر الكهرباء اخذنا نتأخر إلى الساعة التاسعة.
مرزوق
سوق مرزوق من الاسواق التي كانت في منطقة البدوية التي كانت كلها بيوتاً كبر وصفيح جاء اهلها من الاحمدي وسمح لهم في البناء وهذا السوق فيه محل عملت به انا بعد ازالة السوق القديم مدة سبع اشهر لكن فضلت أن ارجع إلى سوق الفحيحيل لان الناس تعرفه.
الكثرة
الزبائن تغيرت بعد انتشار الكهرباء وكثرت الشركات والمحال لكن انا اخذت منحى آخر وهو تصليح راديو ومسجلات السيارات وكان لي اصدقاء يأتون إلى محلي فأنا كنت الوحيد الذي يصلح راديو ومسجل السيارات فاذكر ناصر الحوطي وبو كحيل الله يرحمه والسعودي وابراهيم المدير وخليل محمود... كنت انا اعمل اسطوانات لان الاسطوانات هي المنتشرة في الاول وسيارات الاجرة «التكاسي» كانوا يأتون عندي لاعمل لهم «أير» وكانت سيارات الاجرة مشهورة في وضع الاير وابنائي كانوا في فصل الصيف يعملون معي في محلي.
التلفزيون
بعد دخول التلفزيون في البيوت وانتشاره ذهبت إلى طهران ومكثت ستة اشهر، أتعلم مكونات هذا الجهاز ومحتوياته وكيفية فكه واعادة تركيبه وتصليحه ... الناس بحاجة لمن يقوم بتصليح هذا الجهاز الذي بدأ ينتشر بشكل كبير ولا تستغني عنه البيوت والاسرة وفعلا خلال مدة ستة اشهر تعلمت كل شيء يخص التلفزيون وجئت إلى محلي واخذت استقبل الناس وكان ذلك سنة 1965 وخلال هذه المدة التي قضيتها حصلت على شهادة مهنية.
المدير
كان ابراهيم المدير عنده سيارة كاديلاك وهناك خلل في الراديو الخاص بها لم يكن يستقبل الاذاعات العربية وقد ذهب بها إلى وكالتها التي اشتراها منها وهي وكالة البهبهاني ولم يستطيعوا أن يقووا ارسال جهاز الراديو الخاص بسيارته وبعد ذلك قال له خليل محمود انا عندي صديق يصلحها وجاءت السيارة وسويت بحثاً عن خط الاير ووجدته ضعيفاً فغيرته وقويت ذبذبات الجهاز واخذ يستقبل بثاً كثيراً من الاذاعات... وبعدها قال شركة كبيرة ما تقدر تصلح راديو السيارات ومحل صغير يصلح ذلك العطل.
الوصف
كان الماء في الفحيحيل نأتي به من الآبار وهي قريبة من موقع السينما وماء يتم نقله بواسطة الحمير إلى البيوت حيث يوضع إلى القرب ثم يفرغ في خزانات حديدية داخل البيوت والحلال الغنم والمعز والبقر كثير في نواحي الفحيحيل ومزارع أيضاً كثيرة وشجر السدر كثير في المزارع... وشتاء الكويت كان باردا في الماضي واذكر فرحة الاستقلال سنة 1961.
التعلم
الكثير تعلم عندي على حرفة ومهنة تصليح الاجهزة الكهربائية كان يأتي شباب في مقتبل العمر من جنسيات مختلفة ايرانيون وباكستانيون فيعملون عندي وانا اشرف عليهم ولا ابخل عليهم في اي معلومة فمن عمل فهو مثل اولادي لان اولادي كانوا يعملون عندي في العطل الصيفية وهؤلاء العمال والمهنيون بعدما يكتسبون هذه المهنة يذهبون ويشقون طريقهم في الحياة واذكر أنني رأيت ذات يوم شاباً يعمل صباغا فقلت لماذا لا تتعلم مهنة تستفيد منها اكثر وهذه المهنة هي التي تصليح الاجهزة الكهربائية افضل لك فجاء عندي ومكث مدة واتقن الحرفة ثم ذهب وفتح له محلاً في الفنطاس وصار معروفاً.
سكة
تعلمت القيادة من صديق لي لكن فحص اختبار القيادة اجراه لي سيد وهو مشهور ومعروف اخذنا نحن سبعة متقدمين للاختبار وكان الفحص كله في سكة البدر وهي سكة ضيقة من يدخل منها ثم يعود للخلف دونما اي اصطدام ينجح في الاختبار.
التأثر
الشركات التي كثرت واصبحت هي تقوم باصلاح الاجهزة التي تبيعها من خلال الورش الخاصة بها اثرت على نشاطنا بل توقف منها. انا جئت إلى الفحيحيل سنة 1957 وعملت في سوق الفرضة سبعة اشهر ثم إلى سوق مرزوق سبعة اشهر بعدها افتتحت محلي في سوق الفحيحيل.
ضياء
نظراتي ضياء عادل كان موجود قبل مجيئي للكويت وقد عمل نظارة للشيخ عبدالله السالم فقام الشيخ واعطى النظارة التي قام باستبدالها بالجديدة إلى ضياء عادل وقال هذه ذكرى لك ولا يزال محله موجوداً في شارع فهد السالم وقد باع محله وهاجر إلى اميركا واولاده أيضاً هاجروا.
الزواج
انا تزوجت سنة 1958 وجميع اولادي ولدوا في الفحيحيل وهم اكملوا تعليمهم فجميعهم جامعيون، بنتي محامية وابني دكتور والآخر مهندس انا اوصيت اولادي أن ميراثي لهم هو العلم والتعلم والحصول على الشهادات العلمية فصاحب شهادة العمل يبحث عنه وليس هو الذي يبحث عن العمل فنحن لا نعرف غير الكويت عشنا بها وقضينا عمرنا بها وكل معارفنا واصدقائنا بها.