| د. يعقوب أحمد الشراح |
تتأثر مناهج التعليم بنظام التعليم القائم، فإذا كان النظام التعليمي مركزياً لا يؤمن بالتعددية الإدارية والتنظيمية، ولا يفكر بشيء اسمه «اللامركزية» في إدارة شؤون التعليم فإن المناهج بالتالي لن تكون متحررة وواقعية تواكب الأحداث والمستجدات. فكل ما يتعلق ببناء المناهج من وضع للأهداف والسياسات والمحتويات والإجراءات ونظم التطبيق والمتابعة، وغيرها ستكون في مجملها معبرة عن طبيعة مركزية التعليم وبيروقراطية النظام.
وتلاحظ هذه المركزية في دول كثيرة نامية حيث يصعب أحداث تغييرات في المناهج من دون إقرار السلطات الحاكمة وبتوجهات منها، أما في الدول الديموقراطية والمتقدمة فإننا نلاحظ مسؤوليات إعداد المناهج وتطويرها بيد المجتمع من خلال مؤسساته وبرلماناته وجمعياته ونقاباته وغيرها. أي انه يستحيل أن يرضى المجتمع عن المناهج إذا لم يكن مشاركاً في الرأي ومتفاعلاً حتى في تنفيذها من خلال دعم التعليم، وكذلك مطلعاً على مدى فاعلية التعليم في مستوى مخرجاتها ومناسبتها لسوق العمل والحياة.
إن مركزية المناهج أو لامركزيتها تتوقف بدرجة كبيرة على طبيعة البيئة التي يدُرس فيها المنهج. فنحن لا نرى أسبابا أو مبررات علمية لجدوى المركزية العالية للمنهج، خاصة وأن ظروفنا المادية والبشرية والثقافية لا تنسجم مع ما نلاحظ من ضعف دائم ووهن مرصود في المنهج التعليمي. فكثيراً ما نخلط بين مفاهيم المركزية واللامركزية في المنهج، وبسبب خوفنا من تدريس مفاهيم تتعارض مع سياسة الدولة واتجاهات المجتمع فإننا نصر على المركزية المنهجية البغيضة. أما اللامركزية المنهجية التي توفر قدرا مناسبا من حرية التدريس والتعلم والتغيير في المنهج من حيث تطوير المحتويات والأساليب والأنشطة ومواكبة المستجدات والأخذ بالفروق الفردية بين التلاميذ وإيجاد البدائل التعليمية لتحفيز الطاقات وصقل المواهب، وإتاحة فرص التقدم العلمي والإداري بين المدارس وإداراتها مع تقديم صلاحيات واسعة للمدرسة بإعطائها المسؤوليات الإدارية والفنية والمالية وغيرها، فإن كل هذه الايجابيات لا تعني التوجس من انعكاسات سلبيات اللامركزية، وإنما لابد أن تدفعنا في الاتجاه التدريجي للأخذ باللامركزية وتطبيقها على ارض الواقع.
لامركزية المناهج لا تعني أيضاً الفوضى أو حدوث الاختلال في محتوياته، وتطبيقاته، فلقد أخذت به دول عديدة وأصبح اتجاهاً عالمياً يعطي صلاحيات أوسع للمدرسة، ويتيح لها المزيد من حرية العمل وتطويره من أجل الارتقاء بالأداء العام للتعليم. واللامركزية أيضاً لا تعني عدم رقابة الأدوار والأعمال وما يجب أن يكون عليه المحتوى، فالكثير من النظم التعليمية تشجع التنافس بين المدارس من خلال تنوع المناهج وتعدد الأساليب في إطار ما تحدده وترسمه الدولة من مفاهيم أو موضوعات أساسية لا تستطيع المدرسة أن تحيد عن تدريسها أو تخالفها، وتسمى «بقائمة المفردات» المركزية للمناهج.
إن الحديث عن المنهج يتداخل مع نموذج الإدارة التربوية، ولا ينفصل عنها، ما يعني ضرورة أن تتوافق هيكلية الإدارة التربوية مع منظومة المناهج، بمعنى أن تكون الإدارة أكثر واقعية ومتحررة من القيود والروتين. لذلك يمكن التنوع في المناهج اللامركزية ربما في واقعنا التعليمي على مستوى المحافظات، وأن تتولي مدارس كل محافظة اختيار مناهجها، وما تراه مناسباً لها من الكتب واللوازم. ويتم التدريس وفق قائمة «مفردات المنهج المركزية» التي تعدها الوزارة وتراقب تطبيقاتها. إن مركزية المفردات أو المفاهيم في التعليم يسهل لامركزية التنفيذ في المدارس، وفي الوقت نفسه تتحقق الأهداف العامة للتعليم.
نتمنى التفكير في اتجاه وضع استراتيجية جديدة للمناهج تخرجه من البيروقراطية والتقليدية التي اعتادت عليها سنوات طويلة، خاصة وأن الظروف الحياتية حدثت فيها تغيرات كبيرة ما يعني تطوير آلية العمل في لامركزية المنهج من خلال إعادة النظر في واقع المعلم والإنفاق على التعليم وغيرها من أمور أخرى مهمة تؤثر في الاتجاه نحو اللامركزية ودورها في تطوير التعليم.
yaqub44@hotmail.com
تتأثر مناهج التعليم بنظام التعليم القائم، فإذا كان النظام التعليمي مركزياً لا يؤمن بالتعددية الإدارية والتنظيمية، ولا يفكر بشيء اسمه «اللامركزية» في إدارة شؤون التعليم فإن المناهج بالتالي لن تكون متحررة وواقعية تواكب الأحداث والمستجدات. فكل ما يتعلق ببناء المناهج من وضع للأهداف والسياسات والمحتويات والإجراءات ونظم التطبيق والمتابعة، وغيرها ستكون في مجملها معبرة عن طبيعة مركزية التعليم وبيروقراطية النظام.
وتلاحظ هذه المركزية في دول كثيرة نامية حيث يصعب أحداث تغييرات في المناهج من دون إقرار السلطات الحاكمة وبتوجهات منها، أما في الدول الديموقراطية والمتقدمة فإننا نلاحظ مسؤوليات إعداد المناهج وتطويرها بيد المجتمع من خلال مؤسساته وبرلماناته وجمعياته ونقاباته وغيرها. أي انه يستحيل أن يرضى المجتمع عن المناهج إذا لم يكن مشاركاً في الرأي ومتفاعلاً حتى في تنفيذها من خلال دعم التعليم، وكذلك مطلعاً على مدى فاعلية التعليم في مستوى مخرجاتها ومناسبتها لسوق العمل والحياة.
إن مركزية المناهج أو لامركزيتها تتوقف بدرجة كبيرة على طبيعة البيئة التي يدُرس فيها المنهج. فنحن لا نرى أسبابا أو مبررات علمية لجدوى المركزية العالية للمنهج، خاصة وأن ظروفنا المادية والبشرية والثقافية لا تنسجم مع ما نلاحظ من ضعف دائم ووهن مرصود في المنهج التعليمي. فكثيراً ما نخلط بين مفاهيم المركزية واللامركزية في المنهج، وبسبب خوفنا من تدريس مفاهيم تتعارض مع سياسة الدولة واتجاهات المجتمع فإننا نصر على المركزية المنهجية البغيضة. أما اللامركزية المنهجية التي توفر قدرا مناسبا من حرية التدريس والتعلم والتغيير في المنهج من حيث تطوير المحتويات والأساليب والأنشطة ومواكبة المستجدات والأخذ بالفروق الفردية بين التلاميذ وإيجاد البدائل التعليمية لتحفيز الطاقات وصقل المواهب، وإتاحة فرص التقدم العلمي والإداري بين المدارس وإداراتها مع تقديم صلاحيات واسعة للمدرسة بإعطائها المسؤوليات الإدارية والفنية والمالية وغيرها، فإن كل هذه الايجابيات لا تعني التوجس من انعكاسات سلبيات اللامركزية، وإنما لابد أن تدفعنا في الاتجاه التدريجي للأخذ باللامركزية وتطبيقها على ارض الواقع.
لامركزية المناهج لا تعني أيضاً الفوضى أو حدوث الاختلال في محتوياته، وتطبيقاته، فلقد أخذت به دول عديدة وأصبح اتجاهاً عالمياً يعطي صلاحيات أوسع للمدرسة، ويتيح لها المزيد من حرية العمل وتطويره من أجل الارتقاء بالأداء العام للتعليم. واللامركزية أيضاً لا تعني عدم رقابة الأدوار والأعمال وما يجب أن يكون عليه المحتوى، فالكثير من النظم التعليمية تشجع التنافس بين المدارس من خلال تنوع المناهج وتعدد الأساليب في إطار ما تحدده وترسمه الدولة من مفاهيم أو موضوعات أساسية لا تستطيع المدرسة أن تحيد عن تدريسها أو تخالفها، وتسمى «بقائمة المفردات» المركزية للمناهج.
إن الحديث عن المنهج يتداخل مع نموذج الإدارة التربوية، ولا ينفصل عنها، ما يعني ضرورة أن تتوافق هيكلية الإدارة التربوية مع منظومة المناهج، بمعنى أن تكون الإدارة أكثر واقعية ومتحررة من القيود والروتين. لذلك يمكن التنوع في المناهج اللامركزية ربما في واقعنا التعليمي على مستوى المحافظات، وأن تتولي مدارس كل محافظة اختيار مناهجها، وما تراه مناسباً لها من الكتب واللوازم. ويتم التدريس وفق قائمة «مفردات المنهج المركزية» التي تعدها الوزارة وتراقب تطبيقاتها. إن مركزية المفردات أو المفاهيم في التعليم يسهل لامركزية التنفيذ في المدارس، وفي الوقت نفسه تتحقق الأهداف العامة للتعليم.
نتمنى التفكير في اتجاه وضع استراتيجية جديدة للمناهج تخرجه من البيروقراطية والتقليدية التي اعتادت عليها سنوات طويلة، خاصة وأن الظروف الحياتية حدثت فيها تغيرات كبيرة ما يعني تطوير آلية العمل في لامركزية المنهج من خلال إعادة النظر في واقع المعلم والإنفاق على التعليم وغيرها من أمور أخرى مهمة تؤثر في الاتجاه نحو اللامركزية ودورها في تطوير التعليم.
yaqub44@hotmail.com