أصابتنا موجة برد سيبيري قوية وهبطت درجات الحرارة إلى ما لا يقل عن 8 درجات داخل المدن، فما كان منا إلا أن أعلنا حالة استنفار في البيت، واقتحمنا «الكبتات» (خزانات الملابس) لنخرج الملابس المخبأة، وأخرجنا الدفايات، وألبسنا الأطفال أثقالاً من المعاطف واللباس الثقيل. وقد قامت ابنتي - جزاها الله خيراً - بشراء معطف ثقيل وحذاء لي حتى لا أشعر بالبرد.
تذكرت حالنا في وسط هذه العاصفة العابرة، ونظرت فيما تبثه الفضائيات عن اخوان لنا في سورية تكالبت عليهم جميع الظروف القاسية من برد قارس لم يشهدوا مثله منذ أعوام طويلة ومساكن ممزقة عبارة عن خيام غمرتها مياه الأمطار، وثلوج كثيرة ونقص في الطعام والشراب وانعدام لجميع وسائل العيش الضرورية من مراحيض ومدافئ ولباس وأغطية.
وليت الأمر اقتصر على ذلك لكن هؤلاء اللاجئين يعانون من الطرد من ديارهم وعدم معرفتهم متى سيعودون إليها وحتى إن عادوا فلن يجدوا إلا أطلالاً تخبر بأنها كانت دياراً لهم، فقد حولها المجرمون إلى خرابات مدمرة، ويعانون من شبح القصف عليهم، ويعانون من ذكريات مؤلمة وضياع لجميع ما يملكون وأحباب لهم قد تم قتلهم أو سجنهم أو تعذيبهم.
من يصدق بأن هذا المشهد المأسوي الدموي يكاد يتم سنتين دون بصيص أمل قريب، ومن يصدق بأن هذا العالم المتحضر الذي يملأ الدنيا ضجيجاً بالحديث عن قوانينه ونظرياته وتشدقاته بحقوق الإنسان والذي ينتقدنا على كل خطوة يعتبرها إخلالاً بحقوق الإنسان، هو هذا العالم الذي ينظر متفرجاً على تلك المجازر البشعة والمعاناة الأليمة التي يتعرض لها شعب كامل وكل جريمته هي أنه أراد أن يحصل على حريته؟! أليست هذه هي الجرائم الحقيقية التي تحدث في العالم بسبب أولئك الغرب المنافقين؟!
هاهم يفزعون لإسقاط مجموعة ممن أسموهم بالمتشددين الإسلاميين في مالي ويدعمون الحكومة من أجل حربهم، فلماذا تركوا المسلمين المعتدلين في سورية لمصيرهم ولم يقدموا لهم شيئاً ولسان حالهم يقول: أطيلوا في أمد الحرب لكي يخرج السوريون منها ببلاد مدمرة لا تقوى على مواجهة الكيان الصهيوني لعشرات السنين؟!
وصدق الشاعر محمد مصطفى حمام حيث يقول:
وتظل الأرحام تدفع قا
بيلا فيردي ببغيه هابيلا
ونشيد السلام يتلوه سفا
حون سنوا الخراب والتقتيلا
وحقوق الإنسان لوحة رسا
م أجاد التزوير والتضليلا
وكل إناء بما فيه ينضح!!
أعجبتني لفتة للمتحدثة باسم الخارجية الأميركية معلقة على تبادل أسرى الجيش الحر مع قيادات الحرس الثوري الإيراني، حيث قالت: انظروا كيف حرص الأسد على إطلاق سراح الإيرانيين مقابل أعداد كبيرة من الجيش الحر بينما لم يهتم بإطلاق سراح بقية جنوده ممن يعتقلهم الجيش الحر!
ولنا أن نسأل عن سبب دعم الأميركان لهذا النظام الذي يعلمون بأن هذه هي أخلاقه؟!

د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com