| أحمد فؤاد |

الأحدالثانية بعد منتصف الليلليلة أمس بدأ هذا الصوت في زيارة أذني. أصابني الأرق رغم جميع محاولاتي الفاشلة في تجاهله. إنه صوت تساقط قطرات من صنبور المياه. أعصابي تناديني في رجاء لوقف هذا التساقط المزعج. اتّخذت قراري وذهبت إلى الحمّام - شفقةً بأعصابي – عبر الطرقة الفاصلة بين غُرف النوم والحمّام . فتحت بابه الموارب وولجت - رغم كُرهي للأبواب المواربة أو المغلقة أو حتى المفتوحة على حد سواء! في عصبية. نظرت إلى الصنبور قبل أن تُدرك أذني أن الصوت قد توقّف!

الاثنينالثانية والنصف بعد منتصف الليلالصوت نفسه تكرر منذ قليل. لم تكن خيالات إذاً ليلة أمس!، ذهبت مرة أخرى إلى الحمّام، و فور دخولي الحمّام توقّـف الصوت أيضاً. تفحّصْت حوض الاغتسال جيداً، ولكني – متعجّبة – لم أجد أي أثر للبلل! ما الذي يحدث بالضبط؟بدأ الخوف في رحلة النمو داخلي، وأنا أحاول جاهدةً في إيجاد تفسير منطقي. احتمالات مُفزعة تتخابط داخل عقلي المرتعش. هل هناك أرواح شريرة في هذا المكان مثلاً؟. انتفض جسدي وأنا أفكّر في هذا الأمر، عُدت أدراجي متحاشية النظر إلى المرآة أعلى حوض الاغتسال، أخشى أن أرى قاتلاً خلفي يهم بقتلي، أو أن أجد وجهي بدأ عليه آثار تَحوّل! منعت نفسي من الصراخ - في طريقي إلى غرفتي - وأنا ألعن في سري أفلام الرعب التي شوّهت إحساس الشجاعة المفترض وجوده في نفسي.

الثلاثاءالواحدة بعد منتصف الليلعندما عُدت إلى البيت عصر اليوم، سمعت والديّ يتحدّثان عن اكتشاف الشرطة – بُناء على بلاغ ما - لجثة جارنا القاطن في الطابق العاشر من البناية، غارقة في مسبحه منذ ثلاثة أيّام!. بعض الهمسات عن تورّطه في السحر والشعوذة. لم أشترك في هذا الحوار، ولكني علمت – من خلال محاولاتي لجمع المعلومات – أن الشرطة لم تُفصح عن معلومات أكثر. كما فَهمت الا أحد في المنزل سواي يزوره هذا الصوت!لم أشأ أن أخبر أياً من أفراد أسرتي عمّا أسمعه، خصوصاً بعد أخبار جارنا الغارق، إلا أنني قررت أن أخبرهم إذا ما تكرر الصوت مرة أخرى، فأعصابي لم تعد تحتمل. قمت ببعض الإعدادات تحسّباً لصدور الصوت، ولتأمين رحلة الذهاب والعودة إلى الحمّام، تركت مصباحاً ضعيف الإضاءة في الطرقة، كما قُمت بفتح باب الحمّام عن آخره. انفرجت أساريري مع مرور الوقت دون سماعي لهذا الصوت.

الثلاثاءالثانية بعد منتصف الليلاكتشفت أنني ساذجة... مازال الصوت ينبض في سخرية. أطرافي لا تُطيعني في استخدامها للوقوف. خفقات قلبي تُشارك صوت الصنبور في عزف سيمفونية الرُعب داخلي. مَرّ الوقت بطيئاً وأنا في غُرفتي لا أقوى على الخروج، إلا أن الصوت لم يتوقّف. يُصارع الانهيار العصبي كي يحظى -بموافقة عقلي- بصرخة مُدوّية مِنّي، إلا أن نظرة أهلي – التي انطبعت في عقلي – وهم ينظرون بشفقة كَون الخيالات تتحكّم فيّ، قد أفشلت مُهمّته. لم يعد أمامي سوى الذهاب إلى الحمّام. في تلك المرة اكتشفت أن الصوت لم يكن مصدره صنبور حوض الاغتسال، وإنما كان صنبور المسبح!

 

الأربعاءالواحدة والنصف بعد منتصف الليلليلة أمس كاد الجنون أن يصيب عقلي، هذا إن لم يكن قد أصابه بالفعل. لم أتوقّع أن يكون صنبور المسبح هو مصدر الصوت، هذا يُضيف احتمالات مُخيفة لها وقع غير مُحبب في النفس. بالطبع لم يكن هناك أي أثر للبلل، تفحّصْت المسبح جيداً. لا أثر لشيءغريب، باستثناء ذلك الشعور الذي انتابني لحظة انحنائي على المسبح . لوهلة خُيّل لي بأن ظلاً ما - و كأن أحداً يهمّ بمُهاجمتي من الخلف - ارتسم على المسبح، قبل أن يختفي فجأة. احتبست صرخة داخل حلقي وأنا أنتفض عند سماعي صوتاً من خلفي «ماذا تفعلين هُنا في تلك الساعة المُتأخرة». كانت أمي التي كاد ظهورها المُفاجئ أن يصيبني بذبحة صدرية. تنفّسْت الصعداء قبل أن أعتدل مُفسرةً وجودي لشكّي في وجود عطب أصاب الصنبور. تَفحّصَـته بدورها ثم ابتسمت في حنان قبل أن تتركني عند غُرفتي مُتمنّية لي أحلاماً سعيدة!

الأربعاءالثانية والنصف بعد منتصف الليللا أدري لماذا لم أخبر أهلي بعد؟ ولكني لست نادمة على ذلك. لا أحب أن أظهر بصورة البلهاء المذعورة.الصنبور يُناديني من جديد. حاولت أن أقاومه، لكن هذا الصوت الرتيب يكاد يُحطّم ما تبقى من أعصابي. قررت أن أذهب لأتفقّد الصوت مرة اخرى، قد يكون رغبة مني في وقف هذا الألم في رأسي، أو أنني قد بدأت أشعر بأن هُناك شيئا ما يرغب في أن يخبرني بشيء. سأذهب إلى الصنبور علّني أجد ما يريحني.

الأربعاءالثالثة بعد منتصف الليل