يخلق إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا مشاكل خطيرة على جبهات متعددة. إن قرار واشنطن والبلدان الرئيسية في المجموعة الأوروبية تشجيع انفصال كوسوفو سوف يسجَّل كأحد الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية. فإعلان برشتينا الاستقلال من جانب واحد، يسجل سابقة مقلقة في نظام دولي مليء بالحركات الإقليمية الانفصالية العديدة. بلدان كبيرة مثل روسيا والهند والصين تشعر بالقلق بسبب أقلياتها الإثنية والسياسية المتململة والتي يمكن أن تسعى إلى تقليد كوسوفو. روسيا قلقة خصوصاً بالنسبة إلى الشيشان؛ والهند قلقة بالنسبة إلى كشمير، والصين قلقة في شأن زينجيانغ والتبت وتايوان. إن شعور بكين بعدم الارتياح في ما يتعلق بسابقة كوسوفو وتأثيرها على تايوان لم تخففه التهنئة الفورية التي وجهتها تايبيه إلى سكان كوسوفو والتأكيد الذي صدر عنها بوجوب احترام الأمم المتحدة لمبدأ حق تقرير المصير، أي، مطالب تايوان للاستقلال والسيادة. ولكن هناك مطالب انفصالية ممكنة في قلب أوروبا نفسها. قبرص، وهذا أمر مفهوم، تعارض حركة كوسوفو إذا أخذنا في الاعتبار ادعاءات الجمهورية التركية في شمال قبرص. تركيا التي أقامت الجمهورية التركية في شمال قبرص لها ما يقلقها من القضايا بالنظر إلى الانتفاضة المتواصلة التي يقوم بها الانفصاليون الأكراد. إسبانيا قد تصبح أقل انبهاراً بالنسبة إلى حركة برشتينا إذا كان من شأن ذلك أن يشجع انفصاليي إقليم الباسك على تشديد حملتهم العنيفة. ولندن التي تبارت مع واشنطن في حماسها لاستقلال كوسوفو، قد تجد من الأسباب ما يجعلها تشعر بالأسف إذا ما قررت اسكتلندا الحصول على الاستقلال. وبإيجاز، فإن واشنطن ودول المجموعة الأوروبية الكبرى الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد خلقوا مشاكل دولية عدة نتيجة سياستهم تجاه كوسوفو. الحكومات الثلاث جميعها تزعم بأن وضع كوسوفو هو وضع فريد ولا يشكل سابقة، بيد أن هذا القول ساذج إلى حد يفوق الوصف، وبلدان أخرى متنفذة لا تتفق مع ذلك القول بشكل واضح. ومع أن الحكومات الحالية قد تقلق بالنسبة لمشاكل انفصالية، فإن هنالك إمكانيات هائلة بأن تستخدم بعض البلدان سابقة كوسوفو لخلق المتاعب. تستطيع موسكو في يوم من الأيام أن تشير إليها كسابقة لتمزيق وحدة أراضي جورجيا المجاورة عن طريق الاعتراف باستقلال أبخازيا المتصلة بجورجيا أو إقليم جنوب أوسيشيا، أو يمكن للكرملين أن يستخدمها كمبرر في يوم من الأيام لوضع يده على القرم التي يتحدث سكانها اللغة الروسية وأخذها من أوكرانيا الجارة.السوابق الدولية ليست النتائج السلبية الوحيدة المحتملة من خطوة كوسوفو. فبتجاوز مجلس الأمن الدولي بطريقة خبيثة، وبالتالي تجاوز حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا، وبتشجيع إعلان الاستقلال من جانب واحد، فقد ساهمت القوى الغربية في مزيد من تسميم علاقاتها المضطربة أصلاً مع موسكو. فمازال الروس يستشعرون وطأة إقدام دول الناتو على تجاوز مجلس الأمن في عام 1999 عندما هاجموا صربيا وفصلوا كوسوفو عن سيادة بلغراد. والآن، أظهرت الدول الغربية احتقارها مرة أخرى لوجهات نظر روسيا وأوضحت بأنها لا تحترم صلاحيات مجلس الأمن إلا إذا كان الأمر مناسباً لها.وقد تكون المغامرة في مزيد من التوتر مع موسكو مبرراً لو كان الأمر يتعلق بقضية مهمة، ولكن أن تفعل الدول الغربية ذلك في موضوع جانبي يتعلق بالوضع السياسي لكيانٍ بلقاني بالغ الصغر فإنه أمر أكثر حماقة.أخيراً، فإن منح كوسوفو الاستقلال لن يجلب مزيداً من الاستقرار إلى البلقان كما تتوقع الولايات المتحدة وحلفاؤها. إنه بلا شك سيؤدي إلى نتيجة عكسية. من المحتمل أن يكون بداية لإساءات إضافية ضد سكان كوسوفو الباقين من غير الألبان. فإبان حرب 1999 وما تبعها، طُرد من الإقليم أكثر من 240000 شخص، معظمهم من الصرب، ولكن أيضاً من الغجر، والبلغار، واليهود وغيرهم من الجماعات. لقد تم ذلك التطهير العرقي على نطاق واسع تحت أنظار حلف الأطلسي ولم يفعل الحلف شيئاً لوقفه، أو إلى التخفيف من نتائجه. وبالإضافة إلى التطهير العرقي الأولي، فقد فشلت حكومة كوسوفو وحلف الناتو في وقف أعمال العنف الموجهة ضد البقية الباقية من غير الألبان، أو التدمير المنهجي للكنائس المسيحية وللمواقع الصربية التاريخية.استقلال كوسوفو سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. والحقيقة الواضحة هي أنها ستكون ببساطة مجرد وقت قبل أن يتم طرد جميع السكّان من غير الألبان من الإقليم. وإذا كان حلف الناتو غير راغب أو غير قادر على منع التطهير العرقي عندما كان يحتل كوسوفو بآلاف الجنود، فإنه بكل تأكيد سوف يكون عاجزاً عن منع فظائع أخرى عندما تكون تلك القوات قد انسحبت. إن الحديث عن احترام برشتينا لحقوق الأقليات الإثنية هو مجرد بلاغة ديبلوماسية لحفظ ماء الوجه.وليس ما ذكرنا يغطي المشاكل الكاملة التي سوف تتأتى عن استقلال كوسوفو، فليست هناك من دلائل على أن سكّان كوسوفو وغيرهم من دُعاة ألبانيا الكبرى قد تخلوا عن طموحاتهم الإقليمية في البلقان. إن واضعي السياسة الغربيين الذين يعتقدون بأن تثبيت الوضع السياسي النهائي لكوسوفو سوف يُنهي الجهود الألبانية لاسترجاع ما يدّعون في مقدونيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود) وغيرهما من الأراضي، سوف يصابون بخيبة أمل، ذلك لأن استقلال كوسوفو سوف يؤدي فقط إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. إن السياسة التي انتهجتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في ما يتعلق بقضية كوسوفو هي من السوء، لأننا سوف نعيش مع نتائجها السلبية في البلقان وما وراء البلقان لعقود مقبلة. لقد فتحت القوى الغربية بذلك صندوق عجائب من المشاكل.
تيد غالين كاربنترنائب رئيس معهد كيتو لشؤون دراسات الدفاع والسياسة الخارجية، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org