| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |
تحدثت مع نفسي الأسبوع الماضي وخاطبتها بأدبيات الخطاب العقلي الشعوري، واتفقت معها ألا أكتب مقالا في المجال السياسي، خلال شهر نوفمبر، وذلك لاستهلاك عقلي وروحي بنسبة تفوق الاستهلاك الطبيعي، وهناك مجالات من حقها علي أن اكتب فيها كالمجالات المجتمعية والمهاراتية الذاتية والتربوية والحقوقية وغيرها من مجالات، إلا أنها كسرت وتجاوزت جميع القوانين التي تربت عليها وأبت إلا أن اكتب في مجالها المحبب إليها، بل وتمردت واستكبرت واتهمتني بالتهاون والتراخي إن لم اكتب في ما يدور بالساحة السياسية.
فالمتفحّص للإنتاجية السياسية الفكرية خلال السنوات الماضية في دولة الكويت، جبرا وإلزاما عليه يرى المواقف والأحداث بموضوعية وحيادية، وينسلخ من الشخصانية، ويتجرد من المصالح الذاتية، لأنها ذات خاصية جوهرية ملازمة لهذه الإنتاجية في الاتجاه التحليلي لتجديد العقول وبنائها من جديد.
لن أخص حدثا بعينه، سأتكلم بصفة العموم عن الأحداث والمواقف الأخيرة التي مررنا بها، أعجب ممن يعيب على شخص بالتراجع عما قاله من قبل، واتهامه بالتنازل عن مبادئه، واتهام كل من يؤيده ويتوافق معه بالتوجه والفكر بالتبعية، وتناسوا أن من تأصل فكره وفق المحددات العقدية واللغوية والمعرفية، يصعب عليه طعن واتهام غيره بالتذبذب والتردد بمواقفه، فهناك آيات قرآنية نزلت ومن ثم نسخت، فكيف بكلام البشر؟ بل واجب علينا شرعا أن نتراجع ونصحح ونعدل ما قلناه سابقا إن رأينا ما هو أصوب منه.
إن ما يسمى بالربيع العربي لسنا بحاجة إليه في الكويت، لأن ربيعنا الكويتي تربينا عليه منذ ولادتنا، فحرية التعبير عن الرأي ممارسة تراثية، تمارس جهرا، وتوارثتها الأجيال من أزل قديم، وفي عصر التكنولوجيا أصبحت حرية التعبير المكفولة دستوريا تتسع دائرتها إلى أن وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وما عادت حكرا على أشخاص من دون آخرين.
من حقك ومن حقي أن اطرح فكري وأبدي رأيي من دون أن يسفه أحدنا الآخر أو يخونه أو يتهمه بتحريض الآخرين للانقلاب على الحكم، وهذا ما لا يصدقه عاقل، إن ما نراه اليوم من تجمعات ومسيرات ما هو إلا تعبير عن الاعتراض على بعض المراسيم بقوانين، وعلى الانتقائية في تطبيق القانون، ومطالبة صريحة وشفافة بتسييد العدل والمساواة على جميع مكونات المجتمع الكويتي الذي افتقدناه منذ زمن قريب، قلناها مرارا، وتحدثنا تكرارا لن ولم نقبل بغير آل الصباح حكاما.
فالكل يصيح ويحذر من انهيار البلد إن ظل التنازع والتناحر والخلاف بين الحكومة والشعب، وأنا أقول إن العقل الكويتي بدأ بتحديث نفسه وإعادة بنائه بأطر وأساليب معاصرة، على ألا تكون المسيرات ديدنه ومنهجه، فعلاج المشكلات والمطالبة بالحقوق والواجبات، موصول بعدة آليات، ليس فقط النزول للشارع وسير المسيرات، والتصادم مع رجال الأمن والقوات، فهناك قانون ينصف، ومواقع تواصل تعبر فيها عن رأيك، وساحة تمارس فيها إبداعك بحوار فلسفي منطقي راق مقيد بقواعد الشرع والدستور.
هناك عقول تافهة جاهلة لا تسمع ولا تعي، تتبع هواها ومصالحها وتتجه نحو الانجاز الحفري التفكيكي لمجتمع متماسك متواصل متراحم، سجل التاريخ صفحات لمواقف رجالاته، فالكلام يقرأ والحديث يُسمع، نرجو أن يقرأ كلامنا بعقول رشيدة ونفوس زكية حتى يفهم المراد منه وبلورته لسلوك سوي، ومن يحدثنا أرجو أن ينصت لحديثنا بعقله قبل جوارحه، ويسعى جاهدا لإسقاط حديثنا على أرض الواقع بممارسات عقلانية متوازنة، حتى نشّكل ونبني نفوسا بمعرفة فلسفية إسلامية إصلاحية بخطابها المأصول والمنقول في المشروع النهضوي.
 
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib