تتعرض البلاد منذ وقت ليس بالقليل إلى موجة غلاء لا تخطؤها العين تحت مرأى ومسمع الحكومة ومؤسسات حماية المستهلك. أصبح الجميع يشعر بأن الأسعار باتت في ازدياد مطرد من دون وجود مبرر واضح. أما حال العقار فحدِّث ولا حرج، إذ وصلت أسعار الأراضي السكنية (وليس التجارية فقط) إلى معدلات خيالية تنافس مدينة مانهاتن في نيويورك.المسؤولون في إدارة حماية المستهلك بوزارة التجارة لم يقوموا بما يستحقون عليه الثناء، فهم ينظرون إلى مشكلة ارتفاع الأسعار وكأن الأمر لا يعنيهم. أما وزارة الشؤون الاجتماعية التي شكلت لجنة لدراسة أسعار السلع الاستهلاكية في الجمعيات التعاونية ومقارنتها مع باقي الأسواق المركزية، فقد توصلت إلى حقيقة أن أسعار الجمعيات التعاونية أغلى من غيرها ثم سكتت؟ ونحن بدورنا نشكرهم على هذه النتيجة التي ربما لم يكن من الممكن التوصل إليها من دون لجنتهم الموقرة! هذه النتيجة لا شك أنها لن تحسب لصالح وزارة الشؤون التي علمت بها ولم تحرك ساكناً، كما أنها لن تحسب لصالح الجمعيات التعاونية التي نسيت دورها الأساسي في حماية المستهلك، وأصبحت تسلك سلوك التاجر الذي يهدف إلى الربح على حساب الاستقرار الاجتماعي.لعل عدم اكتراث الحكومة لمعاناة المواطن المعيشية ناتج من أسباب عدة، أهمها أن الحكومة كانت ومازالت نخبوية. فأعضاء الحكومة في الغالب الأعم جاءوا من طبقة اقتصادية مرتفعة الدخل، بل إن بعضهم يمثلون عوائل معروفة في عالم الأعمال أو في أقل الأحوال تم ترشيحهم للوزارة من تلك الأوساط النخبوية. هؤلاء الوزراء يقومون بتعيين وكلاء ومدراء من المحيط البعيد نفسه إلى حد كبير عن معاناة المواطن المعيشية، وكلما تعالت صيحات أولئك المواطنين بسبب التضخم المنفلت الذي أتى على دخولهم المتواضعة وجدت لسان حال وزراء النخبة ومن حولهم يقول: «لماذا لا يأكل الناس البسكويت»؟أما مجلس الأمة الذي يفترض فيه أن يمثل آمال وآلام المواطنين الذين انتخبوه، فأعضاؤه منشغلون باستجوابات لا معنى لأكثرها سوى تسجيل أكبر عدد من النقاط في مرمى الحكومة وعيونهم على الانتخابات المقبلة.إن أعضاء مجلس الأمة مطالبون اليوم بتأجيل صراعاتهم السياسية مع الحكومة، والالتفات إلى معاناة المواطنين الذين انتخبوهم أعضاء في هذا المجلس. كما أنهم مطالبون بتفعيل دورهم الرقابي والتشريعي للجم موجة التضخم الاقتصادي، خصوصاً في قطاعي السلع الاستهلاكية والعقارات السكنية لكي تعود الأمور إلى سياقها الطبيعي ويستطيع المواطن الكويتي الوفاء بالتزاماته الحياتية من دون معاناة، خصوصاً وأنه يعيش على أرض حباها الله بالكثير من الخيرات.

د. أحمد الذايدي

كاتب وأستاذ جامعي كويتيalthaidi@hotmail.com