كما كان متوقعاً، ومنذ أن بدأت أحوال موظفي الدولة في التحسن بعد موجة الكوادر التي غطت أعداداً منهم، من غير أن تشمل «كل» الموظفين، وهذه قضية خطيرة أخرى؛ بدأ التجار في «اكتشاف» أن أسعار السلع بدأت ترتفع من المصدر! وبالتالي، وبعد ارتفاع الرواتب مباشرة، «اكتشفوا» أنهم يجب أن يجاروا ارتفاع الأسعار الخارجية برفعها على المواطن البسيط!التجار لديهم «مبدأ» وهو: كم تستطيع أن تدفع، أيها المشتري، ثمناً لهذه السلعة؟ وليس: كم تستحق هذه السلعة من ثمن! بمعنى أن ارتفاع مستوى الدخول رفع من «طموحات» التجار رفعاً متناسباً تناسباً طردياً مقابلاً لارتفاع مستوى الدخول، فأسعار المواد الاستهلاكية كلها ارتفعت، وأسعار مصاريف المدارس الخاصة، وكل شيء، تقريباً، محلياً كان أو مستورداً.ما هي السلع والخدمات التي لم تتغير أسعارها في هذا الخضم، أو حتى انخفضت أسعارها؟ باختصار هي السلع التي توجد أجواء تنافسية حقيقية بين الذين يقدمونها أو ينتجونها للمستهلك، وذلك مثل أسعار خدمات الاتصالات غير السلكية، واشتراكات الإنترنت، وأسعار تذاكر الطيران. فهذه الخدمات لا يتمكن مقدموها من رفع أسعارها بسبب انتشار أجواء التنافس الشديد بين مقدميها للجمهور، وأجواء عدم الاحتكار. فوجود التنافس، ومنع الاحتكار، أديا إلى تثبيت أسعار هذا النوع من الخدمات، لدرجة انخفاض أسعارها أيضاً، مثل اشتراكات الـ»DSL» التي انخفضت، ولم تثبت أسعارها، وكذلك تذاكر الطيران، بعد تزايد الشركات المحلية والدولية المتنافسة في هذه المجالات.حل المشكلة التي يعاني منها الكويتيون اليوم، يتمثل، في جانب كبير منه، في نشر أجواء التنافس الشديد في السوق عموماً، قولوا للتاجر: هل تريد بيع قطعة الحلوى بدينار؟ إفعل ما تشاء، ولكننا سنفتح التنافس على أشده، ومن يريد المبالغة في أسعاره، فليستعد لرمي بضاعته في سلة المهملات بعد حين بسبب عزوف الجمهور عنه بسبب توافر السلع الأرخص، إلى جانب سلعتك المبالغ في سعرها!امنعوا «الانتقائية» في «منح» تراخيص المدارس الخاصة، والجامعات الخاصة، لكي تنزل أسعارها من غير ضغوط حكومية محددة، هذا إذا كانت الحكومة ليست «شريكة» لبعض أولئك الأشخاص المقربين الذين تُمنَح لهم، وحدهم، التراخيص! نحن لنا الظاهر، فهناك انتقائية في منح تراخيص المدارس الخاصة، والجامعات الخاصة، وهذه الانتقائية...يجب أن يكون لها مغزى تنفيعي محدد...أليس كذلك؟أنواع النشاط التجاري كلها، يجب فتحها لمن يريد الدخول فيها، وهذه هي الطريقة المثلى لكبح جماح الأسعار، بدليل ملاحظة واقع الخدمات التي يجعلها التنافس الحر رخيصة للمستهلك، عكس الخدمات الأخرى التي ترتفع أسعارها بسبب سياسة الاحتكار التنفيعية البغيضة الضارة بعموم الشعب، من أجل تنفيع محتكري تلك الخدمات والسلع من فئة غير المغضوب عليهم! نتمنى أن يقر النواب مثل هكذا أفكار، إذا كانت مصالح النواب متوافقة مع مصالح الشعب! كما نتمنى ألا تقف الحكومة ضد هذه المطالب الشعبية إذا كانت هي الأخرى مائلة ناحية... المواطن!
د. جلال محمد آل رشيد
كاتب وأكاديمي كويتيdr_j_alrasheid@hotmail.com