| بقلم عبدالرحمن الناهي |
يطلق على العرب قبل الاسلام بعرب الجاهلية ولكن ماهو مدلول وصحة تلك الكلمة القاسية في حق عصر ماقبل الإسلام هل هم بالفعل أناس جهلة **لايفقهون شيئا ولا يميزون بين الغث والسمين ويسيرون على البركة دون أن يسيرهم عقل ويردعهم وازع أخلاقي ؟لاشك أن أهل الجاهلية كانت فيهم من الجهل والأفعال السيئة ما يمجها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن مع ذلك كانت فيهم من القيم و الأخلاق الفاضلة ما يدهش الإنسان ويفضى بها إلى العجب، فمن تلك الأخلاق الكرم والوفاء بالعهد واحترام الجار وعزة النفس والحلم والإناة والصدق وكل تلك الأمور تنفي عنهم صفة الجهل إذا أضفنا إليها الحضارات التي تكونت قبل الإسلام فقد كانت في اليمن حضارة كهندسة القصور وإرواء الأرض وبعض الفنون التي اكتسبوها من الحبشة والفرس واللتين كانتا على صلة وتواصل في ما بينهما وكذلك عرب الحيرة والشام فقد شيدوا القصور وأسسوا الدولة الإدارية وأتقنوا طرق الري لإصلاح الأراضي الزراعية وغيرها من الأمور كالطبابة وشؤون الحرب وقد اكتسبوا تلك الحضارة عن علاقتهم بالفرس والروم واليونان، أما عرب وسط الجزيرة لم يكن لهم علاقة مباشرة بدول الحضارة كالفرس والروم والحبشة وإنما عن طريق التجارة كرحلتي الشتاء والصيف وغيرها ومع ذلك فقد امتازوا بالفراسة والطب بالأعشاب والكي وعلم النجوم والأنساب والكهانة والعرافة، كذلك الحكمة والبلاغة عند عرب الجاهلية تلك اللغة التي وصلتنا بما تحمله في طياتها من أمثال وتجارب وحكم وشعر وأدب.
ويظل الشعر الجاهلي ثرياً، لا يمكن أنْ تحيط به دراسة، وينطوي الشعر الجاهلي على معضلات تعترض القارئ، إذ يلتقي بنصوص أدبية، فيها قدر من الصعوبة والغموض، وتشتمل على قدر من الخصائص الفنية والجمالية التي لها أهميتها وقيمتها وهذا يدل على عبقرية فذة لايرقى اليها عقل جاهل وها انت ترى الجامعات والمدارس الآن يدرسوا أدب الجاهلية كالمعلقات العشر وغيره من أشعار الحكمة والفلسفة والوصف والخيال ويكفيك هذا البيت في الوصف لأمرؤ القيس حيث يقول:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً
كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ 
فالمطابقة في الاقبال والادبار ولكنه لما قال (معا) زادها تكميلا فإن المراد بها قرب الحركة وسرعتها في حالتي الإقبال والإدبار وحالة الكر والفر فلو ترك المطابقة مجردة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الوقع الحسن في النفس وها يدل على روعة التصوير في العصر الجاهلي.
ويصفها بعض العلماء بالإعجاز حيث استمعت في إحدى حلقات عالم الاحياء نور الدمرداش بأن الخيل عندما تكر ترى أيديها مقبلة ورجليها مدبرة وهذا مايثير العجب ان يكتشفها شاعر جاهلي ويفسرها عالم معاصرولايقف الشعر الجاهلي عند هذا البيت فقط وإنما هناك الكثير الكثير من الحكمة والابداع الذي لم يصل إليه شعراء العصور المتقدمة فهل من العدل أن نطلق على عصر ماقبل الإسلام بالجاهلية؟
اذا فكلمة الجاهلية لاتعني انهم جهلاء علم بل هم جهلاء دين لعبادتهم الاصنام فالدين هو العلم وما سواه هو الجهل حسب المصطلح الإسلامي الذي اطلق من هذا المبدأ والله أعلم