إعداد: سعود الديحاني
للكتب قصص وحكايات مع عشاقها نحن اليوم نتطرق مع الاستاذ مهنا حمد المهنا الذي بدأت علاقته معها في سن مبكرة من عمره فيحدثنا عن أوائل الكتب التي اغتناها ثم طريقته بجمعها والمراحل التي مر بها معها، ثم نتطرق الى اتجاهه نحو مجال وعلم تحقيق المخطوطات فلنترك له ذلك:
كانت ولادتي في خيطان بالبيوت القديمة التي هدمت في يوم الاثنين 23 / 9/ 1963م والولادة كانت في مستشفى الصباح لكن بيتنا في منطقة خيطان ودخلت الروضة 1967 واذكر أن من اوائل الكتب التي قرأتها وانا في اولى ابتدائي وهو كتاب «حلم ليلة صيف» «وليم شكسبير» وكانت تلك الفترة بها القصص ميسرة ومبسطة ومتوافرة في المكتبات «القرطاسية»، وقد عرفت اسم شكسبير من ذلك الوقت، وكان عمي يدرس بالجامعة وهي جامعة بيروت ثم التحق بجامعة الكويت وتخرج 1974 وكانت هناك عادة جميلة بجامعة الكويت ان الطالب الذي يدرس بها يعطى خزانة مكتبية وبها إهداءات من الكتب وكنت اطلع على هذه الكتب المتوافرة كما كان يأتي بمجلة العربي، وعمي ابوناصر به ميزة جميلة وهي اذا خرجنا للبر او اجتمعنا كان يقوم بعمل مسابقة ويسألنا ما عاصمة البرازيل او اي دولة من الدول الاوروبية؟ فهو دائماً يسأل ونحن نجيب والخزانة المكتبية بها كتب كثيرة، فأذكر من الكتب التي اعطوها - كتاب عن الحضارات القديمة واظن انه حق المؤرخ الاميركي وكان اسمه بريستيد فكنت افاجأ بقراءتي لهؤلاء العلماء او الشخصيات التاريخية اصحاب هذه الكتب، واذكر انني اشتريت رحلات غلفر الرحلات السبع «بلاد الاقزام» «والخيول والعمالقة» من مكتبة الفروانية وذلك منذ 1972 كان عمري لا يتجاوز التسع سنوات، ثم اتخذت طريقة بأن اجمع صورا للمشاهير وأضعها في كشاكيل وهي صور العلماء المكتشفين.
الحرص
ثم اخذت اجمع الكتب التي تصدر عن المكتبة الخضراء للكيلاني «عقلة الاصبع والاخوات السبع، بيضاء كالثلج» وغيرها من اصدارات هذه المكتبة وفي سنة 1973 في عطلة الربيع ونحن عائدون الى بيتنا من المطلاع الى خيطان مررنا انا ووالدي على مكتبة في خيطان فرأيت للمرة الاولى بها كتب وقصص «المغامرون الخمسة» التي كانت تدور حول الالغاز وهي تحدد وتختبر الذكاء ومن ذلك الوقت عرفت كتب الالغاز للكاتب العظيم الذي لم يأخذ حقه وهو محمود سالم الذي بدأ بهذه السلسلة وقامت باصدارها له دار المعارف وهي سلسلة «المغامرون الخمسة» (تختخ، ومحب، نوسة، لوزة) ثم قرأت كتابا جميلا للدكتور مصطفى محمود «حوار مع صديق ملحد» وهذا الكتاب هو الذي ركز العقيدة في قلبي وبعد ذلك اشتريت كتابا، لصالح جودة، عن جمال عبدالناصر يحكي عن حياته وهو مزود بالصور.
المعرض
ثم عرفت ان هناك معرضاً للكتب سنة 1977 - 1978 وذهبت لهذا المعرض واشتريت الموسوعة الكويتية المختصرة لحمد سعيدان في اولى طبعتها سنة 1970، ولاتزال عندي وكذلك اشتريت كتابا له «العالم حقائق وارقام»، وذهبت ذات مرة الى السينما الحمراء واشتريت كتابا لعبدالوهاب النجار وهو «قصص الانبياء» ولا يزال عندي ثم بدأت مرحلة اخرى وهي انني اشتري الكتب بكثرة ومن اوائل الكتب التي اشتريتها «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية وهي خمسة مجلدات تقديم مفتى الديار المصرية الشيخ حسين مخلوف، ثم كتاب «مروج الذهب» للمسعودي وكتاب «البداية والنهاية» لابن كثير «ورجال حول الرسول» لخالد محمد خالد وهذه هي نواة مكتبتي وتفسير ابن كثير كذلك ثم صار الشراء بكميات كثيرة من الكتب لانني كنت في الجامعة ولم ادخلها الا وانا قارئ تاريخ الطبري وابن كثير والمصادر الاسلامية الاولى.
التأسيس
وسنة 1979 قررت ان اسس وانشئ مكتبة خاصة بي حتى انني كنت اضع الكتب في خزائن ملابسي التي كنت اضع ملابسي بها ثم اشتريت خزانة خاصة للكتب وحين امتلأت اشتريت خزائن اخرى حتى تحتوي كل ما اجمع من كتب ثم تعرفت على الدكتور محمد الصالحية، حيث درست في الجامعة سنة 1985، وارشدني على الاهتمام بالمخطوطات وعمل دورة خاصة لذلك، وهي عن المخطوطات وكيفية قراءتها ولكنها توقفت وكنت ازوره في البيت وارى عنده الكتب القيمة واتعجب من ذلك لانني كنت اقرأها في المراجع ورأيت عنده طبعات قديمة وكتبا نفيسة وفي الجامعة كنت اقضي وقت الفراغ بمكتبة الجامعة وارى بها الكتب النادرة القيمة ورأيت بها كتب دار المعارف وهي لفؤاد البستاني ولم يكملها.
الجمع
هواية جمع الكتب، كل ما تبدأ بفن وعلوم تدخل الى علوم اخرى، انا اول ما بدأت بكتب التاريخ والفقه والحديث وهي فتحت امامي ابوابا اخرى لان التراث العربي كما يقول الدكتور الطناحي التراث العربي كله واحد وعلومه متصلة ببعضها.
تيمور
بعض المؤلفين المكثرين للكتب جعلت لهم مكتبات خاصة عندي ومنهم احمد تيمور باشا فلقد احببته من كثرة ثناء الناس عليه فهو رجل محب لدينه وهو من اسرة وجيهة ترجع اصولها للاكراد وكان يعيل عشرات الاسر ولا احد يعرف عنه شيئا وقد جمعت كل كتبه من خلال الاستاذ محمد منير عبداللطيف اطال الله في عمره ويحسن خاتمته وهو خير من يعرف الكتب ويعرف الطبعات جيداً وهو صاحب مكتبة الملك فيصل الاسلامية في شارع الهرم وقد حصلت على الطبعات الاولى التي قامت بنشرها لجنة نشر المؤلفات التيمورية فهي نشرت جميع كتب احمد تيمور باشا.
وأحمد تيمور علامة في اللغة العربية وكان يجيد اللغتين الفرنسية والتركية وقال العلامة طاهر الجزائري علامة الشام لما ارسل لمحمد علي كرد رئيس المجمع وقال له اننا في عصرنا هذا لا يستطيع احد ان يحقق المحكم لابن سيدة الا احمد تيمور باشا وكانت مكتبة احمد تيمور من اعظم المكتبات في المخطوطات.
الذهاب
أذكر ان سنة 1992 ذهبنا الى مصر عن طريق مركز عملي وهو المجلس الوطني للثقافة والفنون وكان نائب رئيس هيئة الكتاب او دار الكتب المصرية علي محسن ولما تحدثت معه عن احمد تيمور قال لنا سوف اطلعكم على مكتبته الخاصة الموجودة عندنا في دار الكتب ثم وجه الخطاب نحوي وقال اين انت؟ ياعاشق تيمور... تعال فدخلت ورأيتها ورأيت خطه على كتبه وقبلت خطه... وكانت مكتبته عظيمة رحمه الله وهي من اوسع المكتبات التي كانت تحتوي على كتب بن طولون نفسه وبخطه... وقد رأيت تعليقاته على الكتب وقبل فترة بسيطة اتممت جمع كل كتبه لأنني كان ينقصني كتابان وحصلت عليها بعد سنين وانا ابحث عنها ومعرفتي بأحمد تيمور انني كلما اقرأ كتبا محققة ارى العوز الى «المكتبة التيمورية» رقم كذا... وهو رحمه الله استل من تعليقاته على الكتب كتبا اخرى منها التذكرة التيمورية وهذا من اعظم الكتب ولما قرأت سيرته تعجبت اكثر واكثر منه لقد كان متدينا ومخلصا وصبورا على العلم.
العدد
مكتبتي تحتوي على اكثر من 40 ألف كتاب والقراءة تختلف اوقاتها انا كنت اقرأ اكثر من ثماني ساعات يومياً وهذا قبل الزواج واليوم ساعتين على اقل قراءة اذكر انني كنت اقرأ من الساعة الثانية عشرة حتى اذهب الى الجامع او العمل وانا لا أقرأ وانا شبعان لان عمرو بن العاص رضي الله عنه كان يقول «البطنة تذهب الفطنة».
الطناحي
هناك حكاية للدكتور محمود الطناحي رحمه الله نقلت اليّ وسمعتها منه يقول كنت اجمع مالاً انا وزوجتي لكي نؤثث بيت الزوجية فجمعنا معا (60 جنيها) وهو مبلغ كبير في تلك الايام وذهبت انا معها لكي نشتري لوازم الشقة بوتغاز وبعض الاجهزة الكهربائية المهمة ونزلنا السوق ومرورنا في الحسين وكانت دار المعارف قد عملت معرضاً مصغراً في خيمة وحين مرورنا على هذه الخيمة قلت لزوجتي ممكن ان ادخل لكي اتفرج فقط فلم تمانع في ذلك وكان ذلك المبلغ الذي جمعناه معي وحين دخولي رأيت كتاب لسان العرب طبعة ليبيا وكانت طبعة جميلة ومميزة واخذت جولة في المعرض ثم خرجت فقلت لزوجتي طبعة ليبيا «لسان العرب» هي طبعة فاخرة وسعرها 60 جنيها المبلغ الذي معنا فردت عليّ اشتره والله يعوضنا خيراً لا تجعلها في نفسك سوف يعوضنا الله خيرا ومحمود الطناحي من أعلم الناس بالكتب.
الجولة
كنا قبل افتتاح المعرض اذهب انا وبعض الاخوة ممن يهتمون بجمع الكتب ونلقي نظرة على ما هو متوافر ومعروض، حتى اذا تم فتح المعرض نكون قد عرفنا ما نريده منه وهذا كل سنة، هذا امر معتاد لنا ونحن نسارع حتى لا ينفد الكتاب ويتسنى لنا شراؤه... وهناك مقولة تقال ان الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق وعلى هذه المقولة ذكر لي احد الاخوه انه في احدى السنوات في معرض الكتاب في العراق انه في اول يوم للمعرض عند الساعة الواحدة ظهراً لم يبق كتاب واحد فيه وانا لم يمر عليّ مثل هذا الحدث جميع الكتب بيعت.
الأول
رأيت اول كتاب تم طبعه في مصر قبل 200 سنة وهو قانون الصباغة، طبع في المطبعة الاميرية «بولاق» وهو كيفية الصباغة، وبولاق هي المطبعة الحكومية المصرية وهذا موجود في «معجم المطبوعات المصرية والعربية» لطالع سركيس.
العزاء
العلامة القفطي أقام عزاء في فقد كتاب له بمنزله وكان وزيراً والشيخ حمد الجاسر كان ولده الكبير يدرس في أميركا فسقطت به الطائرة واحترقت ولما سأله الصحافي قال مكتبتي التي كانت في بيروت لما احترقت حسرتها في نفسي اكثر من موت ولدي وهي احترقت في الحرب اللبنانية وقد سبقه في هذه الكلمة الكناني الامير صاحب كتاب الاعتبار لان زلزالاً وقع في بلده وقضى على أهله كلهم وكان يقول كتبي التي سرقت حسرتها كانت اكثر في قلبي.
المخطوط
المخطوط وهو كل كتاب كتب بخط اليد ولم يطبع، وفي علم التحقيق الكتاب الذي يسبق عصر الطباعة وهو امر نسبي فالكتاب الذي هو مكتوب في القرن الثامن عشر هو بالنسبة لنا مخطوط لان الطباعة لم تتيسر عندنا «نحن المسلمون» الا بعد هذا القرن لكن في اوروبا كانت قبل هذا القرن... في موريتانيا الى السبعينات وهم يقرؤون في المخطوط والتحقيق اول من وضع على الكتاب اسم تحقيق في العالم العربي احمد زكي باشا شيخ العروبة.
التراث
والتراث العربي هو كل ما كتبه العرب او المسلمون من كتب حتى التراث المكتوب بغير العربي ما دام كتبه المسلمون فهو تراث عربي فالتراث العربي كل العلوم التي ورثتها لنا العرب او المسلمون من حياتهم وحضارتهم حتى سقوط الدولة الاسلامية 1920 وقد قالوا هو تراث من كان في ظل الحضارة الاسلامية.
أوروبا
وفي اوروبا التحقيق اسبق منا لكن علم التحقيق ومقارنة بين النسخ ومحاولة اصدارها واظهارها كما كتبها مؤلفوها عرفها المسلمون في القرن الأول والثاني الهجريين وهو علم قديم كان معروفاً عندهم مقابلة النسخ والمحدثون يقولون قابلت نسختي ونسخت شيخي وهذا الذي هو المقابلة بين النسخ اساس التحقيق معروفة عند المسلمين وكان البعض يرتحل من مكان الى مكان ليتحقق من لفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم... المستشرقون عندما ظهرت المطبعة في اوروبا بدأوا عندهم تحقيق عندهم النصوص الكلاسيكية وهي النصوص اللاتينية ويونانية عندهم في اوروبا كانت مخطوطة ثم يقارنونها ثم ظهر عندهم علم «الفيلولوجيا» وهو علم فقه اللغة وهو اللفظ المراد به في ذلك العصر ثم توجهوا الى التراث الاسلامي وعلومه وتحقيقها.
الكتابة
ومجلة المجتمع طلبوا مني ان اتكلم عن البوسنة والهرسك ايام احداثها عن دخول الاسلام فيها فكتبت هذا البحث وقبله كان هناك مقال في الانباء «نحن والحضارة العربية» وعندما اخذ نجيب محفوظ جائزة نوبل كتبت انه في اولاد حارتنا استهزأ بالاديان ونشرتها القبس حتى انني اذكر مقالي كان بجانب مقال محمد الغزالي رحمه الله لكن الذي حببني في التحقيق الدكتور محمد صالحية لانه صار بيننا صداقة يوم كنت في الجامعة وقال عندي رسالة اود ان تنشرها وكانت لابن طولون وانا كنت مصوراً رسالة لكي احققها وهي ذكر من اشتهر من الاعيان في كنيته للذهبي لكن بعد اتمامها نشرها الدكتور جاسم الفهيد فوقفت بعدها حققت الرسالة التي اشار إليها الدكتور الصالحية وهي «إنباء الامراء بأنباء الوزراء» لابن طولون وكانت نسخة وحيدة وخط المؤلف صعب لكن اخذت اعمل بتحقيقها وقبلها حققت الزهور المقتطفة في تاريخ مكة المشرفة للفاسي ثم اسماء المكنين من رجال الصحيحين لابن هارون المغربي وهي جاهزة ثم العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الطولونية لابن طولون وهناك كتب اخرى تحقيق وتأليف.
القارئ
وقارئ الكتاب تنشأ بينه وبين الكتاب علاقة وجدانية ومحبة وخوف على الكتاب واذكر ان الاخ النائب السابق مبارك الدويلة ارسل لي بشرى وانا في السعودية ايام الغزو وقال «بشروا مهنا ان مكتبته سليمة ولم تصب بأذى خلال الغزو».
الخير
الكتاب خير صديق لان به افكار وهذه الافكار افكار رجال من اكرم وانبل رجال العصور فهم من خلال الكتاب يعرضون افكارهم وشخصياتهم ومشاعرهم ومعلوماتهم فالقارئ يتقبل منهم او يرد ذلك ولا هناك الزام بالرأي لان الصديق قد يلزمك برأيه ويجادلك ويزعجك اما الكتاب فليس فيه هذه الامور، يعرض افكاره وانت لك الحرية في الارادة والخيار... والشيء الاخر انك من خلال قراءتك تأخذ تجارب البشر سواء الفكرية او العاطفية او مامر عليهم من خلال حياتهم فهم يقدمون لك خلاصة تجاربهم وهذه الخصال لا تتوافر عند كل صديق، لانك قد تجد الصديق وقد تبعده عنك مشاغل الحياة المتعددة والكثيرة وان وجد الصديق قد لا يسعفك وقته كي تجلس معه وتستفيد منه، اما الكتاب فهو في كل وقت متوافر لديك... الامر الثالث ان الكتاب ينقلك من الجو المحيط الذي انت موجود به الى آفاق واجواء اخرى وكذلك عوالم فقد تقرأ كتابا مكتوبا من الف عام قد يكون الكتاب لأرسطو او غيره او الف سنة للطبري فأنت من خلال قراءتك تنتقل لتلك الازمنة التي لم تعشها فالانسان محصور بالزمان والمكان... والكتاب ينقلك لتلك الازمنة فترى عادات الشعوب وحياتهم وعواطف جميلة او قبيحة بها الحب والكره والتضحية والكرم والشجاعة.
الطرائف
أحلى قصة قرأتها في حياتي بعيداً عن الناس والبعض ترجمها بعيداً عن ضجيج الناس والبعض عن صخب الناس وهي «لتومس هاردي» وهو اديب انكليزي وهذا الكتاب فقدته سنة 1987، وبحثت عنه ولم اجده وسنة 2000 ذهبت انا وأهلي الى سويسرا وسكنا فندقا قريبا من البحيرة واذكر وانا عائد الى الفندق دخلت مكتبة بها بائع مصري فرأيته بها فقلت له اعطني هذا الكتاب فقدته في الكويت ووجدته في سويسرا... وكانت هناك مكتبة في شارع السور القريب من وزارة الاعلام وكنت مخصصا جزءا من راتبي للكتب وبعض الاوقات يذهب الراتب كله في شراء الكتب وقد آخذ من الوالد مالاً من اجل شراء الكتب دخلت هذه المكتبة فوجدت بها الطبعات التي افضلها لمعجم البلدان وتاريخ الطبري وكلها طبعات اوروبية وكان باقيا على المعاش يومان فانتظرت نزول الراتب وبعد نزوله ذهبت الى تلك المكتبة واذ هي مغلقة وهذا من حسرات قلبي وتأسفت على فوات شراء تلك الكتب واذكر انني كنت في معرض الكتاب سنة 1992 وكان معي الاخ براك الشايجي وكنت اتصفح الكتب فسقط عليّ احد الكتب الضخمة من «الاستاند» وجرح اذني ونزف منها الدم وعلى كتفي وكنت جالسا اتصفح الكتب وشعرت بثقل على كتفي ولم أع هذا الموقف وما حصل حتى نبهني الاخ براك لما حدث وقال: الدم وانا من اندماجي في القراءة لم اشعر بما حصل لان الكتاب الذي سقط عليّ كان ضخماً من كتب القانون... وكنت ابحث عن احد الكتب «تغيير التاريخ لمحمد صديقي» مدة طويلة فلما وجدته سجدت لله شكراً وكان المكان ضيقاً جداً لكن فرحتي بهذا الكتاب جعلتني أسجد لله وبعض الاحيان انذر نذراً اذا كنت ابحث عن كتاب واجده «اقول عليّ كذا اذا وجدت الكتاب الذي ابحث عنه» الكتب لها فرحة عنده محبيها وهناك مقولة تقول «الغبي الذي يعير كتاباً والأغبى منه الذي يرده».
للكتب قصص وحكايات مع عشاقها نحن اليوم نتطرق مع الاستاذ مهنا حمد المهنا الذي بدأت علاقته معها في سن مبكرة من عمره فيحدثنا عن أوائل الكتب التي اغتناها ثم طريقته بجمعها والمراحل التي مر بها معها، ثم نتطرق الى اتجاهه نحو مجال وعلم تحقيق المخطوطات فلنترك له ذلك:
كانت ولادتي في خيطان بالبيوت القديمة التي هدمت في يوم الاثنين 23 / 9/ 1963م والولادة كانت في مستشفى الصباح لكن بيتنا في منطقة خيطان ودخلت الروضة 1967 واذكر أن من اوائل الكتب التي قرأتها وانا في اولى ابتدائي وهو كتاب «حلم ليلة صيف» «وليم شكسبير» وكانت تلك الفترة بها القصص ميسرة ومبسطة ومتوافرة في المكتبات «القرطاسية»، وقد عرفت اسم شكسبير من ذلك الوقت، وكان عمي يدرس بالجامعة وهي جامعة بيروت ثم التحق بجامعة الكويت وتخرج 1974 وكانت هناك عادة جميلة بجامعة الكويت ان الطالب الذي يدرس بها يعطى خزانة مكتبية وبها إهداءات من الكتب وكنت اطلع على هذه الكتب المتوافرة كما كان يأتي بمجلة العربي، وعمي ابوناصر به ميزة جميلة وهي اذا خرجنا للبر او اجتمعنا كان يقوم بعمل مسابقة ويسألنا ما عاصمة البرازيل او اي دولة من الدول الاوروبية؟ فهو دائماً يسأل ونحن نجيب والخزانة المكتبية بها كتب كثيرة، فأذكر من الكتب التي اعطوها - كتاب عن الحضارات القديمة واظن انه حق المؤرخ الاميركي وكان اسمه بريستيد فكنت افاجأ بقراءتي لهؤلاء العلماء او الشخصيات التاريخية اصحاب هذه الكتب، واذكر انني اشتريت رحلات غلفر الرحلات السبع «بلاد الاقزام» «والخيول والعمالقة» من مكتبة الفروانية وذلك منذ 1972 كان عمري لا يتجاوز التسع سنوات، ثم اتخذت طريقة بأن اجمع صورا للمشاهير وأضعها في كشاكيل وهي صور العلماء المكتشفين.
الحرص
ثم اخذت اجمع الكتب التي تصدر عن المكتبة الخضراء للكيلاني «عقلة الاصبع والاخوات السبع، بيضاء كالثلج» وغيرها من اصدارات هذه المكتبة وفي سنة 1973 في عطلة الربيع ونحن عائدون الى بيتنا من المطلاع الى خيطان مررنا انا ووالدي على مكتبة في خيطان فرأيت للمرة الاولى بها كتب وقصص «المغامرون الخمسة» التي كانت تدور حول الالغاز وهي تحدد وتختبر الذكاء ومن ذلك الوقت عرفت كتب الالغاز للكاتب العظيم الذي لم يأخذ حقه وهو محمود سالم الذي بدأ بهذه السلسلة وقامت باصدارها له دار المعارف وهي سلسلة «المغامرون الخمسة» (تختخ، ومحب، نوسة، لوزة) ثم قرأت كتابا جميلا للدكتور مصطفى محمود «حوار مع صديق ملحد» وهذا الكتاب هو الذي ركز العقيدة في قلبي وبعد ذلك اشتريت كتابا، لصالح جودة، عن جمال عبدالناصر يحكي عن حياته وهو مزود بالصور.
المعرض
ثم عرفت ان هناك معرضاً للكتب سنة 1977 - 1978 وذهبت لهذا المعرض واشتريت الموسوعة الكويتية المختصرة لحمد سعيدان في اولى طبعتها سنة 1970، ولاتزال عندي وكذلك اشتريت كتابا له «العالم حقائق وارقام»، وذهبت ذات مرة الى السينما الحمراء واشتريت كتابا لعبدالوهاب النجار وهو «قصص الانبياء» ولا يزال عندي ثم بدأت مرحلة اخرى وهي انني اشتري الكتب بكثرة ومن اوائل الكتب التي اشتريتها «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية وهي خمسة مجلدات تقديم مفتى الديار المصرية الشيخ حسين مخلوف، ثم كتاب «مروج الذهب» للمسعودي وكتاب «البداية والنهاية» لابن كثير «ورجال حول الرسول» لخالد محمد خالد وهذه هي نواة مكتبتي وتفسير ابن كثير كذلك ثم صار الشراء بكميات كثيرة من الكتب لانني كنت في الجامعة ولم ادخلها الا وانا قارئ تاريخ الطبري وابن كثير والمصادر الاسلامية الاولى.
التأسيس
وسنة 1979 قررت ان اسس وانشئ مكتبة خاصة بي حتى انني كنت اضع الكتب في خزائن ملابسي التي كنت اضع ملابسي بها ثم اشتريت خزانة خاصة للكتب وحين امتلأت اشتريت خزائن اخرى حتى تحتوي كل ما اجمع من كتب ثم تعرفت على الدكتور محمد الصالحية، حيث درست في الجامعة سنة 1985، وارشدني على الاهتمام بالمخطوطات وعمل دورة خاصة لذلك، وهي عن المخطوطات وكيفية قراءتها ولكنها توقفت وكنت ازوره في البيت وارى عنده الكتب القيمة واتعجب من ذلك لانني كنت اقرأها في المراجع ورأيت عنده طبعات قديمة وكتبا نفيسة وفي الجامعة كنت اقضي وقت الفراغ بمكتبة الجامعة وارى بها الكتب النادرة القيمة ورأيت بها كتب دار المعارف وهي لفؤاد البستاني ولم يكملها.
الجمع
هواية جمع الكتب، كل ما تبدأ بفن وعلوم تدخل الى علوم اخرى، انا اول ما بدأت بكتب التاريخ والفقه والحديث وهي فتحت امامي ابوابا اخرى لان التراث العربي كما يقول الدكتور الطناحي التراث العربي كله واحد وعلومه متصلة ببعضها.
تيمور
بعض المؤلفين المكثرين للكتب جعلت لهم مكتبات خاصة عندي ومنهم احمد تيمور باشا فلقد احببته من كثرة ثناء الناس عليه فهو رجل محب لدينه وهو من اسرة وجيهة ترجع اصولها للاكراد وكان يعيل عشرات الاسر ولا احد يعرف عنه شيئا وقد جمعت كل كتبه من خلال الاستاذ محمد منير عبداللطيف اطال الله في عمره ويحسن خاتمته وهو خير من يعرف الكتب ويعرف الطبعات جيداً وهو صاحب مكتبة الملك فيصل الاسلامية في شارع الهرم وقد حصلت على الطبعات الاولى التي قامت بنشرها لجنة نشر المؤلفات التيمورية فهي نشرت جميع كتب احمد تيمور باشا.
وأحمد تيمور علامة في اللغة العربية وكان يجيد اللغتين الفرنسية والتركية وقال العلامة طاهر الجزائري علامة الشام لما ارسل لمحمد علي كرد رئيس المجمع وقال له اننا في عصرنا هذا لا يستطيع احد ان يحقق المحكم لابن سيدة الا احمد تيمور باشا وكانت مكتبة احمد تيمور من اعظم المكتبات في المخطوطات.
الذهاب
أذكر ان سنة 1992 ذهبنا الى مصر عن طريق مركز عملي وهو المجلس الوطني للثقافة والفنون وكان نائب رئيس هيئة الكتاب او دار الكتب المصرية علي محسن ولما تحدثت معه عن احمد تيمور قال لنا سوف اطلعكم على مكتبته الخاصة الموجودة عندنا في دار الكتب ثم وجه الخطاب نحوي وقال اين انت؟ ياعاشق تيمور... تعال فدخلت ورأيتها ورأيت خطه على كتبه وقبلت خطه... وكانت مكتبته عظيمة رحمه الله وهي من اوسع المكتبات التي كانت تحتوي على كتب بن طولون نفسه وبخطه... وقد رأيت تعليقاته على الكتب وقبل فترة بسيطة اتممت جمع كل كتبه لأنني كان ينقصني كتابان وحصلت عليها بعد سنين وانا ابحث عنها ومعرفتي بأحمد تيمور انني كلما اقرأ كتبا محققة ارى العوز الى «المكتبة التيمورية» رقم كذا... وهو رحمه الله استل من تعليقاته على الكتب كتبا اخرى منها التذكرة التيمورية وهذا من اعظم الكتب ولما قرأت سيرته تعجبت اكثر واكثر منه لقد كان متدينا ومخلصا وصبورا على العلم.
العدد
مكتبتي تحتوي على اكثر من 40 ألف كتاب والقراءة تختلف اوقاتها انا كنت اقرأ اكثر من ثماني ساعات يومياً وهذا قبل الزواج واليوم ساعتين على اقل قراءة اذكر انني كنت اقرأ من الساعة الثانية عشرة حتى اذهب الى الجامع او العمل وانا لا أقرأ وانا شبعان لان عمرو بن العاص رضي الله عنه كان يقول «البطنة تذهب الفطنة».
الطناحي
هناك حكاية للدكتور محمود الطناحي رحمه الله نقلت اليّ وسمعتها منه يقول كنت اجمع مالاً انا وزوجتي لكي نؤثث بيت الزوجية فجمعنا معا (60 جنيها) وهو مبلغ كبير في تلك الايام وذهبت انا معها لكي نشتري لوازم الشقة بوتغاز وبعض الاجهزة الكهربائية المهمة ونزلنا السوق ومرورنا في الحسين وكانت دار المعارف قد عملت معرضاً مصغراً في خيمة وحين مرورنا على هذه الخيمة قلت لزوجتي ممكن ان ادخل لكي اتفرج فقط فلم تمانع في ذلك وكان ذلك المبلغ الذي جمعناه معي وحين دخولي رأيت كتاب لسان العرب طبعة ليبيا وكانت طبعة جميلة ومميزة واخذت جولة في المعرض ثم خرجت فقلت لزوجتي طبعة ليبيا «لسان العرب» هي طبعة فاخرة وسعرها 60 جنيها المبلغ الذي معنا فردت عليّ اشتره والله يعوضنا خيراً لا تجعلها في نفسك سوف يعوضنا الله خيرا ومحمود الطناحي من أعلم الناس بالكتب.
الجولة
كنا قبل افتتاح المعرض اذهب انا وبعض الاخوة ممن يهتمون بجمع الكتب ونلقي نظرة على ما هو متوافر ومعروض، حتى اذا تم فتح المعرض نكون قد عرفنا ما نريده منه وهذا كل سنة، هذا امر معتاد لنا ونحن نسارع حتى لا ينفد الكتاب ويتسنى لنا شراؤه... وهناك مقولة تقال ان الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق وعلى هذه المقولة ذكر لي احد الاخوه انه في احدى السنوات في معرض الكتاب في العراق انه في اول يوم للمعرض عند الساعة الواحدة ظهراً لم يبق كتاب واحد فيه وانا لم يمر عليّ مثل هذا الحدث جميع الكتب بيعت.
الأول
رأيت اول كتاب تم طبعه في مصر قبل 200 سنة وهو قانون الصباغة، طبع في المطبعة الاميرية «بولاق» وهو كيفية الصباغة، وبولاق هي المطبعة الحكومية المصرية وهذا موجود في «معجم المطبوعات المصرية والعربية» لطالع سركيس.
العزاء
العلامة القفطي أقام عزاء في فقد كتاب له بمنزله وكان وزيراً والشيخ حمد الجاسر كان ولده الكبير يدرس في أميركا فسقطت به الطائرة واحترقت ولما سأله الصحافي قال مكتبتي التي كانت في بيروت لما احترقت حسرتها في نفسي اكثر من موت ولدي وهي احترقت في الحرب اللبنانية وقد سبقه في هذه الكلمة الكناني الامير صاحب كتاب الاعتبار لان زلزالاً وقع في بلده وقضى على أهله كلهم وكان يقول كتبي التي سرقت حسرتها كانت اكثر في قلبي.
المخطوط
المخطوط وهو كل كتاب كتب بخط اليد ولم يطبع، وفي علم التحقيق الكتاب الذي يسبق عصر الطباعة وهو امر نسبي فالكتاب الذي هو مكتوب في القرن الثامن عشر هو بالنسبة لنا مخطوط لان الطباعة لم تتيسر عندنا «نحن المسلمون» الا بعد هذا القرن لكن في اوروبا كانت قبل هذا القرن... في موريتانيا الى السبعينات وهم يقرؤون في المخطوط والتحقيق اول من وضع على الكتاب اسم تحقيق في العالم العربي احمد زكي باشا شيخ العروبة.
التراث
والتراث العربي هو كل ما كتبه العرب او المسلمون من كتب حتى التراث المكتوب بغير العربي ما دام كتبه المسلمون فهو تراث عربي فالتراث العربي كل العلوم التي ورثتها لنا العرب او المسلمون من حياتهم وحضارتهم حتى سقوط الدولة الاسلامية 1920 وقد قالوا هو تراث من كان في ظل الحضارة الاسلامية.
أوروبا
وفي اوروبا التحقيق اسبق منا لكن علم التحقيق ومقارنة بين النسخ ومحاولة اصدارها واظهارها كما كتبها مؤلفوها عرفها المسلمون في القرن الأول والثاني الهجريين وهو علم قديم كان معروفاً عندهم مقابلة النسخ والمحدثون يقولون قابلت نسختي ونسخت شيخي وهذا الذي هو المقابلة بين النسخ اساس التحقيق معروفة عند المسلمين وكان البعض يرتحل من مكان الى مكان ليتحقق من لفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم... المستشرقون عندما ظهرت المطبعة في اوروبا بدأوا عندهم تحقيق عندهم النصوص الكلاسيكية وهي النصوص اللاتينية ويونانية عندهم في اوروبا كانت مخطوطة ثم يقارنونها ثم ظهر عندهم علم «الفيلولوجيا» وهو علم فقه اللغة وهو اللفظ المراد به في ذلك العصر ثم توجهوا الى التراث الاسلامي وعلومه وتحقيقها.
الكتابة
ومجلة المجتمع طلبوا مني ان اتكلم عن البوسنة والهرسك ايام احداثها عن دخول الاسلام فيها فكتبت هذا البحث وقبله كان هناك مقال في الانباء «نحن والحضارة العربية» وعندما اخذ نجيب محفوظ جائزة نوبل كتبت انه في اولاد حارتنا استهزأ بالاديان ونشرتها القبس حتى انني اذكر مقالي كان بجانب مقال محمد الغزالي رحمه الله لكن الذي حببني في التحقيق الدكتور محمد صالحية لانه صار بيننا صداقة يوم كنت في الجامعة وقال عندي رسالة اود ان تنشرها وكانت لابن طولون وانا كنت مصوراً رسالة لكي احققها وهي ذكر من اشتهر من الاعيان في كنيته للذهبي لكن بعد اتمامها نشرها الدكتور جاسم الفهيد فوقفت بعدها حققت الرسالة التي اشار إليها الدكتور الصالحية وهي «إنباء الامراء بأنباء الوزراء» لابن طولون وكانت نسخة وحيدة وخط المؤلف صعب لكن اخذت اعمل بتحقيقها وقبلها حققت الزهور المقتطفة في تاريخ مكة المشرفة للفاسي ثم اسماء المكنين من رجال الصحيحين لابن هارون المغربي وهي جاهزة ثم العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الطولونية لابن طولون وهناك كتب اخرى تحقيق وتأليف.
القارئ
وقارئ الكتاب تنشأ بينه وبين الكتاب علاقة وجدانية ومحبة وخوف على الكتاب واذكر ان الاخ النائب السابق مبارك الدويلة ارسل لي بشرى وانا في السعودية ايام الغزو وقال «بشروا مهنا ان مكتبته سليمة ولم تصب بأذى خلال الغزو».
الخير
الكتاب خير صديق لان به افكار وهذه الافكار افكار رجال من اكرم وانبل رجال العصور فهم من خلال الكتاب يعرضون افكارهم وشخصياتهم ومشاعرهم ومعلوماتهم فالقارئ يتقبل منهم او يرد ذلك ولا هناك الزام بالرأي لان الصديق قد يلزمك برأيه ويجادلك ويزعجك اما الكتاب فليس فيه هذه الامور، يعرض افكاره وانت لك الحرية في الارادة والخيار... والشيء الاخر انك من خلال قراءتك تأخذ تجارب البشر سواء الفكرية او العاطفية او مامر عليهم من خلال حياتهم فهم يقدمون لك خلاصة تجاربهم وهذه الخصال لا تتوافر عند كل صديق، لانك قد تجد الصديق وقد تبعده عنك مشاغل الحياة المتعددة والكثيرة وان وجد الصديق قد لا يسعفك وقته كي تجلس معه وتستفيد منه، اما الكتاب فهو في كل وقت متوافر لديك... الامر الثالث ان الكتاب ينقلك من الجو المحيط الذي انت موجود به الى آفاق واجواء اخرى وكذلك عوالم فقد تقرأ كتابا مكتوبا من الف عام قد يكون الكتاب لأرسطو او غيره او الف سنة للطبري فأنت من خلال قراءتك تنتقل لتلك الازمنة التي لم تعشها فالانسان محصور بالزمان والمكان... والكتاب ينقلك لتلك الازمنة فترى عادات الشعوب وحياتهم وعواطف جميلة او قبيحة بها الحب والكره والتضحية والكرم والشجاعة.
الطرائف
أحلى قصة قرأتها في حياتي بعيداً عن الناس والبعض ترجمها بعيداً عن ضجيج الناس والبعض عن صخب الناس وهي «لتومس هاردي» وهو اديب انكليزي وهذا الكتاب فقدته سنة 1987، وبحثت عنه ولم اجده وسنة 2000 ذهبت انا وأهلي الى سويسرا وسكنا فندقا قريبا من البحيرة واذكر وانا عائد الى الفندق دخلت مكتبة بها بائع مصري فرأيته بها فقلت له اعطني هذا الكتاب فقدته في الكويت ووجدته في سويسرا... وكانت هناك مكتبة في شارع السور القريب من وزارة الاعلام وكنت مخصصا جزءا من راتبي للكتب وبعض الاوقات يذهب الراتب كله في شراء الكتب وقد آخذ من الوالد مالاً من اجل شراء الكتب دخلت هذه المكتبة فوجدت بها الطبعات التي افضلها لمعجم البلدان وتاريخ الطبري وكلها طبعات اوروبية وكان باقيا على المعاش يومان فانتظرت نزول الراتب وبعد نزوله ذهبت الى تلك المكتبة واذ هي مغلقة وهذا من حسرات قلبي وتأسفت على فوات شراء تلك الكتب واذكر انني كنت في معرض الكتاب سنة 1992 وكان معي الاخ براك الشايجي وكنت اتصفح الكتب فسقط عليّ احد الكتب الضخمة من «الاستاند» وجرح اذني ونزف منها الدم وعلى كتفي وكنت جالسا اتصفح الكتب وشعرت بثقل على كتفي ولم أع هذا الموقف وما حصل حتى نبهني الاخ براك لما حدث وقال: الدم وانا من اندماجي في القراءة لم اشعر بما حصل لان الكتاب الذي سقط عليّ كان ضخماً من كتب القانون... وكنت ابحث عن احد الكتب «تغيير التاريخ لمحمد صديقي» مدة طويلة فلما وجدته سجدت لله شكراً وكان المكان ضيقاً جداً لكن فرحتي بهذا الكتاب جعلتني أسجد لله وبعض الاحيان انذر نذراً اذا كنت ابحث عن كتاب واجده «اقول عليّ كذا اذا وجدت الكتاب الذي ابحث عنه» الكتب لها فرحة عنده محبيها وهناك مقولة تقول «الغبي الذي يعير كتاباً والأغبى منه الذي يرده».