في وجه العم بدر سالم العبد الوهاب المطوع كان طيفٌ من صورة الكويت المشرقة في ريادتها وتعاضد أهلها وحبها للخير، كما أسسها رجالات الرعيل الأول.
كان العم بدر في سن السابعة والخمسين حين ترك المقعد الذي شغله في مجلس إدارة غرفة التجارة منذ تأسيسها، لكن سنواته الـ35 منذ ذلك الحين إلى أن وافته المنية الخميس لم تكن سنوات تقاعد، بل عطاء لم يعرف الاستكانة.
نأى الراحل بدر المطوع بنفسه عن عدسات الأضواء، لكنه حضر في الملمّات مقدماً كل ما لديه لمداواة الجرح. هكذا كان صوته الهادئ في المؤتمر الشعبي في جدة، يوم ألمت بالبلاد محنة الغزو الغاشم.
كان- رحمه الله - مالئ دنيا الاقتصاد والأعمال في شبابه وكهولته، وواحداً من الرعيل المؤسس لغرفة التجارة في العام 1959، ورجلاً من أهل الحل والعقد الذين وضعوا لبنات دولة الدستور السابقة زمانها في المنطقة، ورائداً من الروّاد الذين أعطوا للقطاع الخاص الكويتي شهرته وأسبقيته في المنطقة في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، حاضراً في كل محفل، عضواً في مجالس إدارات الشركات الكبرى، وعلماً من أعلام فعل الخير.
في عالم الأعمال زرع الرجل قيمه وشيمه وعصاميته أكثر من أي شيء آخر. كان التزامه تجاه أهله وناسه وأمته أكبر من الرغبة الفطرية للإنسان بالربح. يحضر بظله اللطيف، فيصبح المنافس عضداً والبعيد قريباً. هكذا يصفه بعض من عاصروه حين كان عضواً في مجلس إدارة شركة ناقلات النفط، وفي شركة السينما الكويتية وغيرها.
في العام 1977، فعل ما اعتاده الناس منه في إفساح المجال لسواه بهدوء، فغادر مقعده في مجلس إدارة غرفة التجارة، تاركاً لها أن تفتقد صوته الدافئ وطاقة الخير التي يبثها حيثما حل. في احتفال الغرفة قبل عامين بعيدها الخمسين، تسنّى لجيل السبعينات ومن جاء بعدهم أن يتعرفوا إلى وجه هذا الرجل الذي تحكي عنه أعماله أكثر مما تحكي صوره. حضر يومها فصلاً من قصة الريادة الكويتية الحالمة.
وحدهم أهل الخير لم يفتقدوا حِسّه وعطاءه. كان العم بدر دفقاً من الحميّة في اللجنة الشعبية لجمع التبرعات، التي مثّلت شيَمة أهل الكويت في مد يد العون للشعوب العربية والإسلامية، من الجزائر الثائرة على الاستعمار في الخمسينات إلى فلسطين المنكوبة، وغيرهما كثير.
في كل نائبة كان العم بدر أول من يقصده سعاة الخير. لم تشغله أعوامه التسعون عن إغاثة شعب الصومال حين حصلت المجاعة العام الماضي، كما لم تشغله سنوات كدحه من قبل عن إغاثة اللبنانيين إثر الحرب الأخيرة في 2006، والفلسطينيين في حرب غزة العام 2008.
في كل نكبة كان العم بدر يبذُر أملاً ويضيء اسم بلاده في قلوب من يعانون. كان يصنع، بعيداً عن المظاهر، عملاً لم ينقطع حتى بعد وفاته.
في وجه العم بدر كانت صورة الكويت، كويت الريادة والعطاء، من يفتقده ليس فقط أهله وذووه، وإن يكن هؤلاء الأحق بواجب العزاء.