قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال إشارة للدلالة على أنهما يريدان من حكومتيهما، وكذلك من الاتحاد الأوروبي، اتباع سياسة أكثر نشاطا في الشرق الأوسط. وبشكل لا يماثل سلفيهما جيرهارد شرودر وجاك شيراك، فهما يصران على العمل مع واشنطن عند التعامل مع التحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بما في ذلك النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي والخليج العربي، وأنهما يؤكدان على التزامهما بأمن إسرائيل.وفي وقت قريب سوف تتاح الفرصة أمام ميركل وساركوزي وزملائهما في الاتحاد الأوروبي لكي يجيدا العمل بدلا من إجادة التحدث حول الشرق الأوسط. كما سيشكل انتخاب رئيس أميركي جديد فرصة للبدء في رسم خطوط رئيسية لاستراتيجية ما بعد حرب العراق.وبدلا من «اللا استراتيجية عبر الأطلسي» المتبعة من قبل الرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش وايديولوجياته الفكرية، النابعة من المحافظين الجدد والتي تستند إلى مفهوم أن الأميركيين هم الذين يتولون قيادة عربة الشرق الأوسط، بينما يقومون بمطالبة الألمان والفرنسيين والبريطانيين بتغيير زيت تلك العربة وبفحص دواليبها، فسوف يكون شاغل البيت الأبيض الجديد في حاجة إلى دعوة الأوروبيين للبدء فعلا للمشاركة في توجيه سياسة أوروبية أميركية في الشرق الأوسط.ومن جانبهم، سيكون على الأوروبيين أن يقوموا بالاعتراف بأن المرء عندما يفوز بالمزيد من السيطرة على سياسة معينة، فإنه أيضا سوف يكون بحاجة إلى تقاسم المزيد من المسؤوليات في مجال تنفيذها. وضمن هذا السياق الخاص بالشرق الأوسط، لن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على مواصلة سياسة الركوب المجاني والتكسب على ظهر السياسة الأميركية في المنطقة: أي الانتفاع من الدور الأميركي السياسي - العسكري هناك، بينما ينأون بأنفسهم عن نواحي السياسة الأميركية التي تسير بشكل معاكس لمصالحهم.وحتى ميركل وساركوزي، وعلى الرغم من كلامهما المنمق حول التعاون مع واشنطن في الشرق الأوسط، فإنهما قد اخفقا في تبني سياسة مترابطة، والتي تتطلب أيضا القيام باستثمار أوروبي يتم قياسه بالمال وحتى بالمعايير العسكرية، بالنسبة لإدارة العراق أو حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الحقيقة، فإن الزعيمين، من خلال رفضهما عضوية تركيا ذات السمة والثقافة الغربية للدخول في الاتحاد الأوروبي، فقد قاما بإضعاف النفوذ الأوروبي - الأميركي في الشرق الأوسط.وبتجنيب المشاكل المعقدة في الخليج العربي، بما في ذلك العراق وإيران، التي يتوجب أن تحتل مكانا مركزيا في أي استراتيجية تتم إعادة تنشيطها في الشرق الأوسط.ميركل وساركوزي يمكنهما أن يحاولا السعي إلى استهلال ديبلوماسي خلاق في منطقة شرق البحر المتوسط وذلك، على وجه أكثر خصوصية، بفعل إعادة إحياء «عملية السلام» المحتضرة في الأراضي المقدسة من خلال الإعلان عن استعدادهما لرعاية مفاوضات بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة قد تؤدي إلى ارتقاء تدريجي لإسرائيل وفلسطين لدخول الاتحاد الأوروبي.وبينما ينظر كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى واشنطن باعتبارها مركزا بالنسبة لأي حل للنزاع بينهما، فقد بقي الاتحاد الأوروبي مهمشا في هذه العملية. فالاتحاد الأوروبي يُعتبر المانح الأكبر للمساعدات بالنسبة للسلطة الفلسطينية والشريك التجاري الأكثر أهمية لإسرائيل. ومع ذلك، فقد اخفق في ترجمة ذلك النفوذ الاقتصادي إلى تأثير ديبلوماسي.إن إرسال إشارة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، تدل على أن الحل السلمي للنزاع بينهما قد يكون بمثابة بطاقة للدخول في الاتحاد الأوروبي، سوف يكون اكثر من مجرد إغرائهما بالمكافآت الاقتصادية. وأن الاشتراط على إسرائيل الموافقة على الانسحاب من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات اليهودية الموجودة هناك لكي يتم دخولها في الاتحاد الأوروبي سوف يعمل على تقوية أيدي أولئك الإسرائيليين الذين يتصورون أن تكون دولتهم ليست عبارة عن غيتو «حي يهودي» مجهز عسكريا وإنما مجتمع ليبرالي غربي السمة والثقافة. وفي الوقت نفسه، سوف يكون الشعب الفلسطيني مجبرا على الاختيار بين الأجندة المتطرفة التي تروج لها «حركة حماس» وبين برنامج مجهز للإصلاح والذي تتم متابعته من قبل قيادة فلسطينية جديدة تعمل مع الاتحاد الأوروبي كجزء من المفاوضات حول ذلك الارتقاء. وسوف يقوم ذلك البرنامج بإعادة بناء الاقتصاد في الضفة الغربية وغزة من خلال الاستثمار وخلق شراكات تجارية فلسطينية - إسرائيلية - أوروبية. ووفق الطريق نفسها التي تم بها تأسيس «منظمة النافتا» (اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا) عبر الضغط لإجراء الإصلاحات في المكسيك، فإن نشوء وتطور التجارة والروابط المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفي النهاية مع الأردن وسورية ولبنان، قد يضع الأساسات للتحرك نحو السلام والتغير الاقتصادي والسياسي لكامل منطقة شرق البحر المتوسط، وهو إقليم له روابط تاريخية وجغرافية وديموغرافية وثيقة مع أوروبا.قد يقوم النقاد بوصف مثل ذلك العرض الخاص، لإدخال إسرائيل وفلسطين إلى الاتحاد الأوروبي، أنه عبارة عن مجازفة ديبلوماسية، وأنه لا يوجد هناك مجال للشك بأن ذلك الهدف سوف يستغرق الكثير من الأعوام لكي يتم تحقيقه. ولكن، بفعل تبني مثل تلك الاستراتيجية المتمثلة بالمشاركة البناءة طويلة الأجل في الشرق الأوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحاول، من خلال استخدام المصادر الديبلوماسية والاقتصادية، تحقيق ذلك النوع من الأهداف بدلا من الطريقة الأميركية في استخدام القوة العسكرية.

ليون هادار

محلل سياسي لدى معهد كيتو ومؤلف كتاب «عاصفة الصحراءإخفاق سياسة في الشرق الأوسط».وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org