| جمال الغيطاني |
/> المفتتح حامض، مالح، والمختتم حلو، ذلك ترتيب الطعام في المائدة العربية، خصوصا في رمضان لذلك كان المخلل بداية، تحفز الشهية وتثيرها لالتهام الأصناف الأخرى، وفي شهر رمضان يكتسب قيمة إضافية، بعد الامتناع عن الأكل لساعات طويلة، كذلك الشرب، يكون الإنسان في حاجة إلى الملح، وإلى السكر، لذلك كان للمخلل موقع البداية بكل أصنافه.
/>وربما يسبق تناوله كوب من عصير المشمش، الذي يعرف في مصر باسم «قمر الدين»، أو الخشاف، وهو يفتح البلح والتين والزبيب والقراصيا، وكلمة خشاف كما يقول العلامة الليبي علي فهمي خشيم فارسية الأصل مكونة من مقطعين:
/>خوض ومعناها طيب ولذيذ وجيد، وتستعمل في العراق والخليج، فيقال مثلا «خوش أكلة»، «خوش رجل»، «خوش امرأة» أما المقطع الثاني من الكلمة «أب» فمعناه ماء، الأصل بالعربية «أباب» والمقطعان يلفظان كلمة واحدة، «خوش آب»، أي حرفيا الماء الطيب.
/>وبعد الإفطار على قمر الدين أو الخشاف، يكون تناول المخلل وهو أول ما يؤكل، للمخلل كلمة أخرى «الطرشي» ويبدو أن أصلها تركي ومعناها «الحامض» وفي اللغة العربية تعني الحموضة والملوحة أيضا، لذلك يسمى الليمون والبرتقال في بعض الأقطار بالموالح، وفي أقطار أخرى الحمضيات، غير أن العلامة علي فهمي يؤكد تخصيص العربية ودقتها فيما يتعلق بالحمضيات والموالح، اللغة العربية تحدد وتعين، فالعجين الحامض يسمى مثلا «التخ» أما اللبن الحامض فهو: «الطخف» فإذا اشتدت حموضته قيل عنه «الصقر» والشراب الحامض اسمه «الخمطة» بينما يسمى التفاح الحامض «الجلفت» والجلفت دخيلة من الفارسية، ذكرها ابن الرومي في شعره وهو يهجو عندما قال «كأنها عض على الجلفت» يعني وجه المهجو وقد تقلص، مطبقا شفتيه، مصرا على قواطعه وقد انحرف بوزه وفطس أنفه وانطبق جفناه، الصورة طريفة، ساخرة، جسدها ابن الرومي في أربع كلمات.
/>وبالرغم من جهود العلامة علي فهي خشيم اللغوية الخاصة بالطعام والتي ضمنها كتابه الطريف «الكلام على مائلة الطعام» إلا أن الكثير من هذه الألفاظ قاموسية، غير مستعملة، ولذلك سأكتفي بكلمتي «المخلل» و«الطرشي» ولأن الطرشي تركية الأصل، فلنقصر على استخدام المخلل الأكثر شيوعا وذيوعا في مصر وكثير من الأقطار العربية.
/>وخلال مطالعاتي في المؤلفات الخاصة بالطعام في المكتبة العربية، لاحظت أن المخللات تحتل قسما ليس بالهين، ابن العديم «588 هـ ـ 660 هـ» وهو مؤرخ مشهور له مؤلف عن تاريخ حلب التي عاش فيها مرجعا أساسيا، أما كتابه في الطبيخ، فضلاته طريف، والوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب»، يذكرني هذا العنوان بنصائح الأمهات لبناتهن في القاهرة القديمة «معدة الراجل أنسب المداخل إليه، فإذا أردت الاحتفاظ به، امسكيه من معدته» وهذا يعني تجديد الطبخ وما يقدم للزوج حتى يعتاد عليه وينتظره من يد امرأته، الكتاب مرجع ضخم، صدر محققا منذ سنوات في سورية عن معهد التراث العلمي العربي، منشورات جامعة حلب، بتحقيق سليمى محجوب ودرية الخطيب، ويتضمن مجلدين، الأول دراسة عن الطعام في الحضارة العربية، والثاني النص، ما يعنيني منه المخلل والذي خصص له الباب الثامن المعنون «في المخللات والملوحات وصفة صنعها»، ويبدأ الباب باللفت، يذكر ابن العديم أنه أصناف، وأنه عمدة المخلل وعمله ينقسم إلى أنواع، أوله ما يصلح للأكل سنة كاملة، وهذا يقشر ويقطع قطعا مربعة كبارا، غلاظا، ويذر عليه الملح، ويوضع في إناء حتى ينصل الماء، ويزال عنه ويرفع، ثم يضاف إليه الخل والملح، هذه الطريقة بعينها لاتزال مستخدمة حتى الآن بحذافيرها، اللافت للنظر عنه ابن العديم أنواع اللفت، فهنا لفت أبيض محلى، ولفت أحمر، ولفت أصفر، ولفت محشي ويسمى المقورة، ولفت عجمي ولفت أبيض بخميرة وما نعرفه في مصر نوعان، لفت أبيض، ولفت أحمر.
/>