| كتب أحمد لازم |
أكد المشاركون في ندوة أقامتها جمعية المحامين الكويتية تحت عنوان «وسائل الحد من الخروج عن القواعد للمحاكمات الجزائية» أنه لا يجوز وفق المبادئ القانونية معاقبة الشخص مرتين على فعل واحد، متخذين من قضية بادي الدوسري المرفوعة من اللواء كامل العوضي محورا للحديث.
وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الامة المبطل الدكتور عبيد الوسمي «إن الموضوع مهم جداً، ليس لخصوصية القضية فقط ولكن المسألة تعتبر استثنائية وغير مسبوقة على حد علمي، فالنصوص القانونية قد تختلف من نظام إلى آخر ولكن هناك أمر أبعد من النصوص يسمى المبادئ العامة للقانون التي لا تختلف باختلاف النظام القانوني كما انها لا تختلف من وقت لآخر».
وأوضح الوسمي أن «تفسيرات القواعد القانونية تختلف باختلاف طبيعتها ولذلك فإن نصوص القانون الجنائي لا تفسر بذات الطريقة التي تفسر بها نصوص القانون المدني، وهذا السبب للحدث هو وضع استثنائي لسببين الأول هو انه يتعارض مع مبدأ عام استقر في كل النظم القانونية مئات السنين وهو انه لا يجوز أن يخضع الشخص للمحاكمة على ذات الفعل مرتين، ومن باب أولى لا يمكن ولا يجوز أن يعاقب الشخص على ذات الفعل مرتين.
وأكد أن «هناك العديد من الاحكام التي تم إبطالها وإعادتها في المسائل المدنية لكن في المسائل الجزائية يستحيل أن يبطل هذا الحكم وتتم إعادته، ذلك لأن الأثر المترتب على ذلك هو إعادة المحاكمة وهو ما يتعارض مع هذا المبدأ»، مشيراً إلى أنه «اذا كان هناك بطلان في الإجراءات لأي سبب من الأسباب في المواد الجزائية وإن ثبُت البطلان يترتب عليه تلقائيا براءة المتهم في بعض الأحيان عندما يكون هناك إخلال بقاعدة جوهرية لعدم إمكانية محاكمته».
وذكر ان «ما حدث في قضية بادي الدوسري انه بعد أن تمت محاكمته ونفذت العقوبة تم ابطال هذا الحكم وإعادة القضية مرة أخرى لمحاكمته على ذات الفعل»، مؤكداً أن «النص على هذه المسألة يعتبر مبدأ واجب التطبيق وبصرف النظر عن النص عليه، ولذلك ما حدث في بطلان الإجراءات بعد تطبيق الحكم ثم إعادة الشخص مرة أخرى ليخضع للمركز القانوني للمتهم وهو مركز سلبي بمعنى أن أي شخص تلازمه قرينة دستورية تسمى قرينة البراءة ولكن عندما يوجه له اتهام تستمر هذا القرينة ولكن المركز القانوني لهذا المتهم يضعف لأن جهة الاتهام تملك في مواجهته اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها منع السفر والحبس الاحتياطي وغيرها، ومن الناحية النظرية صحيح أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي لكن هذا المركز السلبي قد يؤثر في حرية الفرد وهو أيضاً مصان دستورياً، حيث إنه من الممكن أن تمنع جهة التحقيق المتهم من السفر أو تحبسه احتياطيا على سبيل المثال، لكنه لا يتمتع بذات الضمانات التي يتمتع بها الفرد العادي في الأحوال العادية، وما حدث للدوسري كان بمثابة الصدمه عندما تمت إعادة محاكمته».
وأعرب الوسمي عن اعتقاده بأن «هناك خلطاً بين قواعد المحاكمات المدنية وقواعد المحاكمات الجزائية حيث إنهما نظامان مختلفان وهي مسألة متصورة في الدعاوى المدنية، وعلى سبيل المثال دعوى ذهبت إلى محكمة التمييز واكتشفت محكمة التمييز أن هناك عيباً في الاختصاص أو بطلان في إجراءات الإعلان في هذه الحالة يتم إبطالها وإعادتها بحيث ان المسألة متعلقة بحقوق مدنية أو ذات طبيعة مالية ولكن عندما تتعلق المسألة بحرية شخص ما فإن القاضي يقف عند حدود البطلان ويقضي ببراءته ولو سلمنا جدلاً أنه تمت محاكمة شخص وحصل بطلان في الإجراءات وتمت محاكمته في درجات التقاضي الثلاث وتم إبطالها وتمت إعادة محاكمته وإعادة القضية مرة أخرى ووصلت إلى محكمة التمييز وأخذت عدم الاختصاص وأبطلت ثم تمت إعادتها للمرة الثالثة وأبطلت لبطلان الإجراءات إذاً سيستمر ذلك إلى ماله نهاية وهو ما يتعارض مع قاعدة أولى في الرعاية وهي حماية الحريات الفردية حيث إن قواعد القانون الجزائي لها خصوصية لأنها توازن بين حق المجتمع في حماية النظام العام المرتبطة بالقانون الجزائي وبين حرية الفرد، ولذلك دائماً تفسر هذه القواعد تفسيراً ضيقاً وبما يخدم المركز القانوني للمتهم».
وأضاف الوسمي: «ان القضاء سلطة من سلطات الدولة، وقد وضع القانون الصلاحيات والمهام والوظائف ضمن مجموعة من النصوص التي يستمد منها القضاة صلاحياتهم، وبالتالي إذا خرج عن هذه النصوص لا يعتبر قضاء وهناك فكرة «الانعدام» بمعنى خروج العمل الإجرائي من عناصره الأساسية بحيث يتحول إلي عمل آخر وبالتالي يفقد الصفة القضائية، لذلك فإن المحاكمة الأولى في إجراءاتها العادية كانت صحيحة من الناحية النظرية المجردة لكن المحاكمة الأخرى هي أعمال إجرائية منعدمة لمخالفتها لهذا المبدأ، والأمر الآخر أن معظم مواثيق حقوق الإنسان تنص على هذه القاعدة ومن غير المعقول أن هناك أشخاصا يخالفونها.
من جهته، قال الدكتور فايز الظفيري «ان الاحكام القضائية يجب الا يخوض فيها غير اصحاب التخصص، وذلك لاختلاف طبيعة القضاء عن الاعمال العادية»، مبينا ان «نظرية البطلان في القانون الجنائي الكويتي في المادة 146 ألزمت هيئة التمييز في نظر أحكام الجنح، وهذه الهيئة قضت ببطلان الحكم، ووجدت ان بادي الدوسري لم يتلق محاكمة عادلة على درجتين، ورأت ان هناك عيبا في تشكيل المحكمة».
وذكر أن «ما حصل هو ان هناك فوضى موجودة منذ عام 1960 في قانون المحاكمات الجزائية، وبادي الدوسري تقدم بطلب لاستبدال الحكم، ونص المادة 235 من قانون الاجراءات يجيز للمحكوم عليه الاختيار في ما بين تطبيق الحكم بالسجن او العمل للصالح العام، بينما وزير الداخلية لا يملك اي سلطة في هذا الجانب، وهذا الامر ينطبق على الاحكام التي لا تتجاوز 6 اشهر، وكذلك بالنسبة للمدينين، ويكون طلب المحكوم موجها إلى مدير السجن وليس وزير الداخلية»، مشيرا الى ان «ما هو وارد في المادة 235 مخالف تماما لما هو معمول به في الكويت، والدولة تكرر ممارسة هذه الاخطاء من خلال تدخل وزير الداخلية في هذا الشأن على الرغم من ان القانون لم يعطه اي صفة للتدخل وان المحكوم مخير في ان يتولى الوظيفة التي تصب في الصالح العام، ولا اعلم ما علاقة وزير الداخلية، بينما القانون والدستور جعلا النيابة العامة هي المهيمنة على تطبيق العقوبة، فلا يجوز يا وزير الداخلية ان تأخذ هذا الحق لمجرد ان مأمور السجن يتبع لك»، معتبرا ان «ما تم هو تطبيق خاطئ واستغلال من قبل وزارة الداخلية لسلطة يجب ان تمنع عنها».
وتابع: «سبق ان تقدمت بطلب يتعلق بالسجين محمد المليفي، ولكن هذا الطلب ايضا قوبل بالرفض من قبل وزارة الداخلية في اجراء مخالف للقانون الذي لم يعطهم هذا الحق، وقالوا لي ان لدينا لائحة تنص على الحبس البسيط، وعدم ورود الشغل والنفاذ»، متسائلا: «اذا كنتم انتم لا تملكون الاصل فكيف تملكون التفسير، وكيف تنظمون اللوائح بدون اصل في القانون؟، وفي المقابل هناك احكام صادرة على اشخاص احدهم متشبع بقضايا النساء ولم يقض من السجن سوى 24 ساعة، وتم اخراجه من السجن حتى يصوم رمضان، فهل توجد وقاحة اكبر من هذه».
واشار الظفيري الى ان «قضية بادي الدوسري فيها استبدال للحكم وتم تنفيذه وحتى ان تم ابطال الحكم فلا يمكن اعادة تطبيق العقوبة، وهناك حكم صادر من محكمة التمييز في القضية رقم 153 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 15 /1 /2012 لا تستطيع المحاكم ان تحيد عنه، ويلزم المحكمة التي قضت بالعقوبة الأولية ان تأخذ بعين الاعتبار العقوبة التي صدرت في الحكم السابق، وبالتالي على المحكمة ان تأخذ بعين الاعتبار العقوبة الاولى خصوصا انه استبدل تنفيذ الحكم»، مبينا «اننا امام نقاش علمي، هل يجوز للنيابة العامة ان تعيد التنفيذ ام لا؟، والإجابة انه من خلال طعون سابقة ومبادئ سبق ان ذكرتها المحكمة فإن اعادة التنفيذ ضد بادي الدوسري ستكون سابقة، ويجب ان تأخذ النيابة العامة الحكم السابق بعين الاعتبار، مع أنه يمكن ان تطبق عليه المدة الزائدة عن الحكم السابق».
بدوره، قال المحامي دوخي الحصبان «إن الخلاف اليوم حول مبدأ من نواميس العدالة، فهل يتصور عاقل تنفيذ عقوبة لذات الشخص وعن ذات الفعل اكثر من مرة؟ قطعا لا يجب ذلك، فالعلامة القانوني الدكتور مأمون سلامة ميز بين بطلان الحكم وانعدام الحكم، وحكم محكمة التمييز في شأن بادي الدوسري اعلن بطلان الحكم لعيب في تشكيل المحكمة وليس لانعدام الحكم، وبالتالي فإن الاصل ان نعود الى الاصل العام، وهناك مبدأ لمحكمة التمييز الكويتية في الطعن رقم 1159 والطعن 160 لسنة 2003 الصادر في 8 /12 /2003، بأن بطلان الحكم لا يترتب عليه بطلان اجراءات التحقيق واعمال الخبرة التي تمت في الدعوى، ما لم تكن باطلة في ذاتها ويحق للقاضي الاعتماد عليها في تكوين عقيدته في النظر في دعوى اخرى بين الخصوم، وفي حالة قضية الدكتور بادي الدوسري ليس هناك دعوى اخرى بين الخصوم بل هي الدعوى نفسها بين الخصمين بادي الدوسري واللواء كامل العوضي، وخصمنا هنا ليس كامل العوضي».
واضاف: «ان حكم محكمة التمييز اعلن ان البطلان الصريح هو سبب تمييز المحكمة للحكم وليس لانعدامه، ولو تحدثنا عن الحبس الاحتياطي فإن اي متهم امضى فترة قبل صدور اي حكم فإنها تخصم من العقوبة التي قد يقررها القضاء لاحقا، والاحتكام في الخلاف إلى عبارة الشغل والنفاذ يكون للدرجة الاعلى في القضاء، وما الذي كان يمنع من استطلاع رأي محكمة التمييز ذاتها لانها المعنية بإرساء القواعد القانونية؟»، مؤكدا انه «ليس لمصلحة أحد على الاطلاق التشكيك في ملاذنا وهو القضاء، ولكن المستشار فيصل المرشد قال ان البحر يطهر نفسه، ويمكن ان يعدل القضاء الاعلى عن مبدأ كان مستقرا عليه الى مبدأ جديد وحكم التمييز في قضية بادي سبقه حكمان مماثلان في قضيتي خالد الفضالة والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم، فلماذا هذه الجلبة الان على الدكتور بادي الدوسري؟»، معتبرا انها «مسألة غاية في الخطورة ان يتم التساهل في التعامل مع القضاء، ولننأ بالقضاء عن هذا الخلاف لان القضاء سلطة وليس مرفقا وهو احدى السلطات الثلاث ولو كانت لنا آراء تخالف ما انتهى اليه القضاء فهذا ليس مبررا للتشكيك فيه».