| اعداد عبدالعليم الحجار |مازالت سلسلة المفاوضات حول الملف النووي الايراني جارية حتى تاريخه، لكن رغم ضآلة التقدّم (على صعيد تلك المفاوضات)، الا إن فرصة الديبلوماسية لا تزال قائمة.واعتبرت وكالة «رويترز» للأنباء في تقرير لها، أن المحادثات حول البرنامج النووي الايراني التي جرت خلال الفترة الماضية بين مجموعة الاتصال «5 + 1» ( الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا اضافة الى المانيا) وايران في بغداد وموسكو وحاليا بين خبراء في اسطنبول، اسفرت عن افتقار واضح على صعيد التقدم.ويتمثل هدف مجموعة الاتصال على المدى الطويل في تطبيع العلاقات وتقديم الدعم ورفع العقوبات، اضافة الى مساعدة الجمهورية الاسلامية على تطوير قدراتها للطاقة النووية المدنية. فلو ان ايران كانت جادة فعليا في شأن عدم السعي الى التسلح النووي، لكانت المحادثات مثلت فرصة حقيقية لطهران كي تنخرط ايجابيا.وبينما ابدت مجموعة الـ «5 + 1» موقفا موحدا في تلك المحادثات، بدا الايرانيون غير قادرين على نبذ الانقسامات وشق طريقهم، والنتيجة الوحيدة التي نجحت عن المحادثات في كل من بغداد وموسكو ومن اجتماع الخبراء الآن في اسطنبول، كانت «اجراء مزيد من المحادثات في اقرب وقت». وتريد مجموعة «5 + 1» حلا سلميا وتفاوضيا لأزمة البرنامج النووي الايراني، لكن جميع الخيارات الاخرى تبقى مطروحة على الطاولة، وخلال جولة المحادثات الاخيرة، قدمت المجموعة الى ايران عرضا واضحا يركز تحديدا على تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20 في المئة، وتخلّي ايران عن المخزون الذي لديها من اليورانيوم المخصب، وتعليق النشاط في منشأة «فوردو النووية». في المقابل، ابدت مجموعة الـ «5 + 1» استعدادها للتفاوض حول رفع حظر مفروض من جانب الولايات المتحدة على بيع ايران قطع غيار الطائرات المدنية وخطر الدعم على عدد من الجبهات المتعلقة بالقضايا النووية، اما العرض الايراني، المؤلف من 5 نقاط والذي وصفه الاعلام الرسمي الايراني بأنه «شامل» و«شفاف» فافتقر الى وضوح التعريفات وفقا لما قاله مسؤولون في مجموعة «5 + 1».لا احد يشكك في حق ايران في السعي الى الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، تماما مثلما ان لا احد يصدق فعلا ان ايران - وهي الدولة الغنية بالاحتياطات النفطية - تحتاج التكنولوجيا النووية من اجل اغراض سلمية فقط، ولأن ايران باتت متورطة فعليا في ستة قرارات صادرة عن مجلس الامن، فيتعين عليها ان تبادر الى اتخاذ خطوات من جانبها من اجل بناء الثقة.وحتى الآن، مازال يتعين على الايرانيين ان يتخذوا خطوات ملموسة في سبيل اثبات صدق موقفهم. فنافذة الديبلوماسية لن تبقى مفتوحة إلى الابد. وستقوم مجموعة «5 + 1» والوكالة الدولية للطاقة الذرية برصد ومراقبة المواقف الايرانية ازاء هذه المحادثات عن كثب، مع الحذر من الانجرار الى فخ الايرانيين من خلال الموافقة على التأجيل تلو التأجيل حتى تكون ايران انهت استعداداتها فعليا ثم تفاجئ العالم بامتلاكها سلاحا نوويا.وبينما يواصل المسؤولون الايرانيون المراوغة والتملّص، فان العقوبات تواصل تأثيراتها.وبات من الواضح ان سعي ايران الى امتلاك اسلحة نووية يلحق الضرر باقتصادها على جبهات عدة، فأسعار السلع المحلية تتزايد باستمرار وعلى سبيل المثال ازداد سعر الدجاج بمعدل الضعف تقريبا في غضون اقل من اربعة اشهر، بينما وصل سعر كيلو الاناناس حاليا إلى ما يوازي 16 دولارا اميركيا. وعلاوة على ذلك، فإن تأثيرات العقوبات القائمة ستتكشف تباعا خلال الفترة المقبلة. اذ تم للتوّ تطبيق الحظر الاوروبي على استيراد النفط الايراني الى جانب عقوبات مالية على الجمهورية الاسلامية. ومن المتوقع ان تتفاقم وطأة الضغط الناجم عن تلك العقوبات.اضافة الى ذلك، هنالك مؤشرات متزايدة تدل على وجود شقاق داخل الحكومة الايرانية حول الوضع الاقتصادي، فبتاريخ 4 يوليو، كرر الرئيس محمود احمدي نجاد دعوته الى استغلال العقوبات (المفروضة على بلده) كفرصة لمعالجة مسألة اعتماد اقتصاد ايران على النفط، لكن وزير الصناعة والتعدين والتجارة الايراني قال ان اموال الوزارة لا تكفي لتلبية احتياجاتها، موضحا على وجه التحديد ان الوزارة تحتاج الى 15 مليون تومان (ريال ايراني) (اكثر من 12 مليار دولار)، مضيفا ان وزارته ستحتاج الى 50 تريليون تومان (نحو 40 مليار دولار للسنة المالية 2012 - 2013).وبينما بدأت الولايات المتحدة في زيادة حجم تواجدها العسكري في المنطقة، وليس من المرجح لها ان تردعها المناورات الحربية التي تجريها ايران، يشهد حجم التجارة الايرانية تراجعا عاما. فكوريا الجنوبية - التي ليس من المعروف عنها انها تعادي ايران - تواصل تقليص وارداتها النفطية من ايران. وتحذو الهند حذو كوريا الجنوبية، ولو جزئيا كرد فعل على الهجوم الايراني على زوجة مسؤول اسرائيلي في نيودلهي في وقت سابق من العام الجاري. وبالنسبة الى ملايين براميل النفط التي تواصل ايران تخزينها في حاويات قبالة سواحلها (استعدادا لتصديرها) فمن المرجح لها ان تبقى في مكانها لتشكل خطرا بيئيا على الخليج برمته.واذا لم تبد ايران استعدادها لاتخاذ خطوات ملموسة، فإن الضغوط الناجمة عن العقوبات لن تزداد إلا تفاقما، فالشعب الايراني بدأ فعليا في التساؤل حول سعي النظام الحاكم الى امتلاك التكنولوجيا النووية.ففي استطلاع للرأي اجراه التلفزيون الرسمي الايراني بتاريخ 3 يوليو الجاري، طرح على الناس سؤال حول الطريقة التي يفضلونها للرد على العقوبات التي فرضها الغرب ضد ايران، وجاء رد 63 في المئة ممن شملهم الاستطلاع بأنهم يفضلون ان تتخلى بلادهم عن تخصيب اليورانيوم في مقابل إلغاء تلك العقوبات تدريجيا. لكن تقرر لاحقا عدم الإعلان عن نتائج ذلك الاستطلاع.ويعتبر خبراء، أن التهديد المحتمل الناجم عن ايران واضح، فإيران مسلحة نوويا تنذر بخطر اثارة سباق تسلح نووي اضافة الى نشوب مزيد من الصراعات في شتى ارجاء منطقة الشرق الاوسط. فالسعودية - التي هي الخصم والمنافس الرئيسي لإيران في المنطقة - ليس من المرجح لها ان تقف مكتوفة الايدي ازاء ذلك، ونظرا لكون المملكة تقيم علاقات تاريخية وثيقة مع باكستان، فإن من الأرجح للسعودية تنتظر في المقابل دعما وتعاونا من جانب حليفتها.وفي منطقة مبتلاة فعليا بالعنف وعدم الاستقرار في ظل وجود ثورات في دول شمال افريقيا وحرب اهلية في سورية واليمن، فإن ظهور ايران مسلحة نوويا لن يؤدي سوى الى جعل الأمور اكثر سوءا. كما ان نشوء سباق تسلح نووي في المنطقة سيكون من شأنه جرّ المنطقة والعالم الى آفاق مجهولة وستكون المخاطر كبيرة بالنسبة للجميع.
خارجيات
المسؤولون الإيرانيون مستمرّون في «المراوغة والتملّص» والعقوبات تواصل تأثيراتها
«نافذة» الفرصة الديبلوماسية لن تبقى مفتوحة إلى الأبد أمام طهران
06:36 ص