يقول الحكماء بأن الله تعالى إذا أراد بإنسان خيراً سلط عليه لسان حسود ينتقده، فانتشرت محاسنه، هذا ما حدث في فيلم «فتنة» الذي أخرجه النائب الهولندي «فيلدرز»، فقد جاء بردات فعل عكسية لما أراد منتجه من ورائه، حيث شهدت المكتبات الهولندية اقبالاً غير عادي على شراء المصحف الشريف المترجم إلى الهولندية، ما أدى إلى نفادها من السوق، كما رحبت الصحف الهولندية بردود الفعل الهادئة والمتزنة للجالية المسلمة على الاستفزاز الذي أحدثه الفيلم، وأبرزت صحيفة «ذي تلغراف» حملة الرد على الفيلم التي تمثلت في ورش عمل حوارية بين المثقفين والإعلاميين الهولنديين، كما فتحت المساجد الهولندية أبوابها للرد على استفسارات الهولنديين وهددت شركات هولندية بمقاطعة «فيلدرز» إذا أدى بث فيلمه على شبكة الإنترنت إلى مقاطعة للبضائع الهولندية.كذلك فإن هذا الفيلم الفتنة قد حرك كثيراً من الدول المسلمة للدعوة إلى مقاطعة هولندا والدفاع عن دينها وعلى رأسها ماليزيا، لكن الأهم في الموضوع كله هو أن ذلك النائب الحاقد لم يجد من الهولنديين من يخرج او يسوق فيلمه او يعرضه في دور السينما أو المكتبات وغيرها، ما اضطره إلى اللجوء إلى شبكة الانترنت لعرضه، وهو ما يدل على ان في الغرب عقلاء كثيرين نستطيع كسب ودهم وتعاطفهم لقضايانا، كما أن سلاح التهديد بالمقاطعة الاقتصادية له تأثير كبير اذا احسنا استخدامه.
ثورات الخبزفي مصر واليمن اضرابات ومظاهرات عارمة لشعوب جائعة ضاقت بها سبل العيش ولم تجد غير تلك الطرق للتنفيس عن غضبها، ولئن كنا ندرك بأن تلك الطرق لا تقود إلى الحلول المنشودة، لكن تلك الصورة القاتمة تنبئنا عن حجم المشاكل التي تمر بها بلادنا العربية التي تتمتع بأعظم الخيرات في العالم كله وتسبح فوق بحر من النفط والمعادن الثمينة ويمر ببلادها مئات الأنهار، فمن يصدق بأن أقل من ثلث سكان الصين (وهم العرب) تمتد ديارهم على مساحات تفوق الصين مرات عديدة، ثم يعيش شعوبها في ذلك الفقر والعازة ويصل إلى حد الانفجار؟! ومن يصدق بأن مصر - ذلك البلد الزراعي - تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وبأن سعر رغيف الخبز العادي يبلغ جنيها بينما راتب خريج الجامعة لا يزيد على 200 جنيه شهرياً؟!هل نستطيع القاء اللوم على الفساد السياسي في بلادنا العربية لكل ما يحدث من أزمات، أم أن تفكك الدول العربية وعدم التكامل بينها هو السبب، فبينما تعاني دول عربية من التخمة والفوائض المالية التي لا تدري ما تفعل بها تعاني شعوب اخرى من الفقر والفاقة، أم ان السبب هو استمتاع البعض بتجويع الناس ومنع الخيرات عنهم لكي يظلوا تحت رحمته ولكي ينسوا قضاياهم المصيرية وينشغلوا بكسب العيش؟! أياً كان السبب فالنتيجة واحدة وهي أننا اصبحنا ابطالاً لثورات الخبز في بلادنا.
د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com