في 9/4/ 2003 سقط نظام صدام حسين الديكتاتوري بعد أكثر من ثلاثة عقود حكم فيها العراق وشعبه بالحديد والنار وبأساليب إرهابية لا نظير لها في التاريخ، فشن الحروب وأهدر الثروات وأرجع العراق قرونا من التخلف والبؤس والانغلاق، وحول العراق إلى سجن كبير وأجبر أكثر من خمسة ملايين من خيرة أبناء شعبنا كفاءة وإبداعا على ترك وطنهم إلى ذل المهاجر وألم فراق الوطن والأحباب، لكن العراقيين مبدعون بالطبيعة فأثروا مكتبات العالم بمؤلفاتهم وأبحاثهم وكانوا الأوائل في الطب والهندسة والفيزياء والمعمار والثقافة والآداب والفنون، وكما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: «إذا أردت أن تكون شاعرا كن عراقيا» فنالوا الجوائز والتكريم من المحافل كافة، وأصبحوا جميعهم معارضين ومناضلين لإسقاط الديكتاتورية كل من موقعه ووسطه ومكان عمله ونشاطه، ولذلك فإن عملية إسقاط نظام صدام ما كان لها أن تنجح لولا ذلك التراكم الكمي والنوعي من نشاطات وكفاح المعارضين الشرفاء في داخل العراق حيث الصمود الاسطوري والعمل السري ومواجهة أقصى أنواع القمع والاضطهاد، أم في المنافي حيث النشاط الذي لا حدود له.ويخطئ من يظن أو يشيع بقصد أو من دون قصد أن العراقيين لا يعرفون الديموقراطية والانتخابات وتداول السلطة إذ ان لهم تراثا غزيرا وتجارب ومهارات رائدة وغير مسبوقة في هذا المجال فأول قانون ديموقراطي في العالم هو قانون «أمور نامو» صدر قبل عشرة آلاف عام من الميلاد أي قبل قانون حمورابي، وجرى بموجب هذا القانون انتخاب مجلسين: مجلس العموم ومجلس الشيوخ وبقيت التجربة الديموقراطية راسخة في عمق العقل العراقي يتوارثها ويتناسلها جيل بعد جيل، إضافة إلى تجربة ممارسة الديموقراطية لأكثر من 37 عاما في العهد الملكي أي خلال الأعوام من 1921 إلى 1958، الآن مطلوب من القوى السياسية العراقية استثمار ذلك الانتصار، الذي تحقق بإسقاط نظام صدام، وإقامة نظام ديموقراطي مؤسساتي حقيقي باستلهام والتماهي مع التراث المجيد والمآثر الكبرى للعراقيين عبر التاريخ، والاستخدام العقلاني الأمثل والعلمي لثروات العراق وموارده الطبيعية والبشرية الهائلة، واعتبار الولاء للوطن والمواطنة والوطنية والكفاءة العراقية المعيار الثابت في النهج والنشاط العام من دون تمييز لأي سبب كان، وسيادة القانون على الجميع والتوجه إلى التنمية والبناء والإعمار، وإشراك جميع العراقيين في حكم بلادهم والتمتع بخيراته وموارده التي ليس لها نظير في دول العالم كافة من ناحية الغزارة والكم والتنوع العظيم.
حميد المالكي
كاتب عراقيhamedamalky@yahoo.com