|سهيل الحويك|
حوالي 22 سنة مضت على المباراة الاخيرة التي خاضها منتخب تحت ألوان علم المانيا الشرقية.
في 12 سبتمبر 1990، بعد اشهر على انتزاع المانيا الغربية كأس العالم في ايطاليا، فاز ماتياس زامر وزملاؤه على بلجيكا 2 - صفر في مباراة ودية كانت بمثابة البداية لاندماج الشرقية بالغربية، لتبصر المانيا الموحدة النور في ظل حطام جدار برلين الشهير.
بالنسبة إلى الالمان الشرقيين، ربما توقف الزمن في 12 سبتمبر 1990 اثر انتصار «شجاع» ومفاجئ على بلجيكا في عقر دارها في استاد «بارك - استريد» الخاص بنادي اندرلخت في العاصمة بروكسيل.
تلك المباراة الودية طغى عليها طابع خاص بالنسبة إلى زامر ورفاقه الذين كانوا يعون تماما ان القميص التي لطالما دافعوا عنه بشراسة وشرف، سيعلق نهائيا بعد مواجهة بلجيكا، في ذاكرة تاريخ ذهب ولن يعود.
احد الاعلاميين العشرة الذين رافقوا منتخب المانيا الشرقية في «رحلته الاخيرة» قال: «في بلادنا، لا حديث اليوم سوى عن البوندسليغه»، في اشارة إلى بطولة الدوري في الشق الغربي من البلاد، واضاف: «الحديث يتمحور على الاندماج في بطولة دوري موحد قوي، كما على قيام منتخب موحد على درجة كبيرة من الاقتدار»، بعد اندماج الاتحاد الالماني الشرقي بنظيره الغربي تمهيدا لقيام الاتحاد الالماني الموحّد.
لم تكن مجرد مباراة ودية بالنسبة إلى «الشرقيين»، بل نقطة في حجم محيط ستحولهم من لاعبين هواة تحت نظام شيوعي، صارم إلى محترفين تحت نظام رأسمالي حر، هذا في المبدأ.
زامر، صاحب الهدفين التاريخيين في مرمى ميشال برودوم، حارس مرمى منتخب بلجيكا، اعتبر بحق مثالا صارخا على تلك النقلة النوعية، فقد انتقل للتو من صفوف نادي دينامو دريسدن «الالماني الشرقي» إلى شتوتغارت «الالماني الغربي»، بيد انه استدرك: «هانزا روستوك، اف سي ماغدبورغ، لوكوموتيف لايبزيغ، اف سي كارل زايس يينا، ودينامو برلين هي من النوادي التي رفعت عاليا ألوان المانيا الخاصة بنا، اخشى على هذه الكيانات من الزوال بعد سنوات. الاعلان عن الدمج فاجأنا نحن الشرقيين، سيترك، لا محالة، آثاره السلبية».
يبدو ان زامر اصاب في تحليله، فتلك «النوادي - الرموز» هوت إلى الدرجات الدنيا في «المانيا الموحدة»، حتى ان بعضها اندحر في ظل نظام لا يعترف سوى بقوة المال وشراء النجوم وعقلية الاحتراف.
يقول ادوارد غايير، المدرب السابق لفريق دينامو دريسدن ومنتخب المانيا الشرقية (1989 - 1990): «ماتياس زامر، توماس دول، ارنست، اولاف توم واولف كيرستن مروا بالمانيا الشرقية ثم اصابوا نجاحا كبيرا في الشق الغربي، بيد انهم يعتبرون استثناء للقاعدة، كان ينتظر ان يشكل نجاح هؤلاء في الدوري الالماني الغربي حافزا بالنسبة إلى آخرين في المانيا الشرقية، لم تكن الحال كذلك لان غالبية اللاعبين الشرقيين افتقدوا القوة الذهنية والفنية واللياقة البدنية اللازمة، وهما ابرز الشروط الواجب توافرها في من يقرع باب البوندسليغه». ويتابع: «في المانيا الغربية، يكسب اللاعب اكثر بكثير مقارنة بما يحصل عليه في الشق الشرقي، فضلا عن الامتيازات المتباينة بينهما. في الغرب، يكون اللاعب مطالبا بتحقيق الكثير مقارنة بما يطلب منه في الشرق، عندنا، يعتبر الاعتماد على الفرد بمعزل عن غيره واقعا غير موجود في عقلية مجتمع قائم منذ سنوات على فكرة ان الدولة وحدها وبمكوناتها كلها هي الوحيدة القادرة على كل شيء.
ما كان بمقدور كرة القدم الالمانية الشرقية الذوبان بسلاسة في نظيرتها الغربية من دون ترك آثار سلبية، فالنظرة إلى الرياضة بين «المعسكرين» كانت مختلفة تماما، ثمة اختلاف في مفاهيم واساليب التدريب في السياسات الرياضية وانظمة تطوير المواهب، فضلا عن المخصصات المالية لهذا القطاع.
رياضيو البلدين نشأوا وفق مبادئ مختلفة تماما، ان في الشكل او المضمون، الامر الذي حال دون انطلاقهم واستمرارهم معا.
لم يبق سوى لمحات من تاريخ: التتويج المدوي لـ «اف سي ما غدبورغ» الالماني الشرقي بطلا لكأس الكؤوس الاوروبية عام 1974 على حساب العملاق ميلان الايطالي.
الميدالية البرونزية لمسابقة كرة القدم في اولمبياد ميونيخ 1972، الفضية في اولمبياد موسكو 1980، خصوصا الذهبية الناصعة في اولمبياد مونتريال 1976.
محطات تاريخية في مسيرة وطن لا شك في ان زامر ساهم، دون قصد، في اضمحلال ذكراه عندما قاد منتخب المانيا الموحدة عام 1996 إلى معانقة كأس الامم الاوروبية في العاصمة الانكليزية لندن قبل ان يحرز في العام نفسه جائزة «الكرة الذهبية».
زامر خاض 74 مباراة دولية، 23 في زي المانيا الشرقية و51 لحساب المانيا الموحدة، ويشغل حاليا منصب المدير الفني في الاتحاد المحلي للعبة، ولكن هل يشعر اليوم بانه ما زال شرقيا ام ان الدمج تسلل إلى عروقه؟
بين حنين زامر نفسه إلى 12 سبتمبر 1990، مرورا بتتويج المانيا الموحدة في «يورو 96»، وصولا إلى التضحيات الجمة التي بذلها «الالماني الشرقي» الآخر ميكايل بالاك في سبيل وطنه «الموحّد»، تبدو المانيا اليوم بعيدة كل البعد عن جدار معنوي يفصل ما بين شرقية وغربية.
... للتاريخ
شاءت قرعة مونديال 1974 الذي استضافت المانيا الغربية نهائياته ان يضع منتخب صاحب الضيافة مع جارتها المانيا الشرقية في مجموعة واحدة.
استحوذ اللقاء على كل الاهتمام خصوصا انه جمع بين منتخبين كان من المفترض ان يكون منتخبا واحدا لولا الحرب والتقسيم.
المانيا الشرقية فاجأت العالم بتغلبها على المانيا الغربية 1 - صفر في عقر دارها.
لم يكتب لـ «الشرقية» الاستمرار طويلا في البطولة وعاد منتخبها ادراجه إلى البلاد فيما استرجعت «الغربية» انفاسها وواصلت المشوار وانتزعت اللقب بفوزها على هولندا 2 - 1 في نهائي ميونيخ.
حوالي 22 سنة مضت على المباراة الاخيرة التي خاضها منتخب تحت ألوان علم المانيا الشرقية.
في 12 سبتمبر 1990، بعد اشهر على انتزاع المانيا الغربية كأس العالم في ايطاليا، فاز ماتياس زامر وزملاؤه على بلجيكا 2 - صفر في مباراة ودية كانت بمثابة البداية لاندماج الشرقية بالغربية، لتبصر المانيا الموحدة النور في ظل حطام جدار برلين الشهير.
بالنسبة إلى الالمان الشرقيين، ربما توقف الزمن في 12 سبتمبر 1990 اثر انتصار «شجاع» ومفاجئ على بلجيكا في عقر دارها في استاد «بارك - استريد» الخاص بنادي اندرلخت في العاصمة بروكسيل.
تلك المباراة الودية طغى عليها طابع خاص بالنسبة إلى زامر ورفاقه الذين كانوا يعون تماما ان القميص التي لطالما دافعوا عنه بشراسة وشرف، سيعلق نهائيا بعد مواجهة بلجيكا، في ذاكرة تاريخ ذهب ولن يعود.
احد الاعلاميين العشرة الذين رافقوا منتخب المانيا الشرقية في «رحلته الاخيرة» قال: «في بلادنا، لا حديث اليوم سوى عن البوندسليغه»، في اشارة إلى بطولة الدوري في الشق الغربي من البلاد، واضاف: «الحديث يتمحور على الاندماج في بطولة دوري موحد قوي، كما على قيام منتخب موحد على درجة كبيرة من الاقتدار»، بعد اندماج الاتحاد الالماني الشرقي بنظيره الغربي تمهيدا لقيام الاتحاد الالماني الموحّد.
لم تكن مجرد مباراة ودية بالنسبة إلى «الشرقيين»، بل نقطة في حجم محيط ستحولهم من لاعبين هواة تحت نظام شيوعي، صارم إلى محترفين تحت نظام رأسمالي حر، هذا في المبدأ.
زامر، صاحب الهدفين التاريخيين في مرمى ميشال برودوم، حارس مرمى منتخب بلجيكا، اعتبر بحق مثالا صارخا على تلك النقلة النوعية، فقد انتقل للتو من صفوف نادي دينامو دريسدن «الالماني الشرقي» إلى شتوتغارت «الالماني الغربي»، بيد انه استدرك: «هانزا روستوك، اف سي ماغدبورغ، لوكوموتيف لايبزيغ، اف سي كارل زايس يينا، ودينامو برلين هي من النوادي التي رفعت عاليا ألوان المانيا الخاصة بنا، اخشى على هذه الكيانات من الزوال بعد سنوات. الاعلان عن الدمج فاجأنا نحن الشرقيين، سيترك، لا محالة، آثاره السلبية».
يبدو ان زامر اصاب في تحليله، فتلك «النوادي - الرموز» هوت إلى الدرجات الدنيا في «المانيا الموحدة»، حتى ان بعضها اندحر في ظل نظام لا يعترف سوى بقوة المال وشراء النجوم وعقلية الاحتراف.
يقول ادوارد غايير، المدرب السابق لفريق دينامو دريسدن ومنتخب المانيا الشرقية (1989 - 1990): «ماتياس زامر، توماس دول، ارنست، اولاف توم واولف كيرستن مروا بالمانيا الشرقية ثم اصابوا نجاحا كبيرا في الشق الغربي، بيد انهم يعتبرون استثناء للقاعدة، كان ينتظر ان يشكل نجاح هؤلاء في الدوري الالماني الغربي حافزا بالنسبة إلى آخرين في المانيا الشرقية، لم تكن الحال كذلك لان غالبية اللاعبين الشرقيين افتقدوا القوة الذهنية والفنية واللياقة البدنية اللازمة، وهما ابرز الشروط الواجب توافرها في من يقرع باب البوندسليغه». ويتابع: «في المانيا الغربية، يكسب اللاعب اكثر بكثير مقارنة بما يحصل عليه في الشق الشرقي، فضلا عن الامتيازات المتباينة بينهما. في الغرب، يكون اللاعب مطالبا بتحقيق الكثير مقارنة بما يطلب منه في الشرق، عندنا، يعتبر الاعتماد على الفرد بمعزل عن غيره واقعا غير موجود في عقلية مجتمع قائم منذ سنوات على فكرة ان الدولة وحدها وبمكوناتها كلها هي الوحيدة القادرة على كل شيء.
ما كان بمقدور كرة القدم الالمانية الشرقية الذوبان بسلاسة في نظيرتها الغربية من دون ترك آثار سلبية، فالنظرة إلى الرياضة بين «المعسكرين» كانت مختلفة تماما، ثمة اختلاف في مفاهيم واساليب التدريب في السياسات الرياضية وانظمة تطوير المواهب، فضلا عن المخصصات المالية لهذا القطاع.
رياضيو البلدين نشأوا وفق مبادئ مختلفة تماما، ان في الشكل او المضمون، الامر الذي حال دون انطلاقهم واستمرارهم معا.
لم يبق سوى لمحات من تاريخ: التتويج المدوي لـ «اف سي ما غدبورغ» الالماني الشرقي بطلا لكأس الكؤوس الاوروبية عام 1974 على حساب العملاق ميلان الايطالي.
الميدالية البرونزية لمسابقة كرة القدم في اولمبياد ميونيخ 1972، الفضية في اولمبياد موسكو 1980، خصوصا الذهبية الناصعة في اولمبياد مونتريال 1976.
محطات تاريخية في مسيرة وطن لا شك في ان زامر ساهم، دون قصد، في اضمحلال ذكراه عندما قاد منتخب المانيا الموحدة عام 1996 إلى معانقة كأس الامم الاوروبية في العاصمة الانكليزية لندن قبل ان يحرز في العام نفسه جائزة «الكرة الذهبية».
زامر خاض 74 مباراة دولية، 23 في زي المانيا الشرقية و51 لحساب المانيا الموحدة، ويشغل حاليا منصب المدير الفني في الاتحاد المحلي للعبة، ولكن هل يشعر اليوم بانه ما زال شرقيا ام ان الدمج تسلل إلى عروقه؟
بين حنين زامر نفسه إلى 12 سبتمبر 1990، مرورا بتتويج المانيا الموحدة في «يورو 96»، وصولا إلى التضحيات الجمة التي بذلها «الالماني الشرقي» الآخر ميكايل بالاك في سبيل وطنه «الموحّد»، تبدو المانيا اليوم بعيدة كل البعد عن جدار معنوي يفصل ما بين شرقية وغربية.
... للتاريخ
شاءت قرعة مونديال 1974 الذي استضافت المانيا الغربية نهائياته ان يضع منتخب صاحب الضيافة مع جارتها المانيا الشرقية في مجموعة واحدة.
استحوذ اللقاء على كل الاهتمام خصوصا انه جمع بين منتخبين كان من المفترض ان يكون منتخبا واحدا لولا الحرب والتقسيم.
المانيا الشرقية فاجأت العالم بتغلبها على المانيا الغربية 1 - صفر في عقر دارها.
لم يكتب لـ «الشرقية» الاستمرار طويلا في البطولة وعاد منتخبها ادراجه إلى البلاد فيما استرجعت «الغربية» انفاسها وواصلت المشوار وانتزعت اللقب بفوزها على هولندا 2 - 1 في نهائي ميونيخ.