بسبب التغيرات الثقافية والاجتماعية المتسارعة والناشئة عن التجديدات والابتكارات التقنية، هناك كلمات أصبحت تستخدم بشكل مستمر منها الهُوية والتعددية، وبما أن العلاقة بين (التعددية) و(الهوية) هي علاقة نفي، لابد أن نجد عليها اختلافاً بل وخلاف ومؤيدون ومعارضون، وهذا يؤدي إلى ارتباك في إدارة العلاقة بين البشر، لأن حين يتسامح الناس تجاه التعددية بأشكالها المختلفة السياسية والاجتماعية والعرقية وغيرها، يفقد البعض الآخر الهُوية أي تنتفي هُويتهم ومن هنا يأتي الارتباك.
إن الهُويَّة هي مجموع من القيم والمبادئ والعادات والتقاليد والرمزيات وأساليب التأقلم وأسلوب تنظيم ردود الأفعال والرؤية العامة للحياة، التي يحملها شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، وغالبا ما تكون الهوية الثقافية فيها من السمات والقسمات المشتركة بين الشعوب لأنها تميز حضارتهم عن غيرهم.
عندما نحض ونحث الأفراد على الوعي بذواتهم لم يأت هذا من فراغ لأنه نابع من وعيهم بهويتهم وانتمائهم، ولأن إحساس الفرد بهويته قد يضعف ويضمحل وقد يقوى ويزيده صلابة للتمسك بهويته، كما هو شأن كثير من الناس الذين يهاجرون أو يذهبون للدراسة أو التجارة أو السياحة لبلاد تختلف عنهم في كل جوانب الحياة، هنا يبدأ التذبذب والتردد والصراع ما بين التمسك بالهوية وبين التخلي والانسلاخ منها.
من المهم جداً أن نعرف أن ليس هناك شعب من غير هُوية، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى فطرنا على إنتاج هوياتنا واكتسابها والمحافظة عليها، لذا الإنسان الذي يكون مشغولا باكتساب هوية جديدة غير هُويته السابقة تستغرق منه هذه العملية وقتاً طويلاً لأنه يحتاج إلى قيم ومبادئ وعادات وتقاليد جديدة يكتسبها ويتشربها لتصبح (هو) لأن الهُوية نسبة إلى الضمير (هو).
إن أردنا أن نتشبث ونتمسك بهويتنا ولا نفرط بها أو نحاول اكتساب غيرها حتى وإن انتقلنا لشعب يختلف معنا اختلافاً كلياً لا جزئياً بهويته لابد لنا من فهم مقومات الهوية عامة والهوية الإسلامية خاصة، وحتى لا تنكمش الهُوية الإسلامية عندما نعيش في مجتمع يتسم بالتعددية، ونجعلها مصدرا للنزاع والإرباك والصراع الداخلي الذي يحدث ما بين التكيف والتأقلم مع تعددية المجتمع وما بين التمسك بالهُوية الإسلامية.
فالهوية مثل الصحة لا نشعر بها إلا إذا كانت على غير ما يرام، وكثير من الناس يشتكي من ضعف الهُوية واعتلالها وهذا بسبب ضغوط العصر والتحديث الناتج عن التغيرات المتسارعة، ومن يستسلم لتلك الضغوطات ولا يلاحق التغيرات ويؤطرها بإطار هُويته الإسلامية حتما ستطرأ عليه تغيرات جذرية ومتلاحقة على أخلاقه وعاداته وأعرافه وقد يفقد هويته.
ما عليك إلا أن تبحث وتعي بذاتك التي هي منبع هويتك لتعيش بأمن واستقرار تتأنق بها في تجسيد هويتك في كل مفردات حياتك، وتشعر بنوع من النشوة وأنت تُمثل هويتك حتى وإن انتقلت لمجتمعات تتمتع بالتعددية وهنا حتما ستتكيف معها وتبث ثقافة التسامح والاحترام المتبادل وتنهض بالمجتمع وتصبح جذاباً لأنك لم تنسلخ من هُويتك.

منى فهد عبدالرزاق الوهيب
twitter: @mona_alwohaib
m.alwohaib@gmail.com