| بيروت ـ «الراي» |
... قبل صياح الديك رحل، فحلّ فجر «النهار» متشحاً بأسود الحزن على «عملاقٍ» لم تُركعه المصائب فصارع قدَره حتى بدا احد «أبطال التراجيديا الاغريقية»، الى ان صرعه الموت عن 86 عاماً كان خلال سبعة عقود منها مالىء عالم الصحافة وشاغل دنيا السياسة والديبلوماسية والفكر.
في 8 يونيو 2012، ارتسم خط النهاية لـ «عملاق الصحافة العربية» و«عميد الصحافة اللبنانية» الذي «راقصَ الموت» أربع مرات وبدا كأنه يعيش معه «تحت سقف واحد»، من دون ان يدري ان الشدائد كانت تكتب له في كل مرة فصولاً من «تراجيديا العظماء».
«معلّم النهار» الذي خرّج أجيالاً من الكتّاب والصحافيين وكان بحقّ صانع سياسات وعهود، حزم أعوامه بعد 38 يوماً أمضاها في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت لـ «ينتصر» بالموت على مرضه وينتقل الى عليائه فيلاقي «ربُ البيت» عائلته التي «ورثها» تباعاً: طفلته نايلة التي توفيت في السابعة اثر اصابتها بالسرطان، وزوجته الشاعرة ناديا حماده التي قتلها المرض نفسه بعد اربع سنوات (تزوجها في الخمسينات متحديا واياها كل التقاليد والاعراف كونها متحدرة من عائلة درزية عريقة من جبل لبنان) ومكرم الذي قضى في حادث سير في فرنسا وهو في ربيع العمر. اما المأساة الكبرى التي توّجت «الملحمة الانسانية» التي عاشها تويني فكانت في 12 ديسمبر 2005 حين اغتيل نجله جبران الذي كان في الثامنة والاربعين في تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من افراد عائلته الصغيرة.
نحو 62 عاماً أمضاها «ديك النهار» يعدّ الفواجع ويعضّ على الجروح التي كانت مع رحيل الزوجة وكل ولد ترسم ملامح «لعنة» شبّهها البعض بالتي «طاردت» عائلة كينيدي الاميركية.
لكن تويني الذي قالت «النهار» في نعيها له امس انه «باني مجدها وصانع ألق الكلمة والفكر وصانع الرؤساء والعهود والسياسات في زمن مجد لبنان ومجد الرجال، كما في زمن الاحداث الكبيرة وزمن الكبار الكبار»، قارع قدَره وكان يخرج من كل مصيبة بشجاعة مذهلة رافقته مع «انقضاض هذا القدر على جسده المتعب سارقاً منه القدرة على النطق وحارماً اياه الكتابة في سنواته الثلاث الاخيرة».
آخر عمالقة زمن الكبار في عالم الصحافة والسياسة في لبنان المولود العام 1926 في عائلة ارثوذكسية عريقة من الاشرفية والمتخرج في الجامعة الأميركية في بيروت في الفلسفة قبل ان يحصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة «هارفرد»، صدم لبنان برحيله غير المفاجىء ولكن المؤلم والذي طوى ستة عقود ونيف من الانخراط في الشأن العام بدأ العام 1951 حين دخل النوة البرلمانية وكان لم يبلغ الخامسة والعشرين (نائباً عن الشوف ثم عن بيروت ونائب رئيس مجلس النواب بين 1953 و1957)، قبل ان يتدرّج ليشغل مناصب وزارية مهمة، ويتولى مسؤوليات ديبلوماسية كمندوب لبنان الدائم في الامم المتحدة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في اوقات عصيبة تخللها خصوصاً اجتياحان اسرائيليان، وينظر اليه على نطاق واسع على انه «عراب» القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 1978 والذي دعا اسرائيل الى الانسحاب من لبنان، الامر الذي لم ينفذ حتى العام 2000. تويني، الذي بدأ عمله الصحافي وهو في بداية العشرينات في جريدة «النهار» التي اسسها والده العام 1933 وخاض بجرأته «معارك» كلفه بعضها دخول السجن، بقيت الصحافة «نقطة ضعفه وقوته» في آن، وقد فضّلها غالبا على السياسة التي أتقن «فنونها» وإن وفق قواعده التي تميّز فيها بتجرده وترفعه عن المصالح الخاصة الصغيرة.
وبعدما «تقاعد» من العمل السياسي وتفرّغ للكتابة والمحاضرات، أعاده اغتيال نجله النائب جبران تويني الى المعترك النيابي تحت ضغط محبيه والاوساط السياسية والشريحة الشعبية الواسعة الوفية لعائلته التي تمنّت عليه ان يصبح نائبا في البرلمان للمدة المتبقية من ولاية ابنه والتي تجاوزت ثلاث سنوات، وذلك من ضمن فريق 14 آذار الذي كان يشكل الاكثرية النيابية والوزارية في حينه. وهذا ما كان، حيث استمرّ تويني في هذا المقعد الى ان «سلّمه» الى حفيدته نايلة التي فازت في انتخابات العام 2009.
... قبل صياح الديك رحل، فحلّ فجر «النهار» متشحاً بأسود الحزن على «عملاقٍ» لم تُركعه المصائب فصارع قدَره حتى بدا احد «أبطال التراجيديا الاغريقية»، الى ان صرعه الموت عن 86 عاماً كان خلال سبعة عقود منها مالىء عالم الصحافة وشاغل دنيا السياسة والديبلوماسية والفكر.
في 8 يونيو 2012، ارتسم خط النهاية لـ «عملاق الصحافة العربية» و«عميد الصحافة اللبنانية» الذي «راقصَ الموت» أربع مرات وبدا كأنه يعيش معه «تحت سقف واحد»، من دون ان يدري ان الشدائد كانت تكتب له في كل مرة فصولاً من «تراجيديا العظماء».
«معلّم النهار» الذي خرّج أجيالاً من الكتّاب والصحافيين وكان بحقّ صانع سياسات وعهود، حزم أعوامه بعد 38 يوماً أمضاها في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت لـ «ينتصر» بالموت على مرضه وينتقل الى عليائه فيلاقي «ربُ البيت» عائلته التي «ورثها» تباعاً: طفلته نايلة التي توفيت في السابعة اثر اصابتها بالسرطان، وزوجته الشاعرة ناديا حماده التي قتلها المرض نفسه بعد اربع سنوات (تزوجها في الخمسينات متحديا واياها كل التقاليد والاعراف كونها متحدرة من عائلة درزية عريقة من جبل لبنان) ومكرم الذي قضى في حادث سير في فرنسا وهو في ربيع العمر. اما المأساة الكبرى التي توّجت «الملحمة الانسانية» التي عاشها تويني فكانت في 12 ديسمبر 2005 حين اغتيل نجله جبران الذي كان في الثامنة والاربعين في تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من افراد عائلته الصغيرة.
نحو 62 عاماً أمضاها «ديك النهار» يعدّ الفواجع ويعضّ على الجروح التي كانت مع رحيل الزوجة وكل ولد ترسم ملامح «لعنة» شبّهها البعض بالتي «طاردت» عائلة كينيدي الاميركية.
لكن تويني الذي قالت «النهار» في نعيها له امس انه «باني مجدها وصانع ألق الكلمة والفكر وصانع الرؤساء والعهود والسياسات في زمن مجد لبنان ومجد الرجال، كما في زمن الاحداث الكبيرة وزمن الكبار الكبار»، قارع قدَره وكان يخرج من كل مصيبة بشجاعة مذهلة رافقته مع «انقضاض هذا القدر على جسده المتعب سارقاً منه القدرة على النطق وحارماً اياه الكتابة في سنواته الثلاث الاخيرة».
آخر عمالقة زمن الكبار في عالم الصحافة والسياسة في لبنان المولود العام 1926 في عائلة ارثوذكسية عريقة من الاشرفية والمتخرج في الجامعة الأميركية في بيروت في الفلسفة قبل ان يحصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة «هارفرد»، صدم لبنان برحيله غير المفاجىء ولكن المؤلم والذي طوى ستة عقود ونيف من الانخراط في الشأن العام بدأ العام 1951 حين دخل النوة البرلمانية وكان لم يبلغ الخامسة والعشرين (نائباً عن الشوف ثم عن بيروت ونائب رئيس مجلس النواب بين 1953 و1957)، قبل ان يتدرّج ليشغل مناصب وزارية مهمة، ويتولى مسؤوليات ديبلوماسية كمندوب لبنان الدائم في الامم المتحدة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في اوقات عصيبة تخللها خصوصاً اجتياحان اسرائيليان، وينظر اليه على نطاق واسع على انه «عراب» القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 1978 والذي دعا اسرائيل الى الانسحاب من لبنان، الامر الذي لم ينفذ حتى العام 2000. تويني، الذي بدأ عمله الصحافي وهو في بداية العشرينات في جريدة «النهار» التي اسسها والده العام 1933 وخاض بجرأته «معارك» كلفه بعضها دخول السجن، بقيت الصحافة «نقطة ضعفه وقوته» في آن، وقد فضّلها غالبا على السياسة التي أتقن «فنونها» وإن وفق قواعده التي تميّز فيها بتجرده وترفعه عن المصالح الخاصة الصغيرة.
وبعدما «تقاعد» من العمل السياسي وتفرّغ للكتابة والمحاضرات، أعاده اغتيال نجله النائب جبران تويني الى المعترك النيابي تحت ضغط محبيه والاوساط السياسية والشريحة الشعبية الواسعة الوفية لعائلته التي تمنّت عليه ان يصبح نائبا في البرلمان للمدة المتبقية من ولاية ابنه والتي تجاوزت ثلاث سنوات، وذلك من ضمن فريق 14 آذار الذي كان يشكل الاكثرية النيابية والوزارية في حينه. وهذا ما كان، حيث استمرّ تويني في هذا المقعد الى ان «سلّمه» الى حفيدته نايلة التي فازت في انتخابات العام 2009.