احتار بان كي مون في كيفية توزيع اتهاماته واستنتاجاته حول ما يحدث في الشارع السوري من أساليب قديمة حديثة تتبع حالياً في مختلف المناطق الساخنة في سورية خصوصا العاصمة دمشق، فالانفجارات التي تحدث هنا وهناك أصبحت اللغة السياسية الجديدة التي تفرض مفرداتها على الساحة السورية والتي تدل على إفلاس سياسي حقيقي للنظام السوري سواء كان معنياً بتنفيذ هذه الانفجارات أو بعيداً عنها، فهو المسؤول الأول والأخير أمنياً وقانونياً عن هذه الانفجارات أمام المجتمع الدولي، كونه ما زال يمثل السلطة السورية أمام الأمم المتحدة على الأقل.
فبعد أن سارع السيد بان كي مون باتهام القاعدة في تنفيذ انفجاري دمشق الأخيرين كونهما يحملان البصمة القاعدية نفسها في أساليب التفجير، عاد يسحب اتهامه بشكل أسرع ليوجهه نحو طرف هلامي ضبابي لا لون له ولا رائحة ولا بصمة ولا دمغة وربما فضائياً وليس أرضياً، وهو ما أطلق عليه اسم الطرف الثالث مجهول الهوية الذي يقوم بتنفيذ أجندات خاصة لخدمة أهداف خاصة، في محاولة منه تبرير الإصرار الأممي على تنفيذ مبادرة أنان رغم كل القصور الذي شابها، وكل الخروقات التي انتهكت لمبادئها، وكل التجاهل المتعمد لنقاطها الستة التي لم ينفذ منها قيد أنملة على أرض الواقع.
فلو افترضنا حسن النية في تصريحات أمين عام الامم المتحدة، باعتبارها الوسيلة التي وجدها مناسبة للضغط على جميع الأطراف للالتزام بالخطة الأنانية (نسبة لأنان) التي لم يستطع أن يتفتق ميثاق الأمم المتحدة وجميع القوانين والمواثيق الدولية على حل آخر غيرها للأزمة السورية بعد أن ثبت عدم جدواها في ظل تعنت النظام السوري وتمسكه بالحل العسكري لإدارة الأزمة، أقول لو افترضنا حسن النية فإننا نتفق معه هنا على وجود هذا اللاعب الثالث الذي يمسك بالكرة الآن في ملعبه ويظهر مهاراته التخطيطية وقدراته التنفيذية أمام الطرفين الآخرين النظام والمعارضة، لكننا لا نتفق معه في محاولة رسم هالة من الغموض حول هذا اللاعب وعدم إظهار ماهيته، لأنه مما لا شك فيه أن لاعبين كثراً قد دخلوا على الساحة السورية لتعيث فيها فساداً، ولكل لاعب منهم طريقته الخاصة في تنفيذ خططه المكلف بها، وهذا الطرف الثالث لا يتعدى كونه واحداً من هذه الأطراف النشطة حالياً في سورية والتي تتمثل بالجهات التالية:
أولاً- الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أبدت تأييدها المطلق للنظام الأسدي في دمشق منذ بداية الثورة، بل أنها لم تدخر جهداً ولا مالاً في دفع دفة القيادة السورية نحو الجنوح عن طريق الحل السياسي للأزمة وتفضيل الحل القمعي المفضل لدى النظام الإيراني، وقد ثبت في أكثر من مناسبة تواجد العنصر الإيراني في كل أماكن الانتهاكات الإنسانية والآدمية لحقوق الشعب السوري، كما لم يعد يخفى على أحد الكم الهائل من المستشارين الإيرانيين العسكريين والأمنيين الذين يشاركون في وضع الخطط للقضاء على الحراك الشعبي السلمي ويشرفون بشكل مباشر على تنفيذها بمشاركة عناصر إيرانية وعتاد إيراني مميز مورد مباشرة من طهران، على ظهور السفن الإيرانية القادمة محملة بالسلاح والمغادرة محملة بالمعتقلين والشهداء السوريين.
ثانياً- حزب الله اللبناني الذي تحول من حزب إسلامي مقاوم إلى حزب أسدي مقاول، فبعد أن كنا نتغنى بأمجاده وبطولاته أمام العدو الإسرائيلي أصبحنا نراه مرتمياً أمام النظام السوري ارتماء اللبؤة أمام الأسد، وأثبت عملياً أنه لا يتعدى كونه جناحاً عسكرياً رديفاً لحزب البعث العربي الاشتراكي يلتزم بمبادئه المهترئة ويعتمد إيديولوجيته المستبدة، وقد ثبت تواجد عناصر من حزب الله في مختلف المناطق السورية الساخنة، كان آخرها حسب ما تداولته تنسيقيات الثورة السورية اقتحام أكثر من مئتي عنصر من عناصر حزب الله لبعض القرى الصغيرة في ريف مدينة القصير الحدودية، حيث قاموا بإنشاء الحواجز واعتقال العديد من سكان هذه القرى وتهجير العديد منهم، وذلك تحت مظلة الجيش السوري النظامي الذي أعطى غطاء عسكرياً لدخول هؤلاء العناصر، كما أن تفجيرات دمشق تشبه إلى حد كبير تفجير بيروت الكبير الذي أدى إلى مقتل رفيق الحريري والذي اتهم حزب الله بالتخطيط له وتنفيذه.
ثالثا- الميليشيات العراقية المختلفة القادمة من الحدود العراقية والتي اصبح تواجدها مؤكداً سواء ميليشيات المالكي وعناصره الداعمة للنظام السوري، أو ميليشيات مقتدى الصدر التي تعتبر الساحة السورية ساحة جهاد من الواجب الديني التوجه إليها، وكثيراً ما عبرت حافلات فيلق القدس الحدود السورية حاملة راية الجهاد والنصرة، وتحدث البعض عن تعرف السكان في المناطق المنكوبة على هوية هؤلاء في تلك المجازر الدموية التي ارتكبت بحق عائلات بأكملها في أحياء عدة من المدن السورية الثائرة.
رابعاً لا يستبعد وجود أطراف دخيلة أخرى تمثل توجهات ومصالح لبعض الدول او الجهات الداخلية أو الخارجية، فقد أصبحت الحدود السورية مفتوحة أمام تسلل كل من له مآرب في تأجيج الأوضاع السورية، كما لا يستبعد أن يظهر مستقبلاً تواجداً للمارينز الأميركي أو الموساد الإسرائيلي أو حتى عصابات المافيا الدولية.
و في كل الأحول ومهما كانت ماهية هذا الطرف الثالث، فإنه من المؤكد أن المسؤولية القانونية والأمنية تقع على عاتق النظام السوري تجاه تواجد هذا الطرف على الأراضي السورية، فهو المنوط به الحفاظ على أمن الوطن والمواطن وضبط الحدود وإفشال محاولات التهريب والتسلل، خصوصا وأنه ليس من مصلحة المعارضة السورية تواجد مثل هذه الأطراف التي تصب جميع أعمالها الإرهابية في مصلحة النظام السوري الذي يمتلك أكثر من عشرين فرعاً أمنياً لا تستطيع نملة أن تدخل الأراضي السورية دون علم أحدها على الأقل.
وهنا نستميح السيد بان كي مون عذراً، لأن الشمس لا تغطى بغربال، فالحدث لا يشوبه غموض، وتحليله منطقياً مرفوض. 

مها بدر الدين