للبناء قديماً نمط خاص به في كل بلد وأيادٍ كريمٍة تعمل به، نتطرق اليوم إلى أحد هذه السواعد المخلصة، امتهنت عائلة البحوه العمل في البناء وتوارثته منذ **زمن الآباء والأجداد وعاصرت تطوره عن كثب، نتطرق الى سيرة أحد أبنائها خليفة عبدالله البحوه أحد الأساتدة الذي يشار إليه بالبنان فنذكر المباني التي صممها وشيدها والانجازات التي قام بها، كما نتطرق الى المهام التي كلف بها من قبل الحكومة وهي تتناول كثيراً من مشاريع الحكومية التي كانت له بصمة فيها:
اشتهرت عائلة البحوه في البناء ومزاولته أباً عن جد فلا يذكر في الكويت في العقود الماضية أي مرافق ومنشآت للدولة في الماضي لابد من أن نذكر أفراد عائلة البحوه والكثير من مساكن الأهالي تولت بناءها، كما شارك جدهم ابراهيم واخوانه في بناء سور الكويت الأول ثم الثاني ثم الثالث على تفاوت بين هذه الأسوار في المدة الزمنية حتى قصر نايف الذي كان به مبنى الأمن العام الذي تولت بناءه عائلة البحوه وكذلك المساجد كان لهم دور في بنائها.
وشارك منهم في معركة الصريف خالد ابراهيم البحوه وكان ضمن القتلى الكويتيين في تلك المعركة التي كانت أيام الشيخ مبارك الصباح عام 1901.

المحكمة
حينما كان الشيخ عبد الله الجابر رئيسا لدائرة المحكمة والبلدية كانت هناك قضايا تعرض بها نزاعات بين الورثة تتعلق في العقارات والبيوت وتقدير أثمانها فاختار الشيخ عبد الله الجابر والد الاستاد خليفة البحوه الحاج عبد الله ابراهيم البحوه لهذه المهمة والتي كانت بمثابة لجنة «خبراء»، ومارس عمله بكل أمانة وإخلاص وكان له ختم خاص يذيل بها ما يعرض له من تلك القضايا وكان هو الوحيد في الكويت من يقوم في هذه المهمة الوطنية وذلك لما وهبه الله من معطيات وخبرة في مجال عمله سنين طويلة وسمعته الطيبة وسيرته الحسنة والامانة التي عرف بها.

الرياض
زار جلالة الملك عبدالعزيز بن سعود الشيخ أحمد الجابر الصباح وشاهد في قصر دسمان البناء الذي كان سقفه من شندل وبواري وقد أعجب بطريقة البناء وكيفية ترتيبه في هذه الصورة وهذا العمل يبرز اتقان ومعرفة من باشره وبناه... وقد لاحظ جلالة الملك ذلك الأمر لأن بناء السعوديين يعتمد بشكل أساسي على عروق النخل، بعد ذلك طلب من الشيخ أحمد الجابر أن يرسل له مجموعة استادية من الكويت لبناء قصر المربع قصر الملك فلبى الشيخ أحمد الجابر طلب الملك عبدالعزيز وتم ايفاد مجموعة من أهل البناء الاستادية كويتيين من المشهرين وقد مثل عائلة البحوه الاستاد سلمان ابراهيم البحوه وكان معه في هذه الرحلة ابنه محمد، والجدير بالذكر انه تمت الاستعانة بمحمد سلمان البحوه بعد تحرير الكويت لبناء الدروازات التي هدمت وكذلك سور قصر دسمان حيث كانت رغبة سمو الأمير الراحل جابر الأحمد ان تبنى على النمط القديم كما كانت فطلب من المهندس سلمان محمد البحوه ذلك فبلغ والده الاستاد محمد وتم جلب المواد السندل والبواري والمربع من قطر والبحرين وتم البناء، كل ذلك على النمط القديم تحت اشراف الاستاد محمد السلمان البحوه. كما تم ترميم مبنى القنصل البريطاني دكسن بناءً على تكليف وزارة الإعلام.

خليفة
ولد الحاج خليفة عبدالله إبراهيم البحوه في المنطقة الوسطى في القرب من فريج الزهاميل وكان بيت أسرته يتضمن ثلاثة بيوت كبيرة مقسمة إلى بيت خدم وديوان وبيت للضيوف الذين يوفدون عليهم من أجل الانخراط مع أسرته خلال مزاولة عملها في البناء وكان غالبهم من أهل نجد.
وافقت ولادته إنشاء أول مدرسة في الكويت وهي المدرسة المباركية والتحق بها في صغره فتعلم أصول القراءة والكتابة وامتاز عن غيره من زملائه بحسن الخط وجماله وأسلوبه الراقي في مخاطباته فلقد أخذ قسطاً وافراً من الدراسة في مدرسة المباركية.

التعلم
لقد شب خليفة عبدالله البحوه وهو يرى والده أستاد بناء فلا غرو ان يتعلم منه أصول هذه المهنة فالحياة كانت تتطلب من الإنسان في ذلك الوقت هناك أن يشق طريقه مبكراً فعاصر كثيراً من المباني التي تولى بناءها والده ومعه أخيه راشد منها قصور كثير من الشيوخ وتجار الكويت وكان العمل يستمر طوال العام ويتطلب منهم في بعض الأوقات الذهاب الى البحر ومنطقة عشيرج لجلب الصخور منها فلم يكن الأمر هيناً بل مرهق ومتعب والعناء ملازم له... أصبح مع مرور الوقت استادا مع والده وكانت عشرات العمال تقف كل صباح في البراحة التي أمام بيتهم فيخرج لهم ويختار ما يحتاجه منهم لمزاولة عمل البناء ومن لم يكن نصيبه اليوم أخذه من الغد... وفي بعض الأحياء قد يتطلب العمل خمسة عمال ويأخذ زيادة على هذا العدد من أجل إعانة هؤلاء الناس على الكسب.

الاستمرار
اتسعت خبرة الأستاد خليفة البحوه وتوسعت مداره وطور نفسه أكثر فأكثر حيث واكب كل جديد في عالم البناء وكان الجد والعزم والالتزام لا تنفك عنه وما المشاريع التي باشرها إلا دليل على نبوغه وتميزه في هذا المجال.

الأميري
حينما أرادت الحكومة الكويتية في عهد الشيخ أحمد الجابر بناء أول مستشفى حكومي في الكويت كلف الأستاد الحاج خليفة في هذه المهمة فكان هو المسؤول الأول عن هذا الصرح وقد تخلل تلك الفترة ظروف قيام الحرب العالمية الثانية التي تأثرت بها المنطقة حيث ان بناء انطلق في سنة 1945 لكن تلك الأزمة أوقفته ثم استؤنف العمل حين انتهاء تلك الأزمة 1947، وقد تولى الحاج خليفة البحوه تخطيطه وتصميمه ووضع الهيكلة المناسبة التي تجعل الصبغة الكويتية هي الطاغية عليه فيعكس الخصوصية التي كانت لها في البناء ولم يكن حينما كلف بالعمل الكبير في وقته أي جهة حكومية يُناط بها هذه الأعمال فدائرة الأشغال لم تؤسس بعد كما أن العمالة التي كانت تعمل معه هي كويتية لجميع أقسام البناء من حفر وتشييد ومساح ووضع جسور وأسقف وبعمل جاد تم الانتهاء منه سنة 1949 وهو يعتبر مفخرة كونه عملاً صمم وشيد بأيدٍ كويتية وانجازه بعمل راق في تلك الحقبة الزمنية التي كانت بها الإمكانات محدودة، وقد استخدم الاستاد خليفة البحوه لبناء هذا الصرح الطابوق والاسمنت وهما لم يكونا قد استخدما في شكل واسع في المباني الكويتية. وقد افتتحه المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح في 1949.

السكن
بعد بناء المستشفى الأميري صارت الحاجة ماسة لبناء سكن للممرضات فتم تكليف عائلة البحوه خليفة واخوه راشد في بناء ذلك السكن فصمم وخطط فكان تحفة هندسية فلم يكن في ذلك الوقت مهندسون في الكويت فتولى تخطيطه وبناءه والاشراف عليه وكان معه سواعد كويتية عملت معه جلبوا الصخر من منطقة عشيرج في الشتاء القارس وتحملوا المشاق من أجل لقمة العيش الكريمة.

الصدري
من الأمور التي كان لها الأثر في نقل الخدمات الطبية إلى مستوى أفضل حين بدأ التطور يدب في أنحاء الكويت بناء مستشفى الصدري الذي كان في منطقة الشرق وبجانبه مستشفى الولادة ولقد تولى الاستاد خليفة البحوه البناء والاشراف على هذين المبنيين وكذلك حين إنشاء مستشفى الصدري في منطقة الصليبخات أيضاً كان مشرفاً عليه من قبل الأشغال.

الشارع الجديد
لم تكن الكويت حتى منتصف الأربعينات تعرف الطرق المعبدة لذا كانت مياه الأمطار تسيل في الشوارع وتتجمع بها وهذا الأمر في جميع السكك والطرق ما يعيق الحركة بها وحين تم إنشاء أول شارع في الكويت الذي أطلق عليه الشارع الجديد كلف الأستاد خليفة البحوه بعمل مجرى للمنهول الذي تتجمع بها مياه الأمطار لكي يتفادوا فيضان المياه، وتعطيل الحركة في الشارع الجديد كان الأمر خارج ما عرف واشتهر به الاستاد خليفة البحوه لأنه ليس بناء مرتفعاً لكن ثقة المسؤولين ومعرفتهم باخلاصه والامكانات التي يتمتع بها من ذكاء ونظرة صقلها بالخبرة التي اكتسبها من ممارسته وملازمته لوالده وأعمامه الذين هم في عالم البناء أشهر من نار على علم... كانت أول خطة يقوم بها الاستاد خليفة نحو هذا التكليف وهو عمل مجرى لمنهول الشارع الجديد قيامه بعمل دراسة وافية ميدانية عملية هو تولاها بنفسه حيث أخذ يقيس منسوب مياه البحر عدة أيام ويوازي بينها وبين سطح البحر والمسافة بينها وبين الشارع الجديد وكانت النقطة التي اتخذها هي المحاذية للفرضة في القرب من قصر السيف بعد عدة أيام عرف بخبرته ودراسته الميدانية أعلى نسبة ارتفاع لمنسوب المياه ومنها أطلقت دراسته وتم تصميمه وبناؤه من اسمنت «كنكريت» وشيد مجرى المنهول بشكل تدريجي ينحدر بكل سلاسة فلا يعيق جريانه ولم يقتصر الأمر على ذلك بل جعل فوهته كبيرة جداً حتى ان السيارة الكبيرة تستطيع السير بها وكل ذلك من أجل منع أي انسداد إذا انهمرت مياه الأمطار غير المتوقعة في نسبتها المعتادة فالطاقة الاستيعابية لتصريف المياه في المنهول التي عمل خليفة البحوه كانت تفوق النسبة المعتادة لمياه الأمطار لكن الاخلاص واتقان العمل والنظرة المستقبلية التي يتمتع بها وانه يضع شيئاً صالحاً ليس لزمانه بل للأزمان المقبلة وقد عمل هذا المنهول وقضى أي تحسب قد يعيق الحركة في الشارع الجديد وجاءت بعده الشركات العملاقة ومؤسسات المقاولات الأجنبية وعجزت أن تعمل بمثل ما عمل رغم توافر الامكانات عندها لكن يظل خليفة البحوه بذكائه الوقاد وخبرته التي اكتسبها وتوجها في الاخلاص ومراقبة الله في عمله جعلته متميزاً عن غيره... كان في الأول الحفر هي من تتجمع بها مياه الأمطار والسيول لكن منهول الشارع الجديد نقله الاستاد خليفة البحوه بشكل حضاري لافت يواكب التطور من حفر تتجمع بين الفرجان إلى مجرى مائل ينحدر إلى البحر بصورة جديدة ومشرقة.

الهدوء
امتازت حياة الحاج خليفة البحوه في الهدوء وحبه للسكون وهذا خارج عمله لأن في العمل كان ينحو منحى الجد... اشترى ارضا في نقرة الطوارئ وجعل بها بيتا له وصممه على نمط مميز لأنه اتخذه متنزها له في وقت الربيع يخرج له ويقيم به أوقات الربيع والعطل كان يركن الى سكنه فمن عادته انه لا يخرج من بيته اذا عاد من العمل الا للضرورة، من بيته الى المسجد لا يتكلم الا بما هو مفيد ونطقه بالكلمة تكون في محلها وذات دلالة ومعنى. لبى نداء الله سنة 1955 وحج مع حملة الفهد وكان من مرافقيه في هذه الشيخ عبد الله النوري الذي ألف مؤلفا لحجته وذكر ان من مرافقيه الاستاد خليفة البحوه.

الهدامة
سنة 1954 وقعت على الكويت الهدامة الثانية التي اثرت على كثير من البيوت الطينية ما ادى الى سقوطها وسكنت الناس المدارس وقد أمر أمير البلاد في ذلك الوقت الشيخ عبد الله السالم بأن تتم معاينة البيوت التي تضررت وتقدر تكاليف ترميمها وشكلت لجنة لذلك وتم اختيار الاستاد الحاج خليفة البحوه بأن يكون احد اعضاء هذه اللجنة التي مارست دورها وعلى ضوء عملها تم صرف مبالغ لناس من اجل ترميم بيوتهم المتضررة.

أم مصده
وأراد الشيخ عبد الله السالم بناء بيوت دخل محدود للأهالي في منطقة ام مصده فكله بإشراف وبناء تلك البيوت فأتمها في فترة وجيزة، وجعلها على شكل نماذج عربية، وكان ذلك قبل هدم السور عام 1957.

الحكومة
حين تأسست الدوائر الحكومية ثم جاءت الوزارات في عهد الاستقلال كان الاستاد خليفة البحوه له دور في ذلك فلقد أسند اليه قسم الصيانة في دوائر عدة وكان من صميم عمله مراقبة ومتابعة المباني والمنشآت الحكومية، فلقد استعين به فلبى النداء بدءا بدائرة الصحة عندما كان يرأسها المرحوم الشيخ فهد السالم ثم بناء سكن موظفي شركة النفط حينما بدأت عمليات التنقيب عن النفط، ومبنى وزارة الدفاع في ساحة الصفاة، ومبنى الجمرك البحري ومشاريع كثيرة اخرى من أهمها: مبنى شركة الكهرباء، وفي عام 1961 عمل رئيسا لقسم الصيانة فيه بوزارة الاشغال العامة التي كانت تراقب وتباشر جميع مباني ومنشآت الدولة، وظل بها حتى تقاعد من العمل الحكومي سنة 1977، أما وفاته فكانت في اثناء غزو العراق للكويت وفي 1990/9/24 رحل بهدوء كما كانت حياته دائما.

دسمان

طلب الشيخ احمد الجابر حينما كان أميرا للبلاد الاستاد خليفة البحوه وقال له: يا بو خالد نحن اليوم في اول شهر شعبان وأنا أريد منك ان تقوم في بناء مسجد لنا في دسمان ولكن أريد ان أصلي فيه في اول رمضان فما كان منه الا ان قال لك ذلك وكانت المدة قصيرة جدا شهرا واحدا طلب الشيخ منه في اول شعبان ويريد ان يصلي فيه في اول رمضان. بدأ الاستاد خليفة البحوه عمله الجاد مع رجاله العاملين معه وشدوا المحزم ومن خلال العمل المتواصل والدؤوب طوال اليوم نهاره مع ليله فلم يطلع هلال رمضان الا والمسجد فتح أبوابه للمصلين لقد قطع على نفسه كلمة وأوفى بما قاله رغم قصر الوقت وفي بداية الثمانينات طلب سمو الأمير الراحل جابر الاحمد من الاستاد خليفة البحوه ترميم المسجد دون سواه وفعلا تم ذلك بإشراف ابنه الاكبر خالد خليفة البحوه.

الحدود
سنة 1961 حينما حدثت أزمة عبدالكريم قاسم طلب الشيخ عبدالله السالم من الحاج خليفة البحوه بأن يذهب في جولة ميدانية للحدود الشمالية ويحدد كم مركز حدودي تحتاج الدولة اقامته في تلك المنطقة من أجل تأمين الحدود بإنشاء هذه المراكز حتى يتم توزيع قوات كويتية عليها فذهب وقام بمسح ميداني وقدر الحاجة بإنشاء أكثر من 20 مركزاً حدودياً وتم بناؤها تحت اشرافه وجهزت خلال اسبوعين.

المخطط

كان الشيخ فهد السالم قد أتى بمخطط لقصره في السالمية من الخارج وأراد عمله في الكويت فاستعصى ذلك المخطط وكيفية تنفيذه في الكويت على كثير من المقاولين والمهندسين الذين أتى بهم الشيخ لذلك العمل فاستدعى الشيخ فهد السالم الاستاد خليفة البحوه وقال عندي مخطط وأود أن أنفذه وكان ذلك المخطط بشكل دائري وهذه الدوائر لها قاعدة تثبت رأي الاستاد خليفة المخطط ثم بخبرته وفكره الذي فاق أقرانه عمل على الطبيعة نقطة ارتكاز له ثم جاء بخيط وجعله دائريا على هذه النقطة ثم عمل دائرياً حول هذه النقطة وعمل قواعد مسلحة «صبة» وقسمها على الأرض على هذه الدوائر ثم أقام البناء بنفس المخطط الذي أتى به الشيخ، وعجز عنه كثير من المهندسين الذين استقطبهم الشيخ فهد السالم لاجل هذا المخطط).

النويصيب

قصر النويصيب، بناه الاستاد خليفة البحوه على طلب الشيخ فهد السالم في نهاية الخمسينات وكانت الصعوبة تكمن في قلة الامكانات فلقد حمل المعدات والمواد على سفن خشبية «دوبة» ونقلها على طريق البحر وأقام مدة ثلاثة أشهر وأتم بناء قصر الشيخ فهد السالم حتى أن الشيخ تعجب كيف تم إنجازه في مدة قصيرة ومكافأة من الشيخ فهد طلب من الاستاد خليفة أن يبني له بيتاً بجانبه وعلى نفقة الشيخ فهد ولكنه اعتذر وشكر الشيخ على ذلك.