«قال رجل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إنك تقول كلاماً يعيبه عليك السلطان، فلو أنك تحدثت في أمور العبادة... فقال أحمد: إنك من أصحاب العقول المستريحة»!. كثير منا ينزعج ويشعر بعدم استقرار ويصاحبه شيء من الخوف، ويحس بالضيق والحرج، ويكون مضطرب البال، إن واجهته مشكلة أسرية أو اجتماعية أو صحية أو... أو...، أو تثاقلت عليه الهموم، أو اعترضه أي عارض من عوارض الحياة، وهذا ما نسميه بالقلق وهو إما أن يكون قلقا عقليا أو قلقا نفسيا.
إن قلق العقل هو ذلك التشجع والتحفز الذهني الذي يولد عند صاحبه الشعور بالمسؤولية، لذا نرى صاحب العقل القلق يعسر ويصعب عليه الاندماج والانخراط في الواقع والاستكانة والاستسلام للظروف والأوضاع، دائم التفكير في كيفية تعديل وتصحيح وتغيير الواقع للقيام بواجباته وأداء مهامه بابتكار وإبداع، ويخشى أن يقع في الخطأ والزلل والذنوب، ويفكر في شؤون وأحوال مجتمعه وأمته، يقول علماء النفس.. إن صاحب العقل القلق يرى ما لا يراه الناس ويطمح إلى ما لا يطمحون إليه لذلك فإنه يشعر بنوع من المعاناة، لا يشعر به الإنسان العادي.
إن هموم الكبار كبيرة وعملاقة، وهموم الصغار صغيرة وضئيلة، الكبار نعرفهم من همومهم، فكل همّ يهتمّون به يولّد لديهم الهمة العالية، والرغبة النهمة، في التخطيط والعمل والانجاز للاتقاء إلى أوج السحاب، وشغلهم الشاغل كيف يؤدون مهامهم بإخلاص؟! وكيف يدنيهم هذا العمل من أسمى غاياتهم وهي رضوان الله سبحانه وتعالى عنهم، والفوز بجنانه.
إن قلق النفس هو نوع من التوتر وعدم الاستقرار والثبات الناتج من الخوف من شيء غامض ومبهم موجود، أو شيء في المستقبل غير موجود، القلق مهم في حياة الإنسان ومطلوب لتوازن الشخصية، ولكنه إن زاد عن حده سيصبح مشكلة وتحتاج إلى علاج، لأنه سيمنع صاحبه من النوم، أو يُضعف إنتاجيته أو يدفعه إلى العزلة.
أحياناً يكون الاستبهام والغموض هو مصدر القلق، وحين نقف على حقيقة ما يُقلقنا يزول القلق، وأحياناً يوقع القلق صاحبه في مصيدة الأوهام، وذلك لاضطراب إدراكه ووعيه، وهنا يحتاج الإنسان إلى مراجعة طبيب نفسي، إن الحياة فرصة فخمة وعظيمة للرقي، وفيها كثير من المباهج ومظاهر الفرح والسرور، فلا نستهين بها ونرضى بالعيش على هامشها، ولا بد أن نكون على علم ودراية كيف نتعامل معها حتى لا نخطئ فنتنفس أكدارها وشوائبها ومزعجاتها بدلا من صفائها ومهدئاتها.
غيّر نظرتك وفكرتك عن القلق وانظر له بالنظرة الإيجابية التي تجعل عقلك لا يستريح ويستسلم لكل أمر يمر به أو يرضى بواقعه من دون أن يطوره نحو الأفضل، وابذل جهودا إصلاحية وخيرية واضحة ومؤثرة في مجتمعك وأمتك، واتركها بصمة لمن خلفك، والأهم أن تفهم نفسك وتاريخك وواقعك والعالم من حولك، لأن التصورات والأفكار والمفاهيم العظيمة هي من تجعل عقلك لا يستريح وتجعل همومك هموم الكبار العمالقة الذين لا يقبلون العيش على أطراف الحياة متفرجين على سيناريوهاتها من دون صياغة وكتابة ذلك السيناريو بعقول ونفوس زكية لا ترضى بالدونية.
 
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib