| د. سليمان ابراهيم الخضاري |
 لا أدري إن كان غيابي عن الكتابة يوم الجمعة الماضي قد لفت انتباه الكثيرين، لكنه كان محل تساؤل من والدي وبعض الأقارب، ربما لاهتمامهم بما أكتب، أو - وهذا هو الأرجح - لما يثيره نشر «ابنهم» من مقالات في صحيفة كبيرة من مشاعر اعتزاز ونشوة!
وعلى كل، فقد كانت إجابتي لمن سألني عن الغياب هي في مقدار الانشغال في الموقع الإداري والإشرافي الجديد كرئيس للقسم الطبي في مستشفى الطب النفسي، وهي المهمة التي باتت تستهلك الجزء الأكبر من وقتي كل يوم، في طغيان عارم على جميع التزاماتي الأخرى، حتى الأسرية منها، وعذري في كل ذلك أن مهاما من هذا النوع تحتاج هذا القدر من الاهتمام في المراحل الأولية على الأقل حتى يتم تأسيس العمل وفق آلية مؤسسية واضحة لا يعود التأثير الفردي عندها بذلك الحجم الذي يحتاج تواجدا دائما.
هذا الانشغال لم يكن سلبيا بشكل مطلق، فقد كان فرصة للانشغال بشيء «ذي قيمة» في ظل كل هذه الضوضاء المزعجة - للنفس والروح قبل الأذن - التي انتشرت في البلاد خلال الأيام الماضية في أعقاب ما نُسب لأحد المغردين من تعرض لمقام النبي الكريم، وهو الحدث الذي أضحى ومما يشبهه من أحداث سابقة، وما سيطابقه من أحداث لاحقة، أنموذجا لما أضحى أكثر ما يشغلنا، و «أعذب» ما يطربنا!
ما زلت أتذكر الاتصال الهاتفي من شقيقي مساء ذلك اليوم وأنا متجه في حوالي السادسة مساء لمكتبي في كلية الطب، بعد يوم عمل شاق في المستشفى، وكان يوجه لي التساؤل باستغراب عن غيابي عن ساحة الحوار الملتهب على مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت، وعندما سألته عن السبب وأجابني، قلت له بعفوية: «ماكو شغل»!
في الحقيقة فإنني تفوهت بعدة عبارات ساخطة أيضا قد لا يجوز نشرها، لكن عبارة «ماكو شغل» هذه قد لخصت نظرتي الحالية تجاه الكثير من الأحداث المملة والخطيرة للأسف - التي أضحت القاسم المشترك في حياتنا السياسية والاجتماعية، فانشغالي بالعمل «الحقيقي» يساعدني في إدراك الكثير من الأمور وإعطائها حجمها الحقيقي، ولكن هذا يدفعني للشعور بالأسى على أبناء وطني الذين لا يتمتعون بنفس نعمة الانشغال بالأمور المهمة فعلا، والذين أصبحوا وقودا لصراعات وقودها الكراهية، ولا تلوح في الأفق بوادر لنهايتها قريبا!
كنت أتمنى فعلا أن تكون هذه الضوضاء شبيهة بمثيلاتها السابقة، وكنت على وشك أن أقسم أنها ستمر مرور الكرام، باعتبار إدراكي لطبيعة المجتمع الكويتي و«هبّاته»، إلا أن مؤشرا خطيرا استرعى اهتمامي، وهو ما رأيته من «اضطرار» للسيد عدنان عبدالصمد للرد على بعض السادة النواب في أمور تتعلق بما أثير من قضايا طائفية.
والسيد، ولا أحتاج هنا للتأكيد على الاختلاف الفكري مع شخصه الكريم وتياره المحترم، لكنه والجميع يعلم كان منذ بداية انطلاقاته السياسية شخصية تعمل على التقريب بين المذاهب والابتعاد عن كل ما يثير أي نوع من الحساسية الطائفية والاجتماعية، بل وقد كان كثيرا ما يُواجه بنقد لاذع من داخل الطائفة تجاه ما كان يتهم به من «تطرف» في الحذر من أي شيء قد يعكر صفو العلاقة بين الشرائح الاجتماعية في الكويت!
أقول هذا ليفهم القارئ جسامة ما يحدث في الكويت، فعندما يجد عدنان عبدالصمد نفسه بعد هذا التاريخ مضطرا للتصدي لدعاة الفتنة الطائفية عن طريق التذكير ببعض الحقائق التاريخية والاجتماعية والأرقام الخاصة بأعداد مساجد وحسينيات وغيرها...
فاعلموا عندها... أن الشق عود!

Twitter: @alkhadhari