| ابتسام السيار |
يقال: «اللي ماياخذ من ملته يموت بعلته»، و«ابن العم يرجّع الخطابة»، تلك بعض من الامثال الشعبية التي تمثل عن فضل زواج الاقارب... ففي مجتمعنا انتشر مايسمى بالعادات والتقاليد البالية أي تلك العادات التي لم تعد مقبولة والتي تُعتبر غير منطقية وأكثرها غرابة هي تلك العادة التي اتبعها أجدادنا وأورثوها للأحفاد ألا وهي تزويج البنت لابن عمها حصراً، بالرغم من تطور المجتمع وتقدمه واندثار مثل هذه العادات، إلا أنها مازالت متبعة في القبائل وضواحي المدن وعند العائلات العريقة التي ترفض التنازل عن مثل هذه العادات، فعندما تذهب لتخطب فتاة وتكون مناسبة من جميع النواحي وتتمناها أماً لأولادك يقول لك والدها... انتظر حتى أسأل أولاد عمها إن لم يكن أحد منهم يريدها له، فإن كان احد من أولاد عمها يريدها فلا تحل لك وحتى وان كانت هي تريدك وتوافق عليك، ولنفترض بأن والد الفتاة كان متفهماً وكان لايقبل بهذه العادات البالية وقبِل بك زوجاً لابنته، ولنفترض بأن أحداً من أولاد عمها يريدها فما الذي سيحصل برأيك؟، ستجتمع العشيرة كلها واقفة في وجهه ويتدخل كبار القوم ويطالبون والد الفتاة بالتراجع عن قراره وتزويج ابنته من ابن عمها، لأنه الأحق بها من الرجل الغريب... والسؤال هنا ماذا لو كانت هذه الفتاة المسكينة لاتريد ابن عمها ماذا لو كانت لاتراه مناسباً لها ماذا تفعل؟ برأيي إما انها تفتعل المشاكل للخلاص منه، او انها تستسلم للقدر الذي اختار لها أن تعيش في هذا المجتمع الذي ظلمها ويظلم الكثير غيرها... إن من العادات والتقاليد المتعارف عليها، أو كان عرفاً من الأعراف الاجتماعية التي ألفوها بتعودهم عليها، ومفهومهم السائد عن زواج الأقارب هو المحافظة على قيم الروابط الاجتماعية بالزواج وتماسك الأسر، والذي ينتج عنه زيادة الأولاد وكثرة النسل، والحرص على عدم خروج الفتاة عن طوق القبيلة بزواجها من قبيلة أخرى فتحرم من رؤية أهلها بحكم انتقالها مع زوج يسكن منطقة، قد تكون بعيدة فيفضل الآباء تزويج بناتهم لأقربائهم، وعدم تشجيع زواج الفتاة من خارج القبيلة بسبب الخوف من ان يكون الزوج عليه ثأر أو دم أو غير معروف الأصل، لذلك يفضلون الزواج من الأقرباء، فاستمرت هذه العادات الاجتماعية بمعناها المنطقي لسنوات حتى تغير الطابع الاجتماعي للزواج وانعكست هذه الأسباب الإيجابية إلى عوامل سلبية على الفتاة بسبب الجهل والغلو، وأصبحت شيئاً أساسياً في الزواج فأجبرت الفتاة إجباراً على الزواج من ابن عمها أو قريبها بالقوة وبالاكراه رغماً عنها... فأصبح يحجر على الفتاة منذ ان تكون طفلة صغيرة وفي سنواتها الأولى إلى ولد عمها أو يعقد قرانها عليه وهي لا تعي من أمر الزواج شيئاً، حتى إذا كبرت تزوجته رغماً عنها وهكذا يكون نصيب أغلب الفتيات في كثير من الأسر... فالبنت لابن عمها شاءت أم أبت وويل لها لو تجرأت ورفضته، فحينها ستدفع الثمن باهظاً لترغم في النهاية على الموافقة، وليبدأ بعدها مسلسل المشاكل والمصائب التي تصل في بعض الأحيان إلى حد القتل من دون رحمة أو شفقة، ثم هناك عادة اجتماعية منبوذة هي «الحيار» الغائبة الحاضرة المنتشرة في الريف، بل هي تدخل في تركيبة العائلة الريفية البدوية بشكل خاص التي تعتبر أصلح مناخ لنمو هذه العادة الذميمة، التي تحكم بالإعدام على سعادة الكثير من الفتيات بعمر الورود حرمن من حرية الاختيار للزوج الصالح عندما وجدن أنفسهن مجبرات على قبول ابن العم زوجاً مهما كانت أخلاقه، وان رفضن الأمر حكمن على أنفسهن بالبقاء عانسات حتى يقبل ابن العم فك الحيار، وغالباً لا يفعل ذلك... وهناك طرق عدة للزواج منها اولا يقوم الأب باختيار عروس لابنه منذ صغره من إحدى بنات أخيه حصراً، قد تكون من عمره أو تصغره بقليل ويكون ذلك بعلم جميع أفراد العشيرة وكنوع من الضمان يقوم الأب بقطع كمّ ثوب ابنة أخيه، ويحتفظ بهذه القطعة القماشية «الرِدن» في مكان أمين إلى أن يكبر العروسان الصغيران ويصبحان في سن الزواج، فيعلن زواجهما المنتظر من دون أي مراعاة لرأي ومشاعر الطرفين، والمغزى من قطع كمّ ثوب العروس هو «ربط البنت» من يدها حتى لا تخطب لغير ابن العم، وقد يأخذون البنت منذ الصغر لتعيش في بيت عمها عروسأ منتظرة لابن عمها.
ثانيا... عند خطبة الفتاة يرسل والدها الى أخوته يستشيرهم بـ«الحيار» إن كان لهم رغبة في خطبة ابنته أم لا فإن كان لأحد منهم رغبة أعلن الحيار والأولوية للأخ الأكبر وقد يمارس الأخ الأكبر الحيار على الأخ الأصغر... وهذه التراتبية تبدأ من الأخ الأكبر ثم الأصغر ثم الأبعد والأبعد الى ان تنتهي بأحد أفراد العشيرة إن كان الخاطب من غير عشيرة أو حتى على مستوى القبيلة، والقبيلة تضم عشائر عدة، ثالثا... هو الحيار الطارئ وقد يكون بسبب خلافات بين أولاد العمومة أو انتقام للرد على حيار سابق من قبلهم أو كراهية شخصية للخاطب والبنت إذا علم ابن عمها أنها على علاقة حب بهذا الشاب، أو أن تكون البنت قد رفضت ابن عمها سابقا... رابعا يمارس الحيار لدوافع دنيئة وهي الحصول على مبلغ من النقد من قبيل الترضية وهذا المبلغ يسمى أيضا «الحيار» فيقال فلان أخذ حيار ابنة عمه وقد انقرضت في الوقت الحاضر بشكل نهائي وبشكل عام انحسرت عادة «الحيار»، فصار يقتصر وجودها في بعض العشائر المتعصبة لتقاليدها بحجة الحفاظ على نقاوة دم العائلة واعتبارات أخرى بالية تصنع الحقد والعداوة بين الأقارب وتزرع الأشواك في حياة الأبناء... وكثيرة هي الحوادث المؤسفة، التي حدثت والتي ستحدث طالما نحن متجاهلون هذه العادة السيئة التي يرفضها الدين والعقل... قال الله تعالى: «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن»، والمعنى: لا يجوز لأولياء الأمور أن يمنعوا النساء من الزواج متى تحققت لهن الرغبة في شخص ما طالما توافر الوعي لدى المرأة وكان الرجل من ذوي الكفاءة لها، سواء كان الزوج ابتداء أو بعد طلاق... فإن المرأة هي التي تعيش وتلتقي بالرجل، وهما معاً المسؤولان عن حياتهما، ولا يصح التدخل بينهما إلا لإصلاح العضل تحكم في عواطف النساء ومشاعرهن، وإهدار لكرامتهن، بل هو إلغاء لإنسانيتهن من غير خوف من الله ولا حياء من خلق الله، ومن غير نظر في العواقب، ولا رعاية لحقوق الرحم والأقارب، مخالفة لدين الله والفطرة، مجانبة لمسلك أهل العقل والحكمة، ومجافاة للخلق الكريم، وسمي العضل عضلاً لما يؤدي إليه امتناع الأولياء من تزويج مولياتهم من الشدة والحبس والتشديد والتضييق والتأثير المؤلم، بل المؤذي للمرأة في نفسها وحياتها وعيشها،..والعضل مسلك من مسالك الظلمة الذين يستغلون حياء المرأة، وخجلها، وبراءتها، وحسن ظنها، وسلامة نيتها، وما ذلك إلا لعصبية جاهلية، أو حمية قبلية، أو طمع في مزيد من المال، أو أنانية في الحبس من أجل الخدمة. وليس من حق الولي أن يكره المرأة على الزواج من شخص لا ترغب فيه، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيداً قوياً على حق المرأة في اختيار زوجها بأمر ونهي وحكم. أما الأمر فقد جاء في صحيح الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها». وأما النهي ففي رواية صحيحة أخرجها مسلم: قال عليه الصلاة والسلام: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت»، إن حصر الزواج وحجره بأحد الأقارب من أبناء العم والمرأة لا تريده، أو أقاربها لا يريدونها، وحصرها في أقاربها أو حجرها عليهم إما أن يكون بتكبر من العائلة وتعال على الناس، أو أنه خضوع لعادات وتقاليد بالية، وحصر المرأة وحجرها على أقاربها وهم لم يتقدموا إليها، أو هي لا ترغب فيهم ظلم وعدوان وتمسك بالعصبية الجاهلية والحمية القبلية.

Sshaheenn@hotmail.com
@Follow Me :sshaheen9