| د. لطيفة جاسم التمار |
نشرت رواية «لمن تقرع الأجراس» للأديب آرنست همنغواي عام 1943، ويعتمد النص فيها على الفضاء الحسي الادراكي للشخصيات، وأفعال الحواس تراها علامة واضحة في سير الأحداث للنص كما أن توظيفها يتلاءم وطبيعة النص ما ينم عن براعة المؤلف «الأرض المنحدرة بلطف والريح التي تهب فوق رأسه في الأعالي». ثم نتعرف على الحدث الأهم في الرواية وهو الحرب الأهلية الاسبانية، من خلال شخصيتين البطلين المتورطين بعمليات تجسس في أرض العدو وما ينتج عن هذا الحدث من ارهاصات الخ، من اللافت للنظر تواري السارد في عملية قص الأحداث ما يجعل النص يتجه نحو المباشرة، فيساهم في اشراك المتلقي في عنصر الخبرة حتى يصبح عنصرا مشاركا في التعرف والكشف عن الأحداث. اذن في رواية «لمن تقرع الأجراس السارد متوارٍ ما يجعل السرد غير متجانس لأن السارد غائب.
على العكس من الرواية الأولى نجد رواية «حجر الرحى» لمارغريت درابل والتي نشرت عام 1965 نجد الراوي حاضر وهذا الحضور يعني لعملية السرد بأن السرد متجانس «لقد تميزت حياتي المهنية دوما بمزيج غريب من الثقة والجبن.غالبا يردد البعض، أن هذا المزيج هو الذي شغل حياتي». الدلالات المستقبلية واضحة في هذا النص بما يؤول الى تجربة حياة شخصية تعبر عن الشخصية الرئيسية. اذاً لابد أن نضع في الحسبان بأن السارد المتجانس هو عكس السارد غير المتجانس فالمتجانس يضع أمام عينه تجربته الذاتية، في حين غير المتجانس يحكي قصة أشخاص آخرين كما رأينا عند همنغواي. بالتالي فان عملية السرد عند درابل هي سرد نموذجي يحكي قصة السارد الشخصية والأحداث السابقة والحالية التي مر ويمر بها، والصورة المستقبلية التي يتنبأ بها. كل هذه الأحداث اقتطعت من حياته وبلغت كما هي عليه الآن، لكن من العيوب التي يمر بها السارد المتجانس التقيد بوجهة النظر الشخصية وتحجيم عنصر الخيال لدى السارد كما أن المباشرة مع المتلقي أيضا تحدد من عنصري الزمان والمكان فتجعل الشخصية حكرا على نفسها وهذا ما يسمى بعالم الحكي الداخلي، وهو غالبا ما يعاب عليه في عملية نقد الأعمال الأدبية والقصصية بشكل خاص. بينما في عملية السرد غير المتجانسة والتي أشرنا اليها في بداية المقالة فان عالم الحكي الخارجي يكون أوسع وأعمق، فالسارد هنا على علم بكل شيء، ويستطيع التحدث بأريحية في كل جوانب السرد والتعليق بحرية على الأحداث ما يفتح المجال أمام الخيال لكي يبدع ويتوغل بالابدع، من هنا تختلف عملية السرد بين السارد المتواري «غير المتجانس» والسارد «المتجانس». لكن المسؤولية الكبرى تقع على مؤلف العمل الروائي منذ البداية فهو الذي يختار وينتقي نوع السرد الذي يشكل فيه عمله الفني.

* دكتوراه في الأدب العربي الحديث
Latifa-altammrt@hotmail.com