نحن اليوم نلقي الضوء على مسيرة الشيخ حمد المحارب حيث نتطرق الى ولادته في الجهراء، ثم انتقال اسرته الى منطقة المرقاب وبها بدأ حياته العلمية فدرس في مدرسة الفلاح ثم أصيب بمرض الجدري ففقد بصره، لكن عزيمته لم تفتر فسار في ركاب العلم حتى اصبح قاضيا في امارة عجمان، وبعدما مكث فيها سنين طويلة ثم عاد الى بلده واكمل عطاءه بها. احاديث شيقة وممتعة نقضيها مع سيرته:
ولد الشيخ حمد بن محارب بن حمود الهين المطيري في قرية الجهراء العام 1914م وقد انتقل مع اسرته الى حي المرقاب في بيت ملاصق لمسجد هلال المطيري في فريج العليوة وكان آنذاك صغيرا في السن، وكان والده يعمل في التجارة بيعا وشراء، بدأت حياته العلمية منذ صغره حيث ادخله والده في مدرسة الفلاح التي انشأها الملا زكريا الانصاري وكانت تقع هذه المدرسة في سكة ابن دعيج وكان عمره حين بدأ في هذه الدراسة لم يتجاوز الثامنة وكان في هذا العمر مبصرا لم يصبه مرض الجدري.
تلقى العلوم الاولية حيث حفظ بعض سور القرآن الكريم والحديث الشريف ومبادئ الكتابة والقراءة واستمر في هذه المدرسة فترة طويلة واتقن خلالها مجموعة من العلوم من بينها النحو الذي كان بارعا فيه وكان مستحضرا لشواهده وكذلك درس ألفية ابن مالك وكذلك درس الفقه الذي اتقنه على مذهب الامام احمد واطلع على الكثير من المؤلفات من كتب الفقه واللغة وعلم النحو وكذلك كان بارعا في علم الميراث وتقسيمات المواريث فيه، وحين بلوغه عمر احد عشر عاما فقد بصره جراء مرضه بالجدري الذي اصابه وتمكن من عينيه وكان في تلك السنة قد عم هذا المرض في الكويت.
الطلب
لم يزد فقد البصر عند الشيخ حمد إلا عزما وهمة وتصميما على إكمال تعليمه وتحصيله العلمي فقد اتاه الله سرعة الحافظة وقوة البديهة لذلك استطاع بعد ان شارف سن الثامنة عشرة ان يرسخ قواعد المعرفة العلمية فانطلق في طلب العلم الى مراكز العلماء في المناطق المحيطة في الكويت منها الاحساء وبعض امارات الخليج فحلت رحالة في الاحساء وهي اول محطة رحل اليها وتلقى العلم فيها على يد الشيخ عبدالعزيز آل مبارك حيث درس عنده النحو والفقه وبعدها شد رحله الى البحرين ولم تطل اقامته فيها اكثر من شهر حيث غادرها الى قطر وكان سبب ذهابه الى قطر علمه بوجود الشيخ محمد المانع فيها حيث مكث عنده ولازمه مدة سنتين تلقى عنده النحو واللغة والفقه الحنبلي وقد نبغ في هذه العلوم وزاد تحصيله فيها بحيث اصبح قادرا على التدريس والافتاء.
دبي
غادر الشيخ حمد قطر متوجها الى امارة دبي والتقى فيها بالشيخ عبدالكريم البكري الذي كان يدرس في منطقة امارة عجمان فدعاه اليها فلبى طلبه وذهب اليه وفيها التقى بالشيخ عبدالله الشيبة الذي كان ايضا مدرسا فطلب منه ان يدرس النحو والفرائض عنده في عجمان وكان ذلك العام 1353 هـ واثناء هذه الفترة كان له لقاءات مع كثير من العلماء في تلك المنطقة كما اخذ يمارس تدريس النحو والفقه وتحفيظ القرآن الكريم في المدارس المتوافرة هناك وكانت مدارس على النمط القديم.
العودة
مكث الشيخ حمد في عجمان ما يقرب من العامين ثم عاد الى الكويت وكان ذلك في اواخر العام 1355 هـ ومنها انطلق الى الرياض لكي يطلب العلم عند الشيخ محمد ابراهيم آل الشيخ الذي كان من العلماء البارزين في ذلك الوقت فمكث عنده عاما كاملا ثم عاد الى الكويت بعدما زاد تحصيله العلمي فزاول نشاطه التدريسي في وطنه الكويت فافتتح مدرسة اسماها «مدرسة حمد» وكان موقعها في منطقة (المطبة) في شرق واستمر فيها لمدة سنة ثم انتقل الى منزل السيد عبدالإله القناعي ومارس التدريس في ديوانية البيت وكان تدريسه يقتصر على حفظ وتعليم القرآن الكريم وكان الى جانب تدريسه يقوم بحل الخصومات بين الناس ويؤم المصلين في مسجد هلال اذا غاب عنه الامام وكان يقوم بتحفيظ الاطفال للقرآن الكريم بعد صلاة المغرب.
المغادرة
كانت الرحلة لعجمان لها اثر بنفسه لما لاقى فيها من حسن استقبال وحفاوة من اهلها فقرر العودة اليها مرة ثانية وبها عمل اماما وخطيبا وقاضيا حيث اسندت اليه وظيفة القضاء والافتاء مدة طويلة من الزمن وكان ذلك العام سنة 1358 هـ الموافق 1938م وقد تزوج حين اقامته في عجمان واستمر نشاطه العلمي في التدريس والخطابة والقضاء والمشاركات الاجتماعية وكان من جلساء اميرها الشيخ راشد النعيمي وكان له بصمات علمية واضحة في تلك الامارة وكان له تلاميذ كثر تلقوا على يديه العلوم الشرعية وعلوم اللغة (النحو).
واستمر بهذا الجهد حتى العام 1370 هـ الموافق 1950.
وعند زيارة صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله امارة عجمان فالتقى بالشيخ حمد في مجلس امير المنطقة الشيخ راشد النعيمي وعرف انه قاضي الامارة وانه كويتي فطلب اليه العودة إلى الكويت لاحتياج بلاده اليه فبادر الشيخ حمد للاستعداد بالعودة إلى وطنه.
الامامة
وبعد عودته من عجمان كان اول عمل قام به هو امام في مسجد السهول في منطقة الشامية ثم انتقل إلى مسجد هلال المطيري في المرقاب وكان هذا المسجد قد نشأ فيه الشيخ حمد وهو صغير، وعلى الرغم بان بيته بالنقرة الا انه كان يذهب بمفرده ويحاول العثور على سيارة تنقله إلى المرقاب حيث مسجد هلال وكان يجلس في المسجد من الضحى إلى بعد صلاة العشاء ثم يعود إلى بيته، وبعد فترة سكن بالقرب من المسجد ومع امامته للمصلين كان يخصص وقتا لالقاء الدروس في المسجد ويقوم بشرح بعض الاحاديث ويحل الخصومات بين الناس ويراجع كتب الفقه والحديث ويواصل كذلك قراءته للقرآن الكريم وكان يستقبل طلاب العلم في منزله يقرؤون عليه كتب الفقه والحديث وكان قوى الحافظة إذا قرأت عليه الصفحة مرة او مرتين يحفظها تماما وكان عفيف اللسان طيب الاخلاق مكرما لليتيم والمسكين ثم انتقل إلى مسجد عبدالرحمن بن عوف في منطقة خيطان اماما وخطيبا. ثم انتقل إلى اليرموك في اول انشائها وصار اول امام وخطيب بالمنطقة وكان اسم هذا المسجد «العمير» وظل فيه حتى وفاته 1983 رحمه الله.
المواصلة
كان من يقينه ان طلب العلم وتحصيله لا يتوقف فعندما علم بافتتاح معهد للامامة والخطابة لم يتوان في الالتحاق به وكان ذلك العام 1964.
وفي العام 1972 التحق بمعهد دار القرآن التابع لوزارة الاوقاف وانهى الدراسة العام 1978 ثم في هذه السنة نفسها التحق بمعهد الدراسات الاسلامية التابع لوزارة الاوقاف ثم مرض في اثناء دراسته هذه فلم يكمل الدراسة.


الشعر

كان للشيخ حمد المحارب اشعار كثيرة في مختلف موضوعات الحياة، لكنه لم يكن يحرص على جمع شعره تحرجا في ان يغلب عليه صفة الشاعر، فهو القاضي الفقيه المعروف.
وقال مخاطباً المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح بعد ادعاءات عبدالكريم قاسم سنة 1961م، عندما حشد جيوشه على الحدود لغزو الكويت:

ذلّت أعاديك بعد اليوم وانهزموا
وصار في عهدك الايام تبتسم
عبدالكريم فكم ثكلى تركت وكم
طفلا يئن وقد اودى به اليُتُم
مظالم منك في ارض العراق بدت
تجتاحه وهو في الويلات يصطدم
آل الصباح أسود سادة برزوا
بين الانام وكل منهم علم

وهذه حين اصابته بالروماتيزم.

لقد كان قبل اليوم رجلي قوية
أخلف خلفي من امامي واسبق
وان عاقني رمل عن المشي ساعة
ترى الرمل خلفي فوق رأس يُحلق
وذلك شرخ في الشباب عهدته
قوت فيه اضلاع وفي الوجه رونق
وعودت نفسي سرعة السير ماشيا
ولم ادر ماذا بعد حسن سيطرق
ينادونني لا تسرع السير انه
مضر فهلا انت بالسير ترفق
فقيد رجلي بالروماتيز خالقي
عسى خالقي من بعد ذا القيد يطلق

وقال في يوم العلم:

الا ان ليل الجهل اسود دامس
وان نهار العلم ابيض شامس
فتشقى حياة ما لها من ملب
وتشقى بلاد ليس فيها مدارس
تنام بأمن امة ملء جفنها
لها العلم من كل الحوادث حارس
وما العلم الا للبنين سعادة
يفوز بها حر اديب ممارس
ومن ضيعّ الدرس النفيس فانه
غبي جهول في البرية خانس
وتحيا عليه امة مثلما حيا
على الماء غرس انت بالامس غارس

وهذه أبيات في يوم الصحة العالمي:

انهض سريعا إذا ما مسك الألم
إلى الطبيب ففي اهمالك الندم
ففي الكويت مصحات لنا فُتحت
فيها الشفاء لداء مسه عدم
هب الأطباء من علياء همتهم
نحو العلاج فلم يعجزهم سقم
نظافة الجسم إشعار بصحته
حياته لم تزل بالعيش تنتظم
فكم مريض يقاسي من تألمه
وعكا شديدا يكاد الجسم ينهدم
نال الشفاء فلا سقم يضايقه
فعاد وهو قرير العين يبتسم
لذاك حق لنا يوما نعظمه
بالاحتفال وذاك اليوم يُحترم