| د.مبارك الذروه |
لم يعد الإسلاميون حطب دامة خارج قواعداللعبة السياسية كما كانوا في السابق، بل اضحوا رجال دولة يشاركون ويؤسسون للقرارات المصيرية في الدولة!! وهذا مربط الفرس!
الكل يعلم ان التيار الاسلامي عريض جداً يحمل بين دفتيه فصولا متنوعة ومتباينة احيانا من صفحات الفكر الاسلامي... مشاربهم ومواردهم الفكرية مختلفة وان كان منبعهم واحد!
وبمجرد النظر الى البرلمان الكويتي ندرك هذا التنوع في ألوان الطيف السياسي الاسلامي...! ونحن هنا نسمي هذا الفوج العريض مجازا بالتيار الاسلامي دون تقليل من شأن التيارات الاخرى المحافظة او المختلفة فكريا معها... لكن جرى العرف بتسميتها كذلك فلنعذر...!
لكن ثمة امر لا بد ان يهتم به ذلك التيار الاسلامي السياسي! وهو منهجية التعامل مع ملفات مهمة وعويصة في الدولة!
ان إشكاليات تلك الملفات بمجملها هي إشكاليات إدارية وفنية ودستورية وليست إشكاليات فقهية وشرعية!
وهو مطالب اليوم في بأن يتعرف على الأدوات الادارية والقانونية والفنية ان لزم الامر... فاللشق السياسي في الممارسات البرلمانية قد لا يخضع لقواعد الحلال والحرام بقدر ما يدور حول قواعد المصالح والمفاسد...!
من هنا ننبه الى خطورة محاولة تكييف النصوص الشرعية قسرا على وقائع متغيرة ومستجدات قد تكون طارئة!اذكر اللغط الكبير بين العلماء، قبل عقدين من الزمان، حول قضية أطفال الأنابيب، وما أثير حينها، والفتاوى التي صدرت من تجريم وتحريم... وهو ناتج اصلا عن عدم تصور المسألة الطبية المستجدة حينها... وبعد زمن تغيرت الفتاوى وتم دعم المشروع!
ومثال اخر قريب من ذلك هو قانون مشاركة المرأة السياسية الذي وقفت الحركة الاسلامية بشيوخها ونوابها ضده ربما من باب الاحتياط! وسد الذرائع! على تباين في درجة الرفض والاسباب والتي اصبحت اليوم جزءا اساسيا من العمل السياسي!
ما اريد ان أشير اليه باختصار هو اهمية عدم الاستعجال ومحاولة تصور القضايا المطروحة من زواياها السياسية والإدارية والدستورية اولا... ثم بعد ذلك يمكن النظر في الاصول العامة والنصوص وليس العكس!
فهناك قضايا مسكوت عنها كثيرة... رحمة بنا غير نسيان! فليس من الدين رفض المبادرات والمشاريع بحجة عدم ورودها في الشريعة!! والصحيح رفضها اذا نهت عنه او حذرت منه! اما اذا كانت المصلحة ظاهرة وسكتت عنه الشريعة فهذا هو الاسلام. فالأصل دائما في تحقيق مصالح العباد وهذا من اصول الشريعة الربانية ولذلك قالوا: (أينما كانت المصلحة فثم شرع الله)!! لانها قد تندرج تحت المصالح المرسلة او ما استحسنه الناس!! وقد تكون من العادات المحمودة.
لذلك نجد الفقهاء بعد النظر في النصوص جعلوا: الأصل في المعاملات الإباحة! والأصل في العادات العفو! والمصالح اما معتبرة ظاهرة الرجحان بإصلاحها او ملغاة ظاهرة الرجحان بفسادها او مرسلة لا دليل على تأييدها او منعها!!
والمقصود؛ ان النواب الإسلاميين اليوم هم رجال دولة، وعليهم ان يدركوا ان الاسلام منهج حياة لكل البشر على اختلاف أديانهم ونزعاتهم فهو ليس مدرسة اخلاقية فقط بل هو منظومة متكاملة تسعى لحفظ الاموال العامة والخاصة وتنمية موارد البلاد ومكافحة الفساد الاداري وتطوير ادوات العمل السياسي والدستوري وتقديم تشريعات إدارية وفنية تخدم الرؤية الأميرية المستقبلية!
ان التعامل مع ملفات التشريع الدستوري من خلال اصطحاب جدليات الفقه الاسلامي ونزاع الفقهاء قديما ومحاولة اسقاط النصوص الحديثة على الواقع امر يحتاج الى فهم طبيعة المرحلة التاريخية واحوال الناس وادراك سنن التدرج والتيسير وتحتاج قبل ذلك الى تكييف شرعي دقيق وفهم للاحداث السياسية ومشكلات التنمية الادارية والقانونية.
ومعروف ان المبادئ العامة للشريعة تسعى لحفظ مصالح الناس وعدم احراجهم إو التضييق عليهم.
من هنا نادت الشريعة بالاجتهاد لتحقيق مصالح العباد ( وانتم اعلم بشؤون دنياكم) كما اخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم!!
ارجو ألا يفهم من قولي تحليل الحرام او تحريم الحلال.. استغفر الله من ذلك! ولكن المطلوب السكوت عما سكتت عنه الشريعة، والالتفات لمصالح الناس كما هي واقعة وأعمال الاجتهاد البشري والخبرات الانسانية قدر المستطاع... على ضوء من مبادئ الاسلام الخالدة من عدالة ومساواة وحرية...
من هنا ننصح إخواننا في الكتلة الاسلامية العريضة عدم الانزلاق في أتون الصراع الفقهي وسحبه لصراعات السياسة والقانون والمشكل الاداري والاقتصادي!
 
Twitter:@Dr_maltherwa