في عام 1995 سافرت إلى الولايات المتحدة لعدة أسابيع، وكتبت من هنالك بعض المقالات لجريدة «الأنباء»، حاولت من خلالها بيان بعض الجوانب التي سبق بها الغرب بلادنا العربية ومنها ما سميته «التربية على القانون» حيث يربّون أبناءهم منذ الصغر على ان القانون له هيبته وقوته، وأن كسره يعتبر جريمة لها عواقبها الوخيمة، بينما في بلادنا نربي أبناءنا على كسر القانون ونعتبره مفخرة عند البعض.أذكر بأن أحد النواب السابقين وهو أخ عزيز وقف في المسجد بعد صلاة الجمعة وانتقدني. وقال بأني متأثر بالغرب وبأن نقدي لشعبي هو من مظاهر التأثر، وبالطبع لم أكترث لما قاله، لكني اليوم أقف لأرى بأن معضلة كسر القانون وعدم احترامه هي أم المشاكل التي نعانيها، بل إنها قد تفاقمت في السنوات الأخيرة حتى أصبح الناس يقولون: كفى فقد تدمرت حياتنا من كثرة كسر القوانين، والأدهى من ذلك هو الشعور الداخلي لدينا بأن كل ما يجري في البلد فالأصل فيه هو مخالفة القانون، فالتعيينات تجرى بالواسطة والرشوة والكفاءة لا فائدة منها، والبلد غارق في الفساد، لا شك أن ذلك الشعور مدّمر لنفسيات أحسن الناس حتى وان كان مبالغاً فيه، ويجر بالتالي الى الزيادة في التسيب وترك العمل واليأس من الاصلاح.لذلك فإن الناس قد أصيبوا بالدهشة عندما رأوا نواب الشعب المناط بهم تشريع القوانين ومراقبة تطبيقها ومحاسبة المقصرين في تنفيذها، رأوا هؤلاء أسرع الناس الى كسر القوانين والتمادي في اذلال السلطة التنفيذية وتهديدها ان هي طبقتها، الى درجة ان يتجرأ البعض بالتهديد بتكسير رؤوس من يحاولون ازالة المخالفات وتنفيذ القوانين على الجميع، وآخرون يتمادون في محاولة تشريع قوانين لنهب أموال الشعب تحت مسمى اسقاط القروض وتوزيع الثروة الى الدرجة التي جعلت غالبية الشعب تفرح لحل المجلس السابق حلاً دستورياً، فهؤلاء المؤتمنون على مصالح الشعب قد أوقعوا شرخاً كبيراً في جدار المجتمع بتصرفاتهم الصبيانية وغرورهم وأطماعهم.على الجانب الآخر، فإن حكومتنا لها الدور الأكبر في تربية الأجيال على كسر القانون في جميع مناحي الحياة، وأضرب مثلاً في أمر بسيط مثل أن تذهب لقضاء معاملة في مكان فتجد بأن ذلك المكان وكل ما حوله ليس فيه مواقف للسيارات فتضطر للوقوف في الأماكن المخالفة، أو تذهب لتخليص معاملة بسيطة ثم تقتطع الساعات من وقت دوامك، لأن المعاملة لا تتم الا في وقت الدوام الرسمي، أو قد تضطر الى احضار من يتوسط لك لانجازها، لأن التعقيدات أكبر من أن تستطيع تذليلها بنفسك، وهكذا.إن التربية على القانون تتطلب مجلسا وحكومة من نوع آخر وتتطلب فرض نظام تعليمي وتربوي تنشأ به الأجيال على حب القانون والتمسك به وربطه بمعتقداتنا الدينية وتراثنا.
د. وائل الحساويwael_al_hasawi@hotmail.com