مهمل المهادي كان معروفاً في قبيلته وذا رئاسة فيها شاعر وفارس نشأ ميسور الحال رفيع الجاه خرج المهادي للغزو في الصحراء مع مجموعة من بني قومه وفي هذه الرحلة تصادف أن مر على قبيلة أخرى من القبائل المعروفة،** صادف في مضارب هذه القبيلة فتاة بالغة الجمال لدرجة أن المهادي تأثر بها كثيراً ولم يستطع أن يفارق هذه القبيلة وأخفى القصة عن رفاقه واختلق عذراً تخلص به منهم وقال لهم اذهبوا انتم وأقنعهم بمواصلة الرحلة من دونه وبقي هو وحيداً في مضارب تلك القبيلة بحث المهادي عن أكبر بيت في القبيلة لأنه عادة ما تكون البيوت الكبار لرؤساء العشائر أو فرسانها أو شخصياتها المعروفة وضاف عنده فأكرمه صاحب البيت أيما إكرام ولم يعرف من هو والمهادي لا يدري كيف يتعرف على منزل هذه الفتاة التي سلبت عقله ولكنه بعد طول تفكير تظاهر بأنه مريض بالصرع والتشنج وهو بهذا يريد أن يجد شخصاً يساعده على معرفة الفتاة وأهلها وكلما جاء بقربه شخص تظاهر بالصرع وارتمى عليه واتكأ بكوعه عليه حتى يرى قوة تحمله لأنه يبحث عن شخص قوي ويتحمل مثل هذه المواقف وأكثر بعض هؤلاء القوم كانو اذا تظاهر بالصرع يبعدون عنه وبعضهم يرفعه عن جسمه ويجعل تحته مخدة أو وسادة والبعض يقوم ويتركه وفي احدى المرات جلس بقربه شاب أعجب المهادي به وتوسم فيه خيرا ورأى فيه علامات الرجولة وتظاهر بالصرع وارتمى عليه واتكأ بكوعه على هذا الشاب وبشده حتى يرى قوة تحمله والشاب صابر وكلما حاول البعض إبعاده يرفض الشاب وينهرهم قائلاً : هذا ضيف اتركوه عرف المهادي انه فعلاً وجد ضالته وهذا الشاب هو من يبحث عنه ليخبره في سره لعله يدله على تلك الفتاة وأهلها فلما أفاق المهادي من صرعه المصطنع وهدأ القوم، قام الشاب متجهاً إلى بيته تبعه المهادي واستوقفه في مكان خال من الناس واستحلفه بالله ثم أفضى إليه بسره وشكا له ما جرى بالتفصيل وأخبره من هو ووصف له الفتاة الوصف الدقيق ما جعل الشاب يعرفها من وصفه لها، قال له الشاب هل ستعرفها إن رأيتها فأكد له المهادي ذلك.. قال الشاب : هانت واصطحبه إلى بيته ووقفا بوسط البيت وصاح الشاب فلانة : احضري بالحال!! فدخلت فإذا بها هي من يبحث عنها فوقع من طوله لشدة الفرح أما الفتاة فقد عادت لخدرها بعد أن رأت أن هناك رجلاً غريباً كما هي عادة بنات البدو.. أما صاحب المهادي الشاب فهدأ من روعه وسقاه ماء وسأله أهي ضالتك فقال المهادي نعم قال الشاب هي أختي وقد زوجتك إياها فكاد المهادي أن يجن من وقع الخبر لأنه لم يتوقع أن يحصل على تلك الفتاة بهذه السهولة ترك الشاب المهادي في البيت وذهب لوالده ليخبره وكان والده رجلاً حكيماً فلما فرغ الابن من سرد القصة قال له الوالد اذهب واعقد لهما قبل أن يفتك به الهيام وبالفعل عقد له عليها وفي الليلة التالية كان زواجهما دخل الرجل على زوجته وأخذ يتقرب منها ويعلمها من هو ويخبرها بمكانته في قبيلته وأنه زعيمها ويعرفها بنفسه ويحاول أن يهدئ من روعها ليستميل قلبها وأفضى لها بسره وأنه رآها وسحرته بجمالها كل ذلك والعروس تسمع ولا تجيب والمهادي يتكلم وهي تزداد نفوراً وكان فطناً شديد الذكاء فقد لمس شيئاً عظيماً لمس حاجزاً تضعه زوجته بينها وبينه وتأكد حينما رأى دموعها تنهمر وهي لا تتكلم عرف أن وراءها قصة فتقرب منها واستحلفها بالله ألا تخفي عنه شيئاً.. ووعدها ألا يمسها بسوء وأقنعها بأن تحكي له فقالت : أنا فتاة يتيمة كفلني عمي وتربيت مع ابن عمي كنا صغيرين نلهو مع بعضنا وكبرنا وكبرت محبتنا معنا وقبل حضورك كنت لابن عمي الذي لا أستطيع البعد عنه لحظة واحدة وهو كذلك.. ولما حضرت أنت انتهى كل شيء وزوجوني إياك... طار صواب المهادي فقال وأين ابن عمك قالت هو مفرج الذي عقد لك وأفهمك أنني أخته وآثرك على نفسه لأنك التجأت له ولأنك ضيفنا كاد المهادي أن يفقد عقله لحسن صنيع ذلك الشاب فسكت قليلاً ثم قال لها أنت من هذه اللحظة حرام علي كما تحرم علي أمي ولكن أرجوك أن تخفي الأمر.
هدأ روع الفتاة ونامت ونام هو في مكان آخر وبقي زوجاً لها أمام الناس عدة أيام وبعدها طلب من أصهاره الرحيل إلى قبيلته ليتدبر شؤونه ويصلح أموره ثم يعود ليأخذ زوجته ورحل ولما وصل إلى قومه أرسل رسولاً إلى مفرج يخبره بطلاق زوجة المهادي وأنه لما عرف قصتهما آثر طلاقها وأن مروءته قد غسلت تأثير الغرام عليه وأنه سيبقى أسيراً للمعروف طالما هو حي.
وتم زواج مفرج من بنت عمه وعاشا زمناً طويلاً ولكن الزمان لا يترك أحداً على حاله.. فقد شح الدهر على مفرج وأصابهم القحط والجفاف فهلك الحلال وتبدلت الأحوال ومسه الجوع فلم يجد سبيلاً من اللجوء إلى صاحبه وصديقه المهادي خصوصاً وأنه ميسور الحال وبالفعل ذهب هو وزوجته ابنة عمه وأولاده الثلاثة ونزلوا عليه ليلاً وكان المهادي يتمنى هذه اللحظة وينتظرها بفارغ الصبر ليرد له الجميل عرف ما أصاب صاحبه وبان عليه الفقر وكان للمهادي زوجتان فأمر صاحبة البيت الكبير من زوجاته أن تخرج من البيت وتترك كل ما فيه لمفرج وزوجته وأولاده ولا تأخذ من البيت شيئاً أبدا وبالفعل خرجت من البيت بملابسها فقط وقبل خروجها قالت لزوجة مفرج أن لي ولدا يلعب مع رفاقه وإذا غلبه النوم جاء بقربي ونام وترجتها أن تنتظره حتى يعود وتخبره بخروج أمه من البيت ليلحق بها وبالفعل انتظرت زوجة مفرج ولد المهادي ولكن انتظارها طال وهي متعبة من طول السفر وغلبها النوم فنامت وحضر ولد المهادي فنام وتلحف بلحافها كعادته ظناً منه أنها أمه في هذه الأثناء كان مفرج والمهادي يتسامران الحديث ولما غلب على مفرج النعاس استأذن صديقه فسمح له وسار معه حتى دله على بيته الذي أصبح ملكاً له دخل مفرج في بيته وإذا في الفراش شاب يافع مع زوجته في فراش واحد فلم يتمالك نفسه فضرب الشاب ضربة شهق الفتى بعدها ثم فارق الحياة نهضت الزوجة مفزوعة مذعورة فقالت له قتلت ولد المهادي فقال وما الذي جاء به إليك فأخبرته بالقصة فرجع إلى رشده وأسقط في يديه فماذا يفعل كان لابد أن يخبر المهادي فهرول مسرعاً وأخبره بالحكاية وهو يكاد يموت من الحزن هذا والمهادي متماسك وهادئ ولما انتهى من كلامه قال له المهادي هذا قضاء الله وقدره ولا مفر منه كل ما أرجوه منك ألا تخبر أحداً بالقصة وتوصي زوجتك أن تكتم الخبر حتى عن أم الولد وحمل المهادي الولد ورماه في مكان اللعب حيث كان يلعب مع أقرانه وفي الصباح انتشر خبر مصرع ولد الأمير فقد كان المهادي أمير قومه وكل لا يجرؤ أن يخبر الأمير خوفاً من اتهامه له بالقتل ولما وصل الخبر للأمير اصطنع المفاجأة والغضب وشاط وتوعد وطالب القبيلة كلها بالبحث عن القاتل وفي المساء جمع القوم حوله وقال عليكم أن تدفعوا كلكم دية ولدي من كل واحد بعير واستجاب له قومه بكل سرور.. وجمع نحو سبعمئة بعير أدخلها جميعاً ضمن حلاله وأعطى أم الولد مئة بعير وقال لمفرج البقية لك ولكن اتركها مع حلالي حتى ينسى الناس القصة وبالفعل بعد مرور مدة عزل الإبل ووهبها لمفرج فنقلته النقلة الكبيرة في حياته من فقير لا يملك قوت يومه إلى غني من أكبر أغنياء القبيلة ومضت السنون والصديقان عند بعضيهما لا يفترقان فإذا دخلت مجلس المهادي حسبت أن مفرج هو صاحب المجلس والمهادي ضيفه والعكس صحيح ومرت السنون على هذه الحال الكل منهما يؤثر صديقه على نفسه ولكن لابد أن يحصل ما يغير صفاء الحال وكما يقال دوام الحال من المحال كان للمهادي بنتا بارعة الجمال أولع بها ولد مفرج فأخذ يحاولها ويتعرض لها بالغدو والرواح ويريدها بالحرام... والفتاة نقية، فأخبرت والدتها التي أخبرت بدورها المهادي والد الفتاة فأمرها المهادي بالسكوت إكراماً لمفرج والد الشاب وأمرها أن تتجنبه قدر استطاعتها فنفذت وصية والدها وهاهو يطاردها أربع سنوات متتالية وفي السنة الرابعة قالت لوالدها إن لم تجد لي حلاً فقد يفترسني في أحد الأيام هذا والمهادي لا يستطيع أن يعمل شيئاً إكراماً لصديقه مفرج... والشاب يزداد رعونة... فكان لابد من فراق جاره وصديقه ولكن كيف يصارحه... فاقترح المهادي على مفرج أن يلعبا لعبة بالحصى تسمى (( اللبيه )) كان كلما نقل الحجر قال لمفرج ارحلوا ولا رحلنا حتى انتبه مفرج لمقولة جاره... فأسرها في نفسه ولما عاد لزوجته أخبرها بكلمة المهادي ارحلوا ولا رحلنا فقالت له ان هناك أمراً خطيراً ولابد لنا من الرحيل فاذهب واستأذن منه فذهب مفرج للمهادي يستأذنه بالرحيل ولم يمانع المهادي إطلاقاً مع العلم أنه كان عندما يطلب الرحيل يرفض المهادي رفضاً قاطعاً وهذه المرة وافق بسرعة على رحيله وتأكد مفرج أن هناك أمراً خطيراً... رحل مفرج وهو يبحث عن الـسـر الخطير الذي من أجله قال المهادي كلمته وبعد أن ابتعد عن منازل قبيلة المهادي نزل ليستريح ويفكر بالسبب... ولكنه لم يهتدي لشيء لذا سرق نفسه ليلاً وامتطى فرسه وقصد المهادي ولما دخل مضارب القبيلة ربط الفرس وتلثم وجلس في مكان قريب من مجلس المهادي لعله يسمع شيئاً ويعرف سبباً لرغبته برحيله.. وأخذ يراقب... فلما انفض المجلس من حوله وجلس المهادي وحيداً ومفرج يراه وهو لا يرى مفرج تناول المهادي ربابته وأخذ يقول هذه الابيات وهي قصيدة طويلة اختصرنا منها :
الأجواد وان قاربتها ما تملها
والانذال وان قاربتها عفت ما بها
الأجواد وان قالوا حديثن وفو به
والانذال منطوق الحكايا كذابها
الأجواد مثل العد من ورده ارتوى
والأنذال لا تسقى ولا ينسقى بها
الأجواد تجعل نيلها دون عرضها
والأنذال تجعل نيلها في رقابها
الأجواد مثل الزمل للشيل يرتكي
والأنذال مثل الحشو كثير الرغا بها
الأجواد لو ضعفوا وراهم عراشة
والأنذال لو سمنو معايا صلابها
الأجواد يطرد همهم طول عزمهم
والأنذال يصبح همهم في رقابها
الأجواد تشبه قارة مطلحبه
لا دارها البردان يلقى الذرى بها
الأجواد تشبه للجبال الذي بها
شرب وظل والذي ينهقى بها
الأجواد صندوقين مسك وعنبر
لا فتحن أبوابها جاك مابها
الأجواد مثل البدر في ليلة الدجى
والأنذال ظلما تايهن من سرابها
الأجواد مثل الدر في شامخ الذرا
والأنذال مثل الشري مرن شرابها
الأجواد وان حايلتهم ما تحايلو
والأنذال ادنى حيلة ثم جابها
الأنذال لو غسلو ايديهم تنجست
نجاسة قلوب ما يسر الدوا بها
يارب لا تجعل للأجواد نكبة
من حيث لا ضعف الضعيف التجابها
قال المهادي هذه القصيدة على ربابته ومفرج يسترق السمع حتى فهم ما الذي جعل المهادي يقول له ارحلوا ولا رحلنا... عاد مفرج وركب فرسه إلى أهله خارج حدود القبيلة.
مفرج الآن تأكد أن السبب أولاده ولكنهم ثلاثة فأي الثلاثة صاحب الخطيئة فلجأ للحيلة فبدأ يقول لهم لما كنا في جيرة المهادي كان لديه ابنة جميلة ولم تتعرضوا لها لو كنت مكانكم وفي شبابكم لما تركتها وهي بهذا الجمال وأخذ يستدرجهم اثنان لم يجد عندهم شيئا خصوصاً وهما يعرفان ماذا عمل المهادي مع والدهما أما الصغير منهم فأجابه والله يابوي لو لم نرحل في ذلك اليوم لأتيتك بخبرها قال مفرج وهل سيكون ذلك برضاها قال الولد لا غصباً عنها قال أبوه كيف قال الولد كنت أريد أن أنتظرها حتى تخرج وحيدة ثم أهجم عليها يد فيها الخنجر أهـددهـا بـه ويـد فيـهـا الحبل حتى أربطها وبذلك لن تتـكـلم حتى انتهي منها وما أن انتهى الشاب من سرد القصة حتى قام أبوه مسرعاً وسحب سيفه وقطع رأسه وفصله عن جثته وترك الجثة مكانها وأخذ الرأس ووضعه في كيس وأرسله مع أحد أبنائه إلى المهادي وأوصاه أن يرمي الرأس بحجره ويعود دون كلام وبالفعل دخل الولد مجلس المهادي وسلم ورمى الرأس في حجره وعاد دون كلام وعاد إلى أهله تعجب المهادي لحسن صنيع مفرج فهذه المرة الثانية التي يغلبه فيها... فلحق به وأقسم عليه أن يعود وأعاده إلى مكانه وبقيا متجاورين متحابين حتى النهاية.
المصدر: منتديات قصيمي نت
هدأ روع الفتاة ونامت ونام هو في مكان آخر وبقي زوجاً لها أمام الناس عدة أيام وبعدها طلب من أصهاره الرحيل إلى قبيلته ليتدبر شؤونه ويصلح أموره ثم يعود ليأخذ زوجته ورحل ولما وصل إلى قومه أرسل رسولاً إلى مفرج يخبره بطلاق زوجة المهادي وأنه لما عرف قصتهما آثر طلاقها وأن مروءته قد غسلت تأثير الغرام عليه وأنه سيبقى أسيراً للمعروف طالما هو حي.
وتم زواج مفرج من بنت عمه وعاشا زمناً طويلاً ولكن الزمان لا يترك أحداً على حاله.. فقد شح الدهر على مفرج وأصابهم القحط والجفاف فهلك الحلال وتبدلت الأحوال ومسه الجوع فلم يجد سبيلاً من اللجوء إلى صاحبه وصديقه المهادي خصوصاً وأنه ميسور الحال وبالفعل ذهب هو وزوجته ابنة عمه وأولاده الثلاثة ونزلوا عليه ليلاً وكان المهادي يتمنى هذه اللحظة وينتظرها بفارغ الصبر ليرد له الجميل عرف ما أصاب صاحبه وبان عليه الفقر وكان للمهادي زوجتان فأمر صاحبة البيت الكبير من زوجاته أن تخرج من البيت وتترك كل ما فيه لمفرج وزوجته وأولاده ولا تأخذ من البيت شيئاً أبدا وبالفعل خرجت من البيت بملابسها فقط وقبل خروجها قالت لزوجة مفرج أن لي ولدا يلعب مع رفاقه وإذا غلبه النوم جاء بقربي ونام وترجتها أن تنتظره حتى يعود وتخبره بخروج أمه من البيت ليلحق بها وبالفعل انتظرت زوجة مفرج ولد المهادي ولكن انتظارها طال وهي متعبة من طول السفر وغلبها النوم فنامت وحضر ولد المهادي فنام وتلحف بلحافها كعادته ظناً منه أنها أمه في هذه الأثناء كان مفرج والمهادي يتسامران الحديث ولما غلب على مفرج النعاس استأذن صديقه فسمح له وسار معه حتى دله على بيته الذي أصبح ملكاً له دخل مفرج في بيته وإذا في الفراش شاب يافع مع زوجته في فراش واحد فلم يتمالك نفسه فضرب الشاب ضربة شهق الفتى بعدها ثم فارق الحياة نهضت الزوجة مفزوعة مذعورة فقالت له قتلت ولد المهادي فقال وما الذي جاء به إليك فأخبرته بالقصة فرجع إلى رشده وأسقط في يديه فماذا يفعل كان لابد أن يخبر المهادي فهرول مسرعاً وأخبره بالحكاية وهو يكاد يموت من الحزن هذا والمهادي متماسك وهادئ ولما انتهى من كلامه قال له المهادي هذا قضاء الله وقدره ولا مفر منه كل ما أرجوه منك ألا تخبر أحداً بالقصة وتوصي زوجتك أن تكتم الخبر حتى عن أم الولد وحمل المهادي الولد ورماه في مكان اللعب حيث كان يلعب مع أقرانه وفي الصباح انتشر خبر مصرع ولد الأمير فقد كان المهادي أمير قومه وكل لا يجرؤ أن يخبر الأمير خوفاً من اتهامه له بالقتل ولما وصل الخبر للأمير اصطنع المفاجأة والغضب وشاط وتوعد وطالب القبيلة كلها بالبحث عن القاتل وفي المساء جمع القوم حوله وقال عليكم أن تدفعوا كلكم دية ولدي من كل واحد بعير واستجاب له قومه بكل سرور.. وجمع نحو سبعمئة بعير أدخلها جميعاً ضمن حلاله وأعطى أم الولد مئة بعير وقال لمفرج البقية لك ولكن اتركها مع حلالي حتى ينسى الناس القصة وبالفعل بعد مرور مدة عزل الإبل ووهبها لمفرج فنقلته النقلة الكبيرة في حياته من فقير لا يملك قوت يومه إلى غني من أكبر أغنياء القبيلة ومضت السنون والصديقان عند بعضيهما لا يفترقان فإذا دخلت مجلس المهادي حسبت أن مفرج هو صاحب المجلس والمهادي ضيفه والعكس صحيح ومرت السنون على هذه الحال الكل منهما يؤثر صديقه على نفسه ولكن لابد أن يحصل ما يغير صفاء الحال وكما يقال دوام الحال من المحال كان للمهادي بنتا بارعة الجمال أولع بها ولد مفرج فأخذ يحاولها ويتعرض لها بالغدو والرواح ويريدها بالحرام... والفتاة نقية، فأخبرت والدتها التي أخبرت بدورها المهادي والد الفتاة فأمرها المهادي بالسكوت إكراماً لمفرج والد الشاب وأمرها أن تتجنبه قدر استطاعتها فنفذت وصية والدها وهاهو يطاردها أربع سنوات متتالية وفي السنة الرابعة قالت لوالدها إن لم تجد لي حلاً فقد يفترسني في أحد الأيام هذا والمهادي لا يستطيع أن يعمل شيئاً إكراماً لصديقه مفرج... والشاب يزداد رعونة... فكان لابد من فراق جاره وصديقه ولكن كيف يصارحه... فاقترح المهادي على مفرج أن يلعبا لعبة بالحصى تسمى (( اللبيه )) كان كلما نقل الحجر قال لمفرج ارحلوا ولا رحلنا حتى انتبه مفرج لمقولة جاره... فأسرها في نفسه ولما عاد لزوجته أخبرها بكلمة المهادي ارحلوا ولا رحلنا فقالت له ان هناك أمراً خطيراً ولابد لنا من الرحيل فاذهب واستأذن منه فذهب مفرج للمهادي يستأذنه بالرحيل ولم يمانع المهادي إطلاقاً مع العلم أنه كان عندما يطلب الرحيل يرفض المهادي رفضاً قاطعاً وهذه المرة وافق بسرعة على رحيله وتأكد مفرج أن هناك أمراً خطيراً... رحل مفرج وهو يبحث عن الـسـر الخطير الذي من أجله قال المهادي كلمته وبعد أن ابتعد عن منازل قبيلة المهادي نزل ليستريح ويفكر بالسبب... ولكنه لم يهتدي لشيء لذا سرق نفسه ليلاً وامتطى فرسه وقصد المهادي ولما دخل مضارب القبيلة ربط الفرس وتلثم وجلس في مكان قريب من مجلس المهادي لعله يسمع شيئاً ويعرف سبباً لرغبته برحيله.. وأخذ يراقب... فلما انفض المجلس من حوله وجلس المهادي وحيداً ومفرج يراه وهو لا يرى مفرج تناول المهادي ربابته وأخذ يقول هذه الابيات وهي قصيدة طويلة اختصرنا منها :
الأجواد وان قاربتها ما تملها
والانذال وان قاربتها عفت ما بها
الأجواد وان قالوا حديثن وفو به
والانذال منطوق الحكايا كذابها
الأجواد مثل العد من ورده ارتوى
والأنذال لا تسقى ولا ينسقى بها
الأجواد تجعل نيلها دون عرضها
والأنذال تجعل نيلها في رقابها
الأجواد مثل الزمل للشيل يرتكي
والأنذال مثل الحشو كثير الرغا بها
الأجواد لو ضعفوا وراهم عراشة
والأنذال لو سمنو معايا صلابها
الأجواد يطرد همهم طول عزمهم
والأنذال يصبح همهم في رقابها
الأجواد تشبه قارة مطلحبه
لا دارها البردان يلقى الذرى بها
الأجواد تشبه للجبال الذي بها
شرب وظل والذي ينهقى بها
الأجواد صندوقين مسك وعنبر
لا فتحن أبوابها جاك مابها
الأجواد مثل البدر في ليلة الدجى
والأنذال ظلما تايهن من سرابها
الأجواد مثل الدر في شامخ الذرا
والأنذال مثل الشري مرن شرابها
الأجواد وان حايلتهم ما تحايلو
والأنذال ادنى حيلة ثم جابها
الأنذال لو غسلو ايديهم تنجست
نجاسة قلوب ما يسر الدوا بها
يارب لا تجعل للأجواد نكبة
من حيث لا ضعف الضعيف التجابها
قال المهادي هذه القصيدة على ربابته ومفرج يسترق السمع حتى فهم ما الذي جعل المهادي يقول له ارحلوا ولا رحلنا... عاد مفرج وركب فرسه إلى أهله خارج حدود القبيلة.
مفرج الآن تأكد أن السبب أولاده ولكنهم ثلاثة فأي الثلاثة صاحب الخطيئة فلجأ للحيلة فبدأ يقول لهم لما كنا في جيرة المهادي كان لديه ابنة جميلة ولم تتعرضوا لها لو كنت مكانكم وفي شبابكم لما تركتها وهي بهذا الجمال وأخذ يستدرجهم اثنان لم يجد عندهم شيئا خصوصاً وهما يعرفان ماذا عمل المهادي مع والدهما أما الصغير منهم فأجابه والله يابوي لو لم نرحل في ذلك اليوم لأتيتك بخبرها قال مفرج وهل سيكون ذلك برضاها قال الولد لا غصباً عنها قال أبوه كيف قال الولد كنت أريد أن أنتظرها حتى تخرج وحيدة ثم أهجم عليها يد فيها الخنجر أهـددهـا بـه ويـد فيـهـا الحبل حتى أربطها وبذلك لن تتـكـلم حتى انتهي منها وما أن انتهى الشاب من سرد القصة حتى قام أبوه مسرعاً وسحب سيفه وقطع رأسه وفصله عن جثته وترك الجثة مكانها وأخذ الرأس ووضعه في كيس وأرسله مع أحد أبنائه إلى المهادي وأوصاه أن يرمي الرأس بحجره ويعود دون كلام وبالفعل دخل الولد مجلس المهادي وسلم ورمى الرأس في حجره وعاد دون كلام وعاد إلى أهله تعجب المهادي لحسن صنيع مفرج فهذه المرة الثانية التي يغلبه فيها... فلحق به وأقسم عليه أن يعود وأعاده إلى مكانه وبقيا متجاورين متحابين حتى النهاية.
المصدر: منتديات قصيمي نت