| ابتسام السيار |
من المتعارف عليه في مجتمعاتنا الشرقية عندما يبكي الطفل الصغير يقال له «عيب عليك تبكي انت رجال»، وكأننا نجعله منذ صغره حجرا جمادا خاليا من الاحاسيس والمشاعر... وكذلك عند بعض الناس الاعتقاد السائد ان البكاء للنساء فقط، وان الرجل لا يحق له ان يبكي الا في الظروف الصعبة التي يتعرض لها، ولهذا فان دموع الرجل وليس كل الرجال- طبعا ولكن القاعدة العامة منهم- دموعهم عزيزة جدا ولا تأتي الا بتراكمات من الهموم والاحزان، وقد تأتي الدموع وتتساقط بعد صراع شديد في داخل الرجل ما بين الظهور والاخفاء، فاحيانا يحاول الرجل ان يسيطر على نفسه ويكتمها ويكبلها بداخله حتى تموت ويكون هذا اصعب شيء، واحيانا اخرى تتغلب عليه وتتفوق وتجري من عينيه من دون ارادة مهما حاول ان يتحكم ولكن بعض النساء يصفن دموع الرجل بالضعف... ففي ظل عاداتنا وتقاليدنا اصبح بكاء الرجل دليلا على ضعفه أليس هو انسان بين جوانحه قلب ينبض يجد من الألم والحزن مال ليس به عليم، فالرجل هو الاب والاخ والزوج المدبر والمربي الصبور، الذي يملك طاقة من الصبر لا حدود لها، وهو انسان كتلة من المشاعر والاحاسيس، فهل ترون ان بكاءه عيبا او خدشا لرجولته وهنا نسأل أنفسنا... متى يبكي الرجل؟... هل يبكي عند موت عزيز؟... او فراق حبيب؟... اوعند شعوره بالظلم؟... او يبكي عند مواجهته لمشكلة او أمر ما يعجز عن حله؟... اوعندما يكون صاحب ضمير وقلب خاشع يبكي من خشيه الله؟... او يبكي بشعور بالندم؟... او يبكي جسديا عندما يشعر بألم ما؟... او يبكي من اليأس عندما يفقد الامل لامر ما؟
يعتقد الكثيرون ان بكاء الرجل ضعف منه، الا انه في الحقيقة ما هو الا وسيلة للراحة النفسية، وكثيرا ما نسمع البعض يقول ان الرجل لا بد ان تكون كرامته قوية بحيث يتماسك ولا يبكي امام الاخرين، ولا يضعف امام اي مشكلة تواجهه من دون ان يفرقوا في المفاهيم بين البكاء والضعف، فلا علاقة لاحدهما بالاخر، ويتناسون كذلك ان الرجل في النهاية انسان له قلب ينبض ويحتاج الى ان يعبر عن نفسه ومشاعره ويتنفس عن همومه، فطبيعة التفكير في مجتمعنا الشرقي تعتبر الرجل الذي يبكي كأنه استسلم وانه ضعيف الشخصية، فمع الاسف ان الرجل في مجتمعاتنا الذكورية تربى على ان البكاء عيب حتى اننا مازلنا نسمع الامهات يقلن لاولادها الصغار «لا تبك انت رجل»، بطريقة عفوية من دون ان ياخذن في الحسبان ان هذه العبارة ستجعل منه انسانا يدفع طوال عمره ضريبة عالية جدا لانه زرع في داخله ان البكاء ضعف، فالبكاء مثل الضحك... فالضحك تعبير عن الفرح والبكاء تعبير عن الحزن وما يختلج في نفس الانسان... لذلك ندعو للرجل ان يصرخ ويبكي ويحرر دمعته الحزينة ويذرفها بكل سخاء من دون خجل، فالبكاء دواء ناجع يشعر بعده الانسان براحة عجيبة، فلماذا يكتم الرجل التعبير عن حزنه؟ اهو عيب ام قدح في رجولته ام انه كبرياء؟ ان البكاء انفجار يحدث داخل جسم انسان نتيجة هذا الانفجار، اما ان يظهر فيخرج على شكل دموع او ان يكبته الشخص داخله فتحول الى حسرات واهات، قد تؤدي في النهاية الى دمار الصحة وهلاكها.
فالدموع معان كثيرة لا يعرفها سوى الرجل نفسه، فتلك الدمعة، التي تنزل من عينيه ليست بالهينة بل انها دمعة شجاعة منه يحطم بها كل معاني الكبرياء والمنعة، وقد تكون المرأة اكثر بكاء من الرجل، الا ان هناك مواقف لا تفرق بين المرأة والرجل مثل وفاة الاولاد والاقارب واحد الاصدقاء، واحيانا البعد عن الاهل فترة طويلة، ومع ذلك يبقى لبكاء الرجل خصوصية مختلفة تماما عن بكاء المرأة... فالمرأة تعودت على ان تذرف الدموع في كل مناسبة، ولكن الرجل لا تنحسر دمعه في عينيه الا اذا فقد شيئا ثمينا من حياته، لذلك فان الدموع التي تنزل من عيون بعض الرجال لا تعبر الا عن مشاعرهم الصادقة.
ولا يكون هناك دموع رجل وامرأة ففي الدعاء: «اللهم انا نعوذ بك من عين لا تدمع وقلب لا يخشع»، فالعين والقلب مترابطان والابعد من ذلك قد تكون العين هي مرارة القلب.
فعلميا الدموع ما هي الا رسالة موجهة من المخ الى الغدة الدمعية ناتجة عن انفعالات داخلية، وكم للدموع من قصص وحكايات فهي تحجرت في عين الامبراطور نابيلون بونابرت، وهو يقف حدادا فوق ربوة اهرامات مصر الشامخة مودعا اياها قبل رحيله الى فرنسا، وكانت دموع ووداع المجد، وهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم اعظم مخلوق على وجه الارض كان يبكي في بعض المواقف، وكانت تفيض عيناه بالدموع خشية عند تلاوة القرآن وخوفا على امته، وايضا بكى عندما توفيت زوجته السيده خديجة رضي الله عنها، وعندما استشهد عمه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه في غزوة احد بكى عليه كثيرا... ايضا سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه كان يبكي ويرق قلبه لاقل الاحداث والمواقف... وامير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يرى خطان أسودين على وجهه من شده البكاء... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله».
واخيرا ان موضوع الدموع ليس يخص نوع الجنس، فالامور لا تقاس برجل وامرأة، ولكن من اصدق احساسا فالممثلون من الرجال والنساء يجيدون البكاء في الافلام والمسلسلات، فالاصدق دمعا هو الاصدق احساسا ايا كان جنسه.


Ssahaheenn@hotmail.com
Fallow me@sshaheen9