سيقوم الباحثون والمخططون الاستراتيجيون والسياسيون الغربيون بدراسات متعمقة ومفصلة حول ظاهرة فوز التيارات الاسلامية في تونس والمغرب ومصر، والتي شهدت للمرة الاولى انتخابات نزيهة بعد عقود من الحكم الشمولي في مصر وتونس، وستقوم مؤسسات اتخاذ القرار في الغرب (Think Tank) ببحث تاريخ التيارات الاسلامية وعلاقتها بشعوبها وبرامجها واسباب نجاحها ليعطوا قياداتهم ومتخذي القرار في بلدانهم وشعوبهم اجوبة شافية سواء لبحث طرق التعامل مع تلك التيارات او للتخطيط لاجهاض تجربتها وضربها او لسحب البساط منها.
اما في البلاد العربية فسيتركز بحث الكثيرين حول انتقاد تلك التجربة والتقليل من شأنها او بيان عيوب تلك التيارات وخداعها للشعوب او النفخ فيها واصباغ القدسية عليها، وانها تمثل النصر الالهي المنتظر.
في الحقيقة ان هنالك عاملين رئيسيين يمثلان اسباب صعود التيارات الاسلامية اليوم:
أولا: ان الشعوب العربية قد عاشت عقودا من التغريب والتهميش والظلم على ايدي انظمة ترفع لواء القومية والاشتراكية والحرية والعلمانية، والتي سقطت سقوطا ذريعا ومدويا على جميع الاصعدة والمستويات وخلفت وراءها الدمار على شعوبها وكراهيتهم لها وبحثت عن البديل لاسيما من التيارات الاسلامية التي كانت اكبر ضحية تلك الانظمة ونالها النصيب الاكبر من الاضطهاد.
ثانيا: ان الشعوب العربية يؤمن غالبيتها بالاسلام وفيها نسبة كبيرة من المتمسكين به وممن يعلمون ان الخير كله في تطبيق احكام الاسلام التي تدعو إلى العدل والاحسان والاخلاق الحميدة وتحارب الظلم والفساد، ولاشك ان برامج التيارات الاسلامية التي خاضت الانتخابات قد ركزت على تلك الاهداف وجعلتها شعارات لها، فمن الطبيعي ان يسارع الناس إلى انتخابهم ووضع ثقتهم فيهم.
لكني ارى بان التيارات الاسلامية قد ربحت المعركة ولم تربح الحرب حتى الآن، فهم قد اصبحوا تحت المجهر والناس تنتظر ماذا سيفعلون من اجل تحويل برامجهم الترشيحية إلى واقع ينتشل بلدانهم من ظلمات الانتكاسة إلى بشائر النصر.
ولئن كانت النزاهة والامانة هما عنوان النجاح، فإن الادارة السليمة واستغلال الموارد وتحفيز الاقتصاد هي العصا السحرية التي لابد منها لكي تتحول تلك البلدان إلى النجاح، فالناس الذين لا يحصلون على قوت يومهم والتوزيع غير العادل للثروة والديون الكبيرة على الدولة والفساد الاداري والبطالة الحقيقية والمقنعة، كل ذلك يقضي على جميع الجهود الاصلاحية مهما حسنت النيات.
كذلك لابد لتلك التيارات الاسلامية ان تتجنب الانجرار وراء الانغماس الحزبي وابعاد كل من لا ينتمي اليها وان تعلم بانها الآن مسؤولة عن جميع من ينتمي إلى بلدها حتى من الاديان الاخرى ولا تمثل حزبها او قاعدتها الانتخابية الضيقة واتمنى ان تدرس تلك التيارات بالتفصيل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اسس دولته في المدينة وان تدرس تجربة حزب العدالة والتنمية التركي وغيرها من التجارب الناجحة، فإن فشلها اليوم سيجر الويلات على الشعوب التي وثقت بها وانتخبتها.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com