تحفظت كثيرا، وكففت قلمي مرارا، حرصا مني على عدم إشهار وإفشاء ما يثير الفتن، ويخلخل القيم، إلا أن قلمي أبى ورفض الأسر والتحفظ وذكّرني بما كتبته وقلته مرات عديدة، إن استطاعوا أن يُخرسوا لساني فلن يستطيعوا إخراس قلمي... فقلمي سيّال، جوّال، يتحدى الأهوال، ويعْبر الأخطار، وفي موج الحقائق بحّار...
لذا سيكتب قلمي بما رأيت وشاهدت ولمست من الأحداث الدامية الأخيرة، في بداية الأمر ظننت أنني أعيش في بلد غير الكويت أو أنني أحلم بكابوس علّ أحدا يوقظني منه، كلنا يعلم أن هناك قوى وتيارات وجماعات لها مد وامتداد وأجندات خارجية تهدف تنفيذها داخل دولة الكويت، وهذه القوى ليس لها دور إلا بلورة جو التوتر، وتزويد الأطراف المتصارعة بوعي ذاتي قوي، وتثبيتها على مواقفها، وتوحيد صفوفها، وإن كانت تعلم علم اليقين أنها لا دور فعالا لها في الإنتاج والتطوير والإصلاح، ولكن هذا ما كان ظاهرا للمجتمع، ودورها الحقيقي المخفي بالفساد والإفساد أكبر وأعظم.
لقد شاهدنا جماعات تنتج الفكرة المذهبية المنغلقة وترعاها وتراها جزءاً من استراتيجية اجتماعية، بزيادة التوتر السائد منذ فترة، فكانت السياسة الثقافية رامية إلى تعميم وتشويش وتخبط روحي وفكري، وما عزز وثبت تلك الثقافة التصورات المختلفة التي قدمها المجتمع لنفسه حول ذاته وممارسته ليست في الواقع إلا نوعاً من الأسلحة الذهنية التي تسنها وتبلورها قوى اجتماعية معينة، ذات فكر متعصب لا دور لها إلا اختلاق التوتر، وكانت هي الأداة المبطنة، التي تدعي حاجة المجتمع إلى التغيير والتطوير.
فنحن بحاجة ماسة إلى تحرير الأرواح واستقلاليتها من الفساد المستولي عليها قبل الجوارح والأجساد، فقد انقلبت الموازيين، وأصبحوا من هم في موضع المسؤولية أقرب إلى الفساد، وأبعد عن الصلاح، ليس من الحكمة والحصافة والعقلانية، أن ننتهج نهجا للمحافظة على كيان أسرة متصارعة مختلفة، ونضحي بشعب لا يتقلد إلا كل وفاء وإخلاص لنظام ارتضاه وقَبَلَ به من مئات السنين، ولم ولن يرضى بغيره، قالها وكررها الكثيرون: نحن لست ضد شخص مع شخص آخر ولسنا معارضين لأشخاص ومؤيدين لآخرين، إن عارضنا أو أيدنا فنحن نعارض المنهاج السقيم الذي انتهجه أصحاب النفوس الواهنة والنحيلة في الوصول لمآربهم على حساب مجتمع لا تخفى عليه خافية، من تلك الممارسات المخجلة، بعد ما فقدوا جادة الصواب، وحادوا عن الطريق القويم، إلى طريق الذل والهوان والتبعية للأسياد من دون أدنى شعور بالمسؤولية العظمى الملقاة على عاتقهم، ونقضوا العهد والوعد والقسم الذي أقسموه أمام رب العباد قبل العباد.
فمن ظن أن السياسة هي الخداع والمكر والدهاء، فقد خاب ظنه، فالسياسة تنطلق من الشريعة، وتتقيد بنصوصها وأحكامها، والسياسة تواكب التطورات الداخلة على تصرفات الناس وأوضاعهم، ولا تقف عند حدّ السياسات التفصيلية الجزئية، بل تتجاوزها إذا لم تكن محققة لأحكام الشريعة ومقاصدها إلى سياسات مناسبة للتطور الداخل على حياة الأفراد والأمم في ظل المحافظة على أحكام الشريعة ومقاصدها، ومنها ينبع المحافظة على الأفراد من الانزلاق خلف الأهواء الشرهة الطامعة، التي لا تكتفي وتقنع بما لديها بل تتعدى حدودها إلى ما ليس لها.
هناك آداب وقيم للسياسي، لا يجوز له أن يتجاوزها، ويتخطاها محافظة منه على تاريخه السياسي، وعلى الأمانة التي قبل بحملها وتصدى وقال: أنا لها، فالتاريخ هو الأحداث والمواقف التي نصنعها بأيدينا، وها هو التاريخ يرصد ويسجل ما حدث من خيانة للأمانة بسرقات، وتجاوزات للقوانين المحلية والدولية، وكأن لسان حالهم يقول بللوا القوانين واشربوا ماءها، فنحن فوق وأعلى من أي قانون، فقد آن وقت التوعية الفعلية للمجتمع بمنهجية الاختيار لمن يمثلنا سواء في الحكومة أو البرلمان، حتى لا نتعثر بعقبات النفوس الرديئة، وندفع الثمن غاليا، بتراجع وتساقط وتهاوي دولة مثل الكويت.


منى فهد عبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib