| نادين البدير |
عام 1923 هدى شعراوي تنزع الحجاب.
توالى بعدها نزع الملاءات والعباءات وتصاعدت حدة النهضة النسوية العربية لتبلغ أوجها.
عام 1970 نوال السعداوي تؤلف كتاب المرأة والجنس.
أول شريعة حق مصاغة بحياة المرأة، تعلن أن السيدة الحالمة ليست مخطئة وأن المساواة هي أصل العلاقة بين الرجل والمرأة.
عام 1990 عام الحرب والتطرف. سعوديات يتظاهرن مطالبات بحقهن بقيادة السيارات في الشوارع.
حتى الآن لا أعرف كيف أصف الإيمان بالحرية الذي تملكهن تلك اللحظة ليتمكن من غزو الشوارع وسط ذهول الشعب قبل النظام.
تلك من التواريخ الحاسمة بحياة العربيات. تواريخ صنعت التاريخ.
اليوم وفي ما نسمع الهلع ليل نهار من وصول متشدد للحكم، أشاهد السكينة والهدوء وابتسامة ثقة بوجوه عدد من العربيات المخضرمات صاحبات تلك التواريخ العلامات الفارقة، أبرزهن نوال السعداوي من مصر وسعيدة بلحاج من تونس. سألتهن عن الخوف من ضياع منجزات عقود من النضال النسوي وسط حكم متشدد
أي ضياع؟ ما حققناه ووصلن إليه لن يتأثر مطلقاً بتطرف الحكم أو مدنيته
كل هذه الثقة. هي ذاتها التي دفعتهن لرمي أجسادهن أمام طعنات الأنظمة واستبدادها في عهد كانت الغالبية مطأطئة الرأس به.
الفعل أقوى أثرا من الكلام. فليس أصعب على السيدة من أن تقف وحيدة أمام مجتمع شرس ثم تختصر نضالها بإعلان ثورة فردية.
هؤلاء كانت مهمتهن أصعب. قلن لا في زمن انحنت به الأكثرية.
قدمن إجابات أنثوية وسياسية لكل صرخات الحرية التي كانت تمزق رأسي سنوات صباي. حينها لم تكن هناك ثورة عربية، لم يكن هناك سوى مؤلفات ممنوعة لهن تمكنت من تهريبها لمكتبتي السرية. ولم يكن حولي سوى عباءات سوداء تلتف بها سيدات مجتمعي المقموعات، قبل أن يجيء دوري لألتف بها أنا أيضاً. وبأمر القانون.
كانت تخنقني وتهدد كل أمل بحريتي. تلك الخيوط السوداء التي لا مهمة لها سوى تكبيل مشيتي وعملي وحبي وذكائي وكل شيء.
أحياناً أتساءل: ترى لو مر طيفهن من هنا هل سيفعلن الشيء نفسه؟
هل كن سيقررن الانتقال دفعة واحدة من الانزواء تحت خدر العباءة إلى التظاهر في الشوارع. أم سيرضخن لتدرج الحرية الذي أرضخ له اليوم؟
كيف تغلبن على أوجاع مئات من سنوات الخجل والخوف؟ وكيف خرجن بسن عربية مبكرة من شرنقة العيب والعار؟
وأتساءل: هل حسبن حساب ألسنة المجتمع التي ستلوك شرفهن أم أن معيار الشرف السطحي لا يكون مهماً عند عقد صفقة مع الحرية؟
لم يفرقوا بينهن وبين الساقطات. كعادتهم يخلطون الأوراق. ويميزون بلا رحمة بين السيدات. أطلقوا عليهن أبشع الأوصاف حتى قالوا انهن عاهرات.
حين تخرج المرأة اليوم في ظل الثورات لتعلن أن من حقها قيم حرية جديدة يتفاجأ الرجال مثلما فاجأوا الأنظمة والحكام. يتسمر الرجال أمام ثورة النساء مثلما تسمر حكام العرب أمام الأغنام المطيعة تتمرد وتتحول لأسود مفترسة تزأر عالياً: يسقط النظام
وفق شريعتهم لن يرافق الحريات السياسية نداءات لأي حريات اجتماعية. كل المطلوب تحرر الرجال، كل المطلوب تغيير الأنظمة، والمطلوب أيضا إبقاء الوضع المجتمعي الذي أنجب تلك الأنظمة وأخرجها للنور بتربيته وتنشئته وتسلطه، إبقاء كل ذلك كما هو دون مساس. كم نظاما مستبدا في انتظارنا مستقبلاً إذا؟
كل شيء يمكن تخيله سوى منح النساء حريات اجتماعية تستبيح شرف المجتمع. ولا نسمع عمن يصرخ بوجه الثوار ليخبرهم أن حرية الرجل تعني الفسق والفجور أيضاً. فأين الثوار؟
أين الذين استباحوا شرف النساء حين سمحوا لهن بالوقوف بكل تظاهرة وثورة. يا أصحاب المصالح. ألم يكن وقوف تلك الأجساد الرقيقة بين الملايين طعناً للشرف؟
أين الثوار الذين استباحوا أجساد النساء وهي تتهاوى أمام طلقات رصاص الاستعمار بالعهد القديم ثم رصاص بلطجية الأنظمة بالقرن الجديد. لم يشفع لدى الثوار تعرض المرأة لأسوأ أنواع القتل والاغتصاب على أيدي الاستبداد. بل دفعوها لأن تكون واحدة من الأضحيات. حتى ثائرو الإسلاميين الرافضون لرؤية ذلك النجس المسمى (امرأة) أفتوا بجواز مشاركتها بغزواتهم المجنونة وأمروها بتفجير جسدها باسم الله والجهاد. لم يخش أحدهم على المدعو (شرف) وقتها. وحين ماتت نساء الثورات، اكتفوا بنشر لافتات كتب عليها(شهيدات) وانتهى.
أجساد النساء كانت لعبة بأيديهم. يقررون متى تستباح ومتى تختبئ بالظل
بعضهن لسن خائفات من تكرار النتيجة المعتادة حيث تنتهي حرية النساء مع انتهاء الثورة لتعود الثائرات بعدها للمطابخ والكهوف، لا تفارقهن الابتسامة قائلات بحس عال: لن يحدث ذلك
فالنساء اللواتي تفوقن على كثير من الرجال في مواجهة عقود من ظلم النظام والمجتمع قادرات على مواجهة أي شيء آخر.
أنا أيضا أتمنى ذلك.


كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdear@gmail.com