في الذكرى الخمسين لكتابة الدستور الكويتي مازلنا نسمع الجميع يتغنى بأهمية الدستور وأنه ضمانة للكويت وسد منيع لمن تسول له نفسه التلاعب بالحريات والحقوق وبأنه يمثل علاقة مثالية بين الحاكم والمحكوم، بل تحمس البعض سابقا الى ما يشبه تكفير من يطالب بتعديل بعض مواد الدستور نحو الأفضل بعدما تمت ممارسته لعقود طويلة.
لكن في المقابل نشاهد بأن غالبية خلافاتنا اليوم تتعلق بتفسير الدستور وفهم نصوصه، بل وصل الامر الى انقسام حقيقي في مجلس الأمة حول تفسير المحكمة الدستورية للدستور، فماذا بقي من ضمانات الدستور؟! وعندما قامت المعارضة بالتحرك من خلال مجلس الأمة ومارست حقوقها الدستورية لتصحيح بعض الأوضاع السياسية القائمة، تصدت لها الحكومة وحشدت خبراءها الدستوريين والموالين لها فأجهضت جميع تحركاتها وأفشلتها دستوريا الى ان دخلنا الآن في النفق الذي لا يعلم غير الله كيف سنخرج منه.
لقد أوضحت في مقال سابق بأن استجوابات رئيس مجلس الوزراء ستتحول تلقائيا الى اللجنة التشريعية او الى المحكمة الدستورية بل وإلى التصويت عليها بالتأجيل الى نهاية الفصل التشريعي، ثم تصوت اللجنة التشريعية على عدم دستوريتها لترجع الى المجلس الذي يوافقها بالغالبية، أما استجوابات الوزراء فلا يهم من يسقط فيها فالأضاحي كثر.
ومع تفهمي لأسباب رفض كتلة المقاطعة التصويت على لجنة التحقيق في الايداعات المليونية عن طريق كشف الملفات في البنك المركزي وانسحابها من الجلسة، لكن في المقابل فإن تلك الكتلة قد حرمتنا من كشف جوانب مهمة من الفساد طمعا في ان تصل باستجوابها الاخير الى عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء وحل الحكومة والمجلس، لكن لو أصرت الحكومة على عنادها واستخدام ادواتها الدستورية فإن كتلة المقاطعة ستكون قد خسرت العنب والناطور معا.
يجب ان نعترف بأن جزءا كبيرا من مشاكلنا له شق دستوري وسببه الغموض في تفسير الدستور ولا مناص لنا من تعديل بعض مواد الدستور لتلائم مسيرتنا البرلمانية بدلا من التراشق المستمر بين النواب والحكومة والاتهام بعدم فهم الدستور!!
ان النتيجة التي وصلنا اليها اليوم بسبب ذلك الخلاف هو اننا دفعنا نواب المعارضة الى النزول الى الشارع وإلى ساحة الارادة لأنها فهمت لعبة الدستور التي أتقنتها الحكومة وحطمت بها ارادة الكثيرين تحت قبة عبد الله السالم فلم يبق لديهم الا ساحة الارادة.
إن عيوبنا ليست في النصوص ولكنها في النفوس، وما لم يتم اصلاح النفوس فإن مسيرة الانحدار في البلد ستظل مستمرة وسوف نستيقظ عام 2050 لندرك بأننا قد نمنا نومة أصحاب الكهف، بينما العالم كله من حولنا قد تسابق على التعمير والبناء، فماذا سنجيب ابناءنا اذا سألونا عن السبب، هل سنقول لهم: اعذرونا فقد اختلفنا على تفسير الدستور؟!


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com